“قسد” المشكلة الأصعب

أحمد مظهر سعدو

لعل من أهم وأصعب المشكلات التي تعترض طريق الإدارة الجديدة في دمشق، وبعد أن تم كنس الطغيان الأسدي وكذلك الاحتلال الإيراني ومعه معظم الوجود والهيمنة الروسية، عن مجمل الجغرافيا السورية، يبقى وجود ميليشيا وتشكيلات “قسد” في شمال شرقي سوريا، وذاك الدعم الأميركي لها، عبر وجود وتموضع قواعد أميركية عدة في تلك المنطقة من سوريا. ويبدو أن كل الحوارات والنقاشات والمفاوضات البينية التي جرت بين إدارة العمليات العسكرية، وأيضاً الساسة في دمشق، لم تنتج ما هو إيجابياً، وما هو من الممكن أن يكون حلًا سلميا ومعقولًا، يعيد هذه القوات والتشكيلات إلى وضعها الطبيعي، داخل المؤسسة العسكرية السورية الجديدة، ويسهم بالضرورة في وحدة الوطن السوري، ثم يقوم بإبعاد كل العناصر الإرهابية من منظمة (ب ك ك) الموجودة والمنضوية داخل أطر “قسد” العسكرية والتنظيمية، ويعيدهم من ثم إلى جبال قنديل، أي من حيث جاؤوا قبل ذلك إلى شمال شرقي سوريا.

حيث ما يزال مظلوم عبدي قائد قوات “قسد” يراهن على استمرار الدعم الأميركي، وما برح يعتقد وتنظيمه معه، أن الوجود الأميركي، سيبقى إلى الأبد، وأن السياسة الأميركية لن تتغير، ومن ثم فإن بقاء “قسد” مسألة ليس فيها نظر، وأن البقاء هناك في شمال شرقي سوريا، سيؤسس لبناء دويلة انفصالية، تنجز الحلم الكردي، لبعض آل “قسد” وما يقترب من تفكيرهم السياسي، وهو ما يزال يعتقد أن الفرصة ما انفكت مواتية له لإنجاز ذلك.

اللامركزية السياسية التي تتحدث عنها “قسد” ومنظريهم، لا يمكن أن يتم التفاهم فيها وعلى أساسها، بل إن لعل فكرة اللامركزية الإدارية التي قد تكون الأقرب إلى العقلانية السياسية والتطبيق العملي

لكن هذا التفكير غير الواقعي، ليس لديه الحظوظ الكافية، للتحقيق ميدانياً لأسباب كثيرة منها:

– إن الإدارة الأميركية الجديدة، أي إدارة دونالد ترمب تمتلك علاقات طيبة مع الأتراك، وتريد أن تتساوق مع الرؤية التركية، في ذلك، وتأمين الأمن القومي التركي، خاصة وأن مصالح أميركا كبيرة ومتعددة مع الدولة التركية، التي هي عضو مهم في حلف الناتو.

– يضاف إلى ذلك فإن الأميركيين يريدون هدوءا في سوريا، بعد إزاحة نظام بشار الأسد وكنس الوجود الإيراني من سوريا، ولا يقبلون أي تمدد جديد للإيرانيين في سوريا، خاصة وأن الحديث يدور حول دور إيراني كبير في دعم “قسد” عسكرياً.

– كما أن الشعب السوري بكافة فصائله العسكرية، عدا ميليشيا “قسد” قد وافق على حل الفصائل واندماجها في مؤسسة عسكرية سورية صرفة، تتبع منهجية وتكوين العمل العسكري السوري الوطني، الذي يحمي الوطن، ولا يحمي تشكيلات حزبية أو ميليشياوية.

– وأيضاً فإن شرط “قسد” المطروح للاندماج في الجيش السوري والمؤسسة العسكرية التي تتبع وزارة الدفاع في الحكومة السورية، الشرط الذي يقول ببقاء “قسد” كتلة عسكرية صلبة، ومنفصلة لا تخضع لمتطلبات ومحددات التوزيع والتفتيت، مع لم وجمع، مسألة لا يمكن أن تحصل في الدول التي تحترم نفسها، أو تريد بناء أوطانها وليس كياناتها ومحاصصاتها، بشكل علمي وعسكريتاري صحيح.

