كيف يرى الجهاديون أحمد الشرع؟

مراد بطل الشيشاني

كُتِب كثير عن تحوّل أبو محمد الجولاني إلى أحمد الشرع. ولعلّ مشاهدة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية مُستقبِلاً (أو ضيفاً على) زعماء ودبلوماسيين وسياسيين تستحضر شريطاً لتحوّل الشرع من زعيم مجموعة جهادية إلى رئيس دولة بشكلها الحداثي، وهو بالتالي يستدعي التفكير في كيف يفكّر رفاقه الجهاديون بتحوّلاته تلك. وقد كتب صاحب هذه السطور في مقاله “هل قرأ الجولاني الفريضة الغائبة؟” (العربي الجديد، 23/ 12/ 2024) أن الشرع لم يتحوّل، بل السلفية الجهادية هي التي تحوّلت.
ينقسم الجهاديون، أو منظّروهم (ولن أسمّيهم بناءً على طلبهم)، بين مؤيّد ومعارض لتحوّلات أالشرع. يرى التيّار المؤيّد أن التحوّلات ولغاية “تجاوز ضغوط القوى الإقليمية والدولية”، جائزة، لا بل ملحّة، لأن عدم التعامل بمنطق السياسة الشرعية قد يُفقد الشرع كلّ شيء. يؤكّد المؤيدون أن الرجل، ومن معه، يستفيدون من سعة الشريعة بتشكيل نمط دولتهم وشكلها الجديد، لكنّهم لن يتنازلوا عن حكم الشريعة (وإن توافقوا على الشرع)، إذ يرى هؤلاء أن تطبيق أحكام الشريعة لا يكون بالضرورة بشكلها الفجّ الذي اتبعه تنظيم ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) خلال حكمه مناطق في العراق وسورية، لكن هناك أساسيات يجب أن تكون واضحة ومحدّدة. كما يرى هؤلاء أن مشروع الشرع أساسي، لغاية بدء “تحرير الأقصى”، وأحد كبار هذا التيّار قال “إمّا أن يستمرّ ويبدأ المشروع أو يتوقّف باستشهاد الشرع”.
أمّا معارضو الشرع من الجهاديين، فمأخذهم يبدأ بأنه يحابي الغرب، و”الأنظمة الطاغوتية”، وتنكرّه لرفاق السلاح (حرّاس الدين والقاعدة)، وسجنه مجموعات إسلامية أخرى (تحديداً حزب التحرير، ولو اختلفوا معه بشدّة). ومثل هذا التيّار يتهم أحمد الشرع ومجموعته بالتلوّن والخضوع والمحاباة. ويتوقّع هذا التيّار أن الشرع لا يستطيع الاستمرار من دون خروجه تماماً من مظلّة السلفية الجهادية، وهو ما يعني برأيهم “إمعاناً في إرضاء الغرب”.

رؤى الجهاديين واختلافهم في منح أحمد الشرع الشرعية الحركية، لا ترتبط بالشرع نفسه، بل بالمحيطين به، لحاجته لتلك البنى إلى حين تأسيسه قاعدته الاجتماعية السياسية

مواقف الجهاديين مهمّة، بحكم أن شرعية الشرع الحركية اكتسبها من وجوده في تلك المجموعات، وهذا ما سينعكس على المجموعة القريبة منه، أو “القاعدة الصلبة”، التي انتقلت معه من إدلب ورافقته سنوات طويلة في مواجهة نظام بشّار الأسد. وهؤلاء وإن كانوا يلتفّون حول مشروع الشرع السياسي بولاء كبير، إلا أن محكّات أساسية قد تكون عاملاً أساساً في تحديد تلك العلاقة، بدءاً من نوعية الحكم والعلاقة مع إسرائيل ومقتضيات “الولاء والبراء”، حسب أدبيات الجهاديين. ولعلّ العبارات الفضفاضة لنتائج مؤتمر الحوار الوطني، وغياب آلية واضحة لإنشاء المؤسّسات وإدارة الحكم، تعبّر عن حال التأخير والتغييب للأسئلة الأساسية، فهذه من التحدّيات المؤجلّة للشرع. ولا شكّ في أنه يواجه تحدّيات كبيرة، ترتبط بالسؤال الكردي وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتوغّل والتصورات الإسرائيلية لجنوبي البلاد، في وجود مراكز قوى هناك ما زالت ترى أحقيتها، وأنها لم تنل حصّتها من “كعكة الحكم”، وقوى جاهزة لتكون أدوات لقوى إقليمية ودولية. يرتبط التحدّي الآخر بالموقف الدولي، فرغم القبول البادي من أطراف دولية، بات عدم الرضا حديثاً لصالونات الدبلوماسيين، خاصّة الغربيين، بشكل يزيد الضغط على الحكّام الجدد في دمشق، وتحديداً الشرع، ما يتركه أمام خياراتٍ طالما اعتُبرت جيوسياسية لسورية بالابتعاد عن الغرب، والاقتراب من أعداء الأمس، وتحديداً روسيا وإيران، وهما يسعيان إلى تقديم بدائل مختلفة بيد، وتهديداتٍ بأخرى، خاصّة فيما يتعلّق بالساحل، والحالة الاجتماعية السياسية المتشكّلة هناك بعد هروب الأسد بحالة من الشعور بالخذلان والغضب وفقدان السلطة، لا بل والممارسات الانتقامية من بعض المسلّحين، والمحلّيين المنتصرين.
في ظلّ هذه التحدّيات القائمة، التفاف الشرع حول “قاعدته الصلبة” أمر ملحّ، مرحلياً، إذ لا ترتبط رؤى الجهاديين، واختلافهم في منحه الشرعية الحركية، بالشرع نفسه، بل بالمحيطين به، لحاجته لتلك البنى إلى حين تأسيسه قاعدته الاجتماعية السياسية. ولعلّ عدم قدرة قادة سورية العشرين خلال القرن الماضي على بناء تلك القاعدة كانت سبباً في فقدانهم السلطة، فيما عدا حافظ الأسد الذي اعتمد على تمدين قواعد فلّاحية وفق مؤسّسات يسارية (نقابات واتحادات زراعية)، والاعتماد على طائفته العلوية بمنظور أمني قاسٍ، أنتج نظاماً متوحّشاً شاهد العالم نتائجه.
قضية التحوّل (أو تحويل قاعدته) إلى أطر مؤسّسية، وحسم الجانب الأيديولوجي، وتأسيس قواعد مدينية حديثة قد تساهم في ابتعاد الشرع عن الجولاني، خاصّة أن الجهاديين ما زالوا مؤثّرين، إن لم يكن في تفكير الشرع ففي تفكير كثيرين من المحيطين به، وتلك من أكبر التحدّيات التي يواجها الشرع.

المصدر: العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هل سيتمكن احمد الشرع من تحويل (أو تحويل قاعدته) إلى أطر مؤسّسية، وحسم الجانب الأيديولوجي، وتأسيس قواعد مدينية حديثة؟ لتبعد عنه خطر المجتمع الدولي، أم إن ابتعاده عن الجولاني لن يمنع تأثير الجهاديين المحيطين به، إن لم يكن في تفكير الشرع ففي تفكيرهم، وتلك من أكبر التحدّيات التي يواجها الشرع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى