
الكاتبة: فاتن حداد
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون
الطبعة الأولى: 2025م
فاتن حداد روائية سورية واعدة، تقدم في روايتها الأولى “أنا فريدة” تجربة سردية تكشف مشاعر بطلتها فريدة، عبر سرد بضمير المتكلم. ومنذ الصفحات الأولى، ندرك أننا أمام مشكلة إنسانية صحية مؤلمة، حيث تكتشف فريدة إصابتها بسرطان الثدي، وهو الحدث الذي سيشكل نقطة تحول في حياتها ورحلتها السردية.
فريدة، شابة سورية في الخامسة والثلاثين من عمرها، تحمل شهادة في الصحافة وتعمل سكرتيرة في إحدى المؤسسات الإعلامية في إحدى دول الخليج. أثناء إجرائها فحصًا طبيًا روتينيًا، تكتشف إصابتها بسرطان الثدي، لتبدأ معها رحلة المرض، وتولد معها مقاومته. مقاومة لا تأتي في صورة تنظير أو استعراض من البطلة/الروائية، بل تتجلى ببساطة في تفاصيل الواقع، حيث يقود العيش اليومي إلى اكتساب حكمة ما، بينما يصبح الابتعاد عنه مدخلًا لطرافة تتسلل إلى النص بسلاسة ودون تصنّع.
الرواية تبدو أشبه ببوح ذاتي، حيث توثق فريدة معاناتها مع المرض، وتوثق تفاصيل حياتها في كتابها، الذي سيصدر لاحقًا كرواية عن تجربتها في مواجهة السرطان، وعلاجها منه، وصولًا إلى شفائها.
تنتمي فريدة إلى أسرة غير متماسكة، إذ كان والداها في صراع دائم انتهى بالطلاق، فهاجرت والدتها مع زوجها الجديد إلى أوروبا، تاركة فريدة وأختها في رعاية جدتهما لأبيهما، والتي تحمل الاسم ذاته “فريدة”، والتي كانت قد عانت بدورها من سرطان المبيض وتوفيت بسببه، وكأن المرض هو إرث تتوارثه النساء في العائلة.
تسلط الرواية الضوء على واقع الأسرة السورية، حيث التناقضات بين الأزواج، والصراع بين العائلات، وغياب التفاهم، والعيش في ازدواجية بين العلن والسر. كما تتناول الرواية تجربة فريدة كامرأة لم تتزوج رغم بلوغها الخامسة والثلاثين، ورحلتها إلى الخليج بحثًا عن فرص أفضل، لكن عملها هناك لم يكن مريحًا، إذ كان مديرها يستغلها في مهام لا علاقة لها بعملها، ويعيق طموحها الإعلامي. وبفضل إصرارها، استطاعت أخيرًا مقابلة المسؤول الأعلى في المؤسسة، والحصول على فرصة جديدة تحقق فيها ذاتها.
على المستوى الصحي، تدخلنا الرواية في تفاصيل تجربة السرطان بجرأة وشفافية، حيث تسرد البطلة معاناتها مع التشخيص، والآلام الجسدية والنفسية المرافقة للفحوصات، والعلاج الكيماوي، ثم الإشعاعي، وصولًا إلى عمليات استئصال الأورام وإعادة ترميم الثدي. ومن ثم، تتخذ قرارًا صعبًا باستئصال المبيض، خوفًا من انتقال الخلايا السرطانية إليه، ما يحرمها من حلم الأمومة، لكن رغبتها في النجاة كانت أقوى من أي شيء آخر.
وفي خضم معاناتها، تجد فريدة نفسها مضطرة للتعامل مع أسرتها التي تعود إلى حياتها بعد غياب. تأتي والدتها من أوروبا، كما تصل أختها من سوريا لمساندتها، لكنها لا تستطيع تجاوز إحساسها بالخذلان من تخلي والدتها عنها في طفولتها. ورغم حضورهن للاهتمام بها، تشعر بأن وجودهن يشكل عبئًا عليها أكثر مما هو دعم لها.
وسط كل هذه التحولات، يظهر قيس، صاحب مقهى كانت فريدة ترتاده، كشخصية محورية في حياتها. كان الملاذ الذي تلجأ إليه عندما تحتاج إلى دعم حقيقي بعيدًا عن الشفقة الزائفة. قدم لها صداقته ووفاءه في أصعب أوقاتها، وكان شاهدًا على صراعها مع المرض وتعافيها منه.
لكن اللافت في الرواية، هو أن الألم لا يطغى بشكل كامل، بل تتخلله لحظات من الفكاهة التي تسربت إلى السرد، مما منح الرواية توازنًا بين المأساة والفكاهة. ففريدة تنظر إلى بعض مواقفها بعيون ساخرة، وتعيد تأطير بعض الأحداث المؤلمة في حياتها بروح خفيفة، تجعل القارئ يبتسم وسط الحكاية الحزينة، ما يمنح الرواية توازنًا فريدًا بين المأساة والفكاهة.
تنتهي الرواية برضا فريدة عن مصيرها، رغم ما فقدته في رحلتها مع المرض. تتقبل واقعها، وتجد نفسها ممتنة، ولو ضمنيًا، لأسرتها، رغم الجراح القديمة. في النهاية، تقبل عرض الزواج من قيس، الذي كان حاضرًا في حياتها بكل تفاصيلها.
في قراءة الرواية
تمتاز “أنا فريدة” ببوحها الصادق، وطرحها الجريء لتفاصيل جسد المرأة دون ابتذال أو استجداء للعواطف، وهو ما يجعلها نصًا صادقًا بعيدًا عن التصنع. كما تحمل الرواية بُعدًا توعويًا مهمًا حول مرض السرطان، فتجعل القارئ أكثر وعيًا وتعاطفًا مع المرضى، وأهمية تطوير العلاجات لمواجهته.
لكن في مقابل هذا التعمق في الذات، تفتقد الرواية للبعد الأوسع المرتبط بوطن البطلة، سوريا. لا تكاد الثورة السورية وما شهدته البلاد من قتل وتهجير وتدمير تظهر في النص، رغم أن فريدة اضطرت لمغادرة وطنها بسبب الأوضاع. كان يمكن أن يكون لهذا البعد أثر أعمق في تشكيل شخصية البطلة ومسارها الروائي.
فاتن حداد، ابنة الروائي السوري الكبير فواز حداد، تكتب نصًا روائيًا واعدًا، يحمل بصمتها الخاصة. ورغم أنها تحمل إرثًا أدبيًا ثقيلًا، فإنها تقدم نفسها بأسلوب مختلف، بعيدًا عن تأثير والدها. نأمل أن تواصل مشوارها الروائي، وتقدم إضافة حقيقية للأدب السوري والعربي.
أحمد العربي
٦ . ٢ . ٢٠٢٥م.
حقا استمتعت بقراءتك أستاذ أحمد ، قراءة نقدية في نسق أدبي متميز . تشوقت لقراءة الرواية و التعرف على تفاصيلها أكثر .. تقديري و احترامي
رواية “أنا فريدة” للروائية السورية “فاتن حداد” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن الشخصية المحورية “فاتن” صحفية إعلامية تعمل بإحدى دول الخليج ، من خلال الفحص الدوري يكتشف إصابتها بمرض “السرطان” الخبيث، لتكون رحلة المقاومة للمرض .