– كما تجدر الإشارة إلى أن اللامركزية السياسية التي يتحدث عنها أهل “قسد” ومنظريهم، لا يمكن أن يتم التفاهم فيها وعلى أساسها، بل إن لعل فكرة اللامركزية الإدارية التي قد تكون الأقرب إلى العقلانية السياسية والتطبيق العملي، ضمن أطر وسياقات إعادة بناء سوريا الوطن الواحد المتناسق والمندمج والموحد.

– ولا يجب أن يغيب عن مخيال أهل “قسد” ومن في حكمهم، من أن الدولة التركية التي عانت ما عانت من استمرار إرهاب “قسد” وتنظيم (ب ك ك) لا يمكن أبداً أن تنسحب من الأراضي السورية مع بقاء “قسد” على وضعها الحالي من دون حل نفسها والاندماج في أتون الجيش السوري المنضبط. ولعل شرط تركيا كان وما يزال هو إزالة إرهاب (حزب العمال الكردستاني) وتفكيك “قسد” وتنظيمها العسكري الذي أقلق وما يزال يقلق الدولة التركية.

الشرط الذي يقول ببقاء “قسد” كتلة عسكرية صلبة، ومنفصلة لا تخضع لمتطلبات ومحددات التوزيع والتفتيت، مع لم وجمع، مسألة لا يمكن أن تحصل في الدول التي تحترم نفسها.

إن الوعي المطابق المفترض لدى “قسد” يحتم عليها إذا ما أرادت البقاء كتنظيم سياسي سوري، أن تؤسس لتفكير سياسي جديد مختلف يواكب التغييرات التي حصلت في سوريا، ومن ثم يعيد تأسيس نفسه من جديد، على أن “قسد” ومن معها، جزء من سوريا الواحدة الموحدة، وعليهم التفاهم مع باقي الشعب السوري، وإلا فإن الحل العسكري المحتمل سيكون آخر العلاج وهو الكي، وهو ما لا يريده السوريون، ولا يحبذه الساسة في دمشق، ويفترض أن لا يقبل به من يفكر بمستقبله ومستقبل شعبه ووطنه، إذ عليه أن يتنازل بعض الشيء من أجل بقائه، وبقاء الوطن السوري موحداً وحراً. فهل ستستمع “قسد” إلى ذلك، وإلى صوت العقل، بعد أن تدرك أن الأميركيين لن يكونوا معها وفي صفها ضد تركيا أو ضد الإدارة الجديدة في دمشق. أم أنهم سيبقون وقد ركبوا رؤوسهم ويصرون على الحل العسكري، الذي سيزيد آلام السوريين، وسيقض مضجع سوريا الجديدة، سوريا المستقبل الأفضل.

خاصة بعد أن استمعوا بالأمس القريب إلى تصريحات جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سوريا، حيث قال “الولايات المتحدة لم تعد تقدم وعوداً جديدة للأكراد في سوريا بعد هذه التطورات، كما أنها لم تدعم فكرة إنشاء جيش منفصل داخل الدولة السورية”.

كما أنه لم يأل جهداً في تفصيل أوضاع السياسات الأميركية القائمة والمستقبلية مع تركيا عندما قال “إن هناك توازناً مع تركيا، وأن واشنطن لن تتخلى عن دعم قوات (قسد) في حال تعرضت لضغوط عسكرية، رغم أنها ستشجع الأكراد السوريين على فهم أنه لا توجد ضمانات أبدية لدعم دولة داخل دولة في شمال شرقي سوريا”.

والواقع يقول إن كل الظروف الإقليمية والمحيطة، تشير إلى خطأ عدم الاندماج داخل المؤسسة العسكرية السورية، كما تبين أن أجمل هدية يمكن أن يقدمها الفصيل العسكري، أي فصيل، هو اندماجه داخل أطر المؤسسة العسكرية السورية، التي تتبع وزارة الدفاع، مهما كان هناك من خلافات أيديولوجية، لأن الوطن السوري هو الأهم والوطن الواحد كان ومازال حلم كل السوريين الذي لن يتراجع السوريين أبداً عن إنجازه عاجلًا أو  آجلًا وعى ذلك أم لم يعِه، هؤلاء الذين يبحثون عن مشاريعهم الصغيرة على حساب الوطن السوري ووحدته.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى