
دراسة و اقتراح مقدم للإدارة السورية الجديدة الموقرة بدمشق
عشية تحرير دمشق في 2024/12/8 من نظام أسد المجرم تعالت أصوات و مطالبات كثيرة من تجمعات مدنية و سياسية و شخصيات سورية للبدء بصياغة دستور جديد لسوريا لدرجة أن بعض الفئات رفضت الإنضواء تحت قيادة الإدارة الجديدة مشترطة عدة شروط أهمها صياغة دستور ينص صراحة على حماية حقوق الأقليات و عدم إسلامية الدولة.!
و منذ أن تشكَّلت اللجنة الدستورية عام 2019 برعاية أممية استناداً لقرار مجلس الأمن رقم 2254 كنَّا أول من حاججنا كبار مسؤولي اللجنة و رئيسها آنذاك بعدم جدواها و أن حصر مطالب الثورة بصياغة دستور جديد هو مضيعة للوقت و طعن للثورة لأن الشعب السوري لم ينتفض بسبب أخطاء في الدستور الذي لم ينص على إجازة قصف المدنيين في القرى والبلدات السورية بالبراميل المتفجرة و السلاح الكيماوي و باقي الأسلحة الفتَّاكة و المتطورة … إضافة إلى أن عمل دستور أولا فيه تجاوز على تراتبية القرار 2254 الذي نص أولا على تشكيل هيئة حكم إنتقالية …!
و سنتناول بداية الشق الأول من موضوعنا المتعلق بالدلالة على ضرورة تبني دستور سوريا 1950 من قبل الإدارة الجديدة أو قيادة الثورة .!!
و كحلٍّ لتجاوز الأزمة طالبنا -و ما زلنا نطالب و نؤكد في هذه المرحلة الحرجة – على اعتماد دستور سوريا لعام 1950 كمرجعية دستورية قانونية موقتة لحكم المرحلة الإنتقالية و إتمام الإستقرار الأمني و السياسي مما يمهِّد لإنتخاب مجلس نيابي بشكل حر و ديمقراطي يتم من خلاله تحقيق الإرادة الشعبية بتشكيل هيئة تأسيسية وطنية سورية مستقلة(دون أية وصاية أجنبية) من خبراء في القانون الدستوري كالقضاة و المحامين المشهود لهم بالنزاهة و الوطنية و من باقي المختصين بعلم الإجتماع و اللغة العربية…لصياغة دستور دائم وطني و عصري يراعى فيه الموروث الثقافي و الحضاري و الديني لسوريا و بمنظور مستقبلي يؤسس لدولة مدنية جديدة متطورة…! و هذا يتحقق بداية بإصدار قرار سيادي من قبل الإدارة السورية بتعليق العمل بدستور عام 2012 و إصدار إعلان دستوري يتضمن اعتماد الدستور السوري لعام 1950 كمرجعية دستورية وحيدة لحكم الفترة الإنتقالية في سوريا.
– و إننا إذ نناشد الإدارة السورية الجديدة من مبدأ الحفاظ على المصالح الوطنية و السيادية و السلمية العليا للدولة السورية و الشعب السوري…و نؤكد على ضرورة المبادرة الفورية للقيام بهذه الخطوة المحورية لأسباب نرى بأنها ضرورية و منطقية أهمها:
1- ضرورة وجود منظومة قانونية و مرجعية دستورية موقتة لتسيير أمور الدولة الداخلية و الخارجية
2- إن اعتماد دستور 1950 في المرحلة الآنية فيه اختصار كبير للوقت و يسد و يعالج مباشرة حالة الفراغ الدستوري.
3- يمكن البناء على دستور 1950 و الإستئناس به فيما بعد لصياغة الدستور الدائم لسورية لا سيما أنه كان قد صيغَ من قبل هيئة تأسيسية سورية وطنية بامتياز.
4- تاريخيا تعتبر فترة الخمسينيات (فترة تطبيقه) هي الأنصع و الأرقى في تاريخ سوريا الحديث.
5- إن اعتماده يضع حداً لكافة الإنتقادات المغرضة و يُكسِر السهام التي قد تتوجه للدولة السورية و يعطيها مركزاً قانونياً يمنع حالة الإرتجال القانوني خلال هذه الفترة الحرجة و التي تُعدُ الأعقد و الأصعب في تاريخ سوريا.
6- إن اعتماده يضع حدا أيضا لكافة الإعلانات الدستورية الغير متناسقة و الإرتجالية التي صدرت و مازالت تصدر عن شخصيات أو مراكز أبحاث غير مؤهلة للخوض في أنظمة الحكم و القانون الدستوري.
7- إن إعتماد دستور سوريا لعام 1950 كمرجعية دستورية للمرحلة الإنتقالية الحرجة يجنِّب سوريا و الشعب السوري بكل مكوناته و فئاته مخاطر الصياغة العاجلة لدستور جديد مما يؤدي بلا شك إلى عدم الإستقرار السياسي و الدستوري للدولة السورية الواعدة .
و نأتي هنا على الشق الثاني المتعلق بالعدالة الإنتقالية و تحقيق السلم الأهلي الذي نعتقد بأنه مهدد بكثير من المخاطر لما تتميز به سوريا عن كثير من الدول التي حدثت فيها أزمات أو انتصرت فيها الثورات نظرا للسياسة العدوانية القمعية التي تفرَّد بها نظام أسد المجرم و الدول المتحالفة معه و الإنتماءات الفئوية للمليشيات التي حاربت معه ضد الشعب السوري .!
و حيث أن السلم الأهلي لا يتحقق إلا بالمحاسبة العاجلة و السريعة للمتورطين في الجرائم التي وقعت على أهل البلد و حق ذوي الضحايا بالحصول على تعويض مادي و معنوي عادل يوازي آلامهم و أضرارهم …و أهم من هذا و ذاك هو إدراكهم و يقينهم بأن قتلة أهلهم و أحبتهم لن يفلتوا من العقاب و هو ما بات يُعرف بتحقيق العدالة الإنتقالية … كما أن ظهور المتورطين في الجرائم طلقاء بين المدنيين يولِّد لدى ذوي الضحايا الرغبة بالثأر و الإنتقام الشخصي و خارج نطاق القضاء و هذا ما أصبح يُعرف بالعدالة الإنتقامية .! لذلك فإننا نرى بوجوب اتخاذ إجراءات سريعة لمنع حصول حالات من الإقتتال و القتل السوري السوري خارج نطاق القضاء و القانون و نناشد الإدارة العسكرية الحالية بوجوب تشكيل لجان مختصة لملاحقة المجرمين (سواء من قتل بيده أو بلسانه )و البحث عنهم و إلقاء القبض عليهم و حصرهم تهيئة لتقديمهم لقضاء عادل و بعد الإستعانة بخبراء مختصين بتوثيق الأدلة الجنائية . كما ننصح أيضا بتشكيل لجان قانونية و إعلامية مهمتها توثيق أسماء شهداء الثورة و المعتقلين و الذين قُتلوا تحت التعذيب و المخفيين قسريا إضافة لتوثيق كافة المعاقين و المتضررين من جرائم القصف العشوائي و الإبادة و المجازر الجماعية و… و لا ننسى هنا المطالبة الشعبية بتجريم كل من ينكر تلك الجرائم (جرائم الإبادة الجماعية بحق العرب المسلمين السنة) أو ينكر جرائم بشار أسد و المقربين منه أو يمجِّد نظامه … و إصدار مرسوما سياديا يعتبر ذلك جناية عقوبتها لا تنقص عن السجن لثلاث سنوات .!؟
وكما أننا نرى و نعتقد بقوة بوجوب إحداث محاكم ثورية جنائية خاصة مهمتها محاكمة كل من تورَّط أو شارك أو تدخل في قتل الشعب السوري أو أعطى أمراً بذلك و مهما كان انتماءه أو صفته أو علا منصبه و بأية و سيلة كانت أو انتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان أو قام بخرق باقي المعاهدات و الإتفاقيات الدولية ذات الصلة.
– و نقترح أن يتم تشكيل و عمل و هدف المحاكم الثورية وفق أسس و معايير أهمها التالية:
1- يتم إحداث محاكم ثورية جنائية في سوريا بناء على اقتراح السيد وزير العدل و قرار من الإدارة العسكرية الثورية.
2- تُحدث في كل محافظة سورية محكمة ثورية جنائية مؤلفة من ثلاث قضاة يُرشحهم وزير العدل من تتوفر فيهم النزاهة و الكفاءة العلمية و الخبرة القانونية و السمعة الحسنة من القضاة و المحامين السوريين… و يمكن إحداث أكثر من محكمة في المحافظة حسب الحاجة.
2- تُحدث في العاصمة دمشق محكمة نقض جزائية واحدة مؤلفة من خمسة أو سبعة قضاة من ضمنهم الرئيس يرشحهم وزير العدل من القضاة أو المحامين الذين سبق وصفهم …تختص بالنظر -بجلسات غير علنية -في الطعون التي قد ترد على القرارات الصادرة عن المحاكم الجنائية في المحافظات. و تصدر قراراتها بالإجماع أو بالأكثرية . و لمحكمة النقض تصديق القرار أو تعديله أو إلغاءه بقرار قطعي مبرم واجب التنفيذ الفوري.
3- تتألف المحكمة الجنائية في المحافظة من ثلاث قضاة من بينم الرئيس إضافة لمدعي عام و تتخذ قراراتها بالإجماع أو الأكثرية .
4- تجري محاكم الجنايات في المحافظات محاكماتها بشكل علني و فق قانون العقوبات السوري لعام 1949 و قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري ، و تكون قراراتها قابلة للطعن بطريق النقض خلال عشرة أيام فقط تبدأ من اليوم التالي لصدورها وجاهيا أو اليوم التالي لتبليغ المحكوم عليه غيابيا و تصبح مبرمة واجبة التنفيذ إذا لم يقع عليها الطعن في المدة القانونية المحددة.
5- تجري على المحاكمات في محاكم الجنايات في المحافظات و محكمة النقض حالة القضاء المستعجل مع توخي تحقيق العدالة و ضمان الحقوق و عدم الوقوع في الظلم.
6- يحق للمتهمين و بكافة أنواع التهم المنسوبة إليهم توكيل محامين مرخص لهم أصولاً.
7- في حال قررت محكمة النقض التوسع بالتحقيقات و الحصول على مزيد من الأدلة كسماع مزيداً من الشهود أو مشابه فيتوجب عليها أن تجري محاكماتها بشكل علني و تصدر قراراتها مبرمة .
8- تعتبر هذه المحاكم محاكم خاصة و موقتة تختص بالنظر فقط بكافة الجرائم التي وقعت على السوريين ما بين تاريخ 2011/3/15 و تاريخ 2024/12/8 و يمكن تمديد هذه الفترة لتغطية النظر في الجرائم التي وقعت بعد التحرير إذا ثبت ارتباطها أو تعلقها بفترة الثورة المشار إليها.
9- لا تحتاج قرارات الإعدام المبرمة أو التي اكتسبت صفة الحكم المبرم لتوقيع أي شخص من أشخاص السلطة التنفيذية.
10- يصدر مرسوم بإلغاء المحاكم الثورية الخاصة فور الإنتهاء من صدور قرارات نهائية قطعية بشأن كافة الجرائم التي كانت منظورة لديها .