لماذا سيضطر الغرب لصداقة سورية؟

فاجأ أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام الجميع بالسرعة التي انقض  فيها على العاصمة دمشق محدثا مايشبه موجة من الرعب لدى القيادات العسكرية والأمنية للنظام المخلوع ، وهكذا هرب جميع أركان النظام وعشرات الألوف من الضباط القادة فلم يعد أمام الجنود سوى رمي أسلحتهم ولباسهم العسكري والفرار من مراكزهم وثكناتهم تاركين وراءهم دباباتهم وطائراتهم ومدافعهم وكأن زلزالا  مدمرا قد حدث .

ورغم أن تلك الحملة العسكرية المذهلة بنتائجها قد سبقها نوع من التوافق الدولي لعدة دول كبرى واقليمية حين أقنعت تركيا روسيا بعدم التدخل باعتبار أن الحملة ستقتصر على الحاق الهزيمة العسكرية بقوات النظام السوري وحلفائه الايرانيين في منطقة خفض التصعيد التي سبق أن أجبروا فيها  المعارضة المسلحة على التراجع خلافا لاتفاقات استانة في ريف ادلب الجنوبي بما في ذلك المعرة وخان شيخون وريف حماة الشمالي بما في ذلك مورك, وشرقا أيضا مما أفسح الطريق أمام قسد للسيطرة فيما بعد .

وبالطبع فقد كان للروس أسبابهم الخاصة حين استجابوا لأردوغان , فهم كانوا متعبين من الحرب الأوكرانية ومتعبين من تعنت بشار الأسد ورفضه طلبهم الذي الحوا عليه في التطبيع مع تركيا , وربما كان تفكيرهم ينصرف  إلى أن الأسد بحاجة لدرس قاس ليراجع مواقفه السياسية التي أصبحت عائقا حقيقيا أمام السياسة الروسية لسورية .

أما الولايات المتحدة فقد كانت مهتمة على نحو خاص بقطع أذرع ايران في سورية بعد طوفان الأقصى وحرب لبنان , وقد جاء ذلك الاهتمام ليغير من استراتيجية الولايات المتحدة في التساهل مع بقاء بشار الأسد طليقا مع إضعافه وعزله تمهيدا لتغييرات تتناول إعادة النظر في بنية الدولة السورية وليس في النظام السياسي فقط .

ووفق النتائج التي خلصت إليها كل من الولايات المتحدة واسرائيل بعد حرب غزة ولبنان فإن قطع إمداد  حزب الله من ايران وكما وصفه نتنياهو بانبوب الاوكسجين لحزب الله أصبح أمر ملحا وهكذا وبعد فشل جميع محاولات إسناد تلك المهمة لبشار الأسد ليس لعدم استعداده القيام بها ولكن لادراكه عجزه عن ذلك في ظل تغلغل النفوذ الايراني داخل أجهزته العسكرية والأمنية وصولا لأخيه ماهرالمعروف بولائه لايران وفرقته الرابعة أقوى فرق الجيش المكلفة بالدفاع عن النظام بدمشق . فقد كان لابد من التفكير بحل آخر يجبر الأسد بالقوة على تغيير سياسته تجاه ايران أو يزيحه جانبا لصالح مجموعة من كبار الضباط  بمساعدة خارجية . وذلك ما جعل الولايات المتحدة تتفهم مشروع اردوغان في إطلاق جملة عسكرية محدودة تدفع بقوات النظام السوري خارج منطقة خفض التصعيد وتجعله مضطرا في النهاية لتغيير توجهاته السياسية .

لكن ماحدث بعد ذلك لم يكن بالحسبان , فقد أظهرت القوة الصغيرة للشرع فعالية وجرأة مدهشة , واندفعت بقوة لتعصف بجيش النظام كما تفعل العاصفة بشجرة منخورة يابسة , وخلال أيام كان قد انتهى كل شيء وسقطت دمشق .

توقف الجميع مذهولين وحائرين فقد تجاوزهم الحدث لدرجة لم يعد مجديا توقيفه ودفعه للوراء , لكن سرعان ما استعاد الغرب وضع خطة طارئة لاحتواء الموقف تجسدت باجتماع العقبة.

كانت الخطة مبنية على استعادة المبادرة السياسية من أحمد الشرع , والضغط عليه للتنحي جانبا لصالح حكم بديل عبر أدوات قديمة مثل الائتلاف وتشجيع نخب سورية لعقد مؤتمر عام يتم عبره تغيير المسار السياسي  واستخدام العقوبات الاقتصادية سيفا على رقبة سورية والحكم الجديد.

حتى الآن لم تظهر تلك الاستراتيجية أي بوادر للنجاح , فالائتلاف أضعف كثيرا من أن يكون حصان طروادة لذلك المشروع , والنخب السورية منقسمة ومعزولة إلى حد كبير , بينما أظهر الشارع احتضانا قويا للعهد الجديد , كما أظهر الشرع مرونة فائقة في المناورة السياسية وتجنب الأخطاء والمطبات .

وخلال شهر راكم العهد الجديد انجازات  على غاية من الأهمية جعلت شعبيته تزداد إلى حد أن جمهور السوريين في غالبيته الساحقة لم يعد يصغي للنخب اليسارية التي تحولت لنخب ليبرالية متشددة ومعزولة .

التقط الشرع  فكرة المؤتمر الوطني بذكاء وحولها أداة له بدل أن تكون أداة عليه وهكذا تم تجريد الخطة الأممية من سلاحها وأصبح بيدرسون معلقا في الهواء .

بالطبع يرغب الشعب السوري  في أن يرى مؤتمرا للحوار الوطني , بل مؤتمرات , ويرغب أن  يرى تحولا نحو الديمقراطية لارجعة فيه , لكن ما لايحب رؤيته بالتأكيد هو أن يعمد الغرب لاتخاذ ذلك مطية لسياسات تهدف للهيمنة والتدخل في  شؤونه الداخلية .

لقد انتظر بعض السوريون طويلا تدخل الغرب لانقاذهم من نظام وحشي كنظام الأسد بدون جدوى , وبينما كانت أوربة تتخذ خطوات متسارعة نحو االتطبيع مع الأسد وإضفاء شرعية مزيفة عليه تمكن الشعب السوري بما يشبه المعجزة من اسقاطه .

بدءا من انقاذ السوريين من نظام لايمكن لشعب أن يحتمله في طغيانه ووحشيته وفساده بعد أن فقد الشعب السوري كل أمل , إلى الطريقة السلمية المنضبطة التي سيطرت فيها هيئة تحرير الشام على المدن الرئيسية والعاصمة , إلى الحرص على احترام الأقليات الدينية , صحيح أنه كانت هناك تجاوزات وحالات استخدام للعنف أو الاذلال لبعض المحسوبين على النظام أو المطلوبين لكنها كانت حالات محدودة وفردية في الغالب . ولابد أن المراقبين الأجانب الذين حفلت بهم  سورية قد رصدوا كيف اصطفت طوابير طويلة أمام مراكز للهيئة تولت تسوية أوضاع جيش النظام وميليشياته بطريقة هادئة ومنظمة .

كل ذلك إضافة لانخفاض الأسعار بسبب انتهاء فرض الخوات على انتقال السلع وفتح الطرق وعودة العلاقة الطبيعية مع تركيا ودول الجوار , والجهود غير العادية التي يبذلها العهد الجديد لتحسين المعيشة بما في ذلك تأمين منتجات النفط والغاز والخبز والكهرباء أضافت لرصيد العهد الجديد وجعلت من الصعوبة بمكان التفكير في سياسة تتجه نحو مواجهته واسقاطه .

رغم كل مايثار اليوم حول ابقاء العقوبات الاقتصادية والحملات الاعلامية وتشجيع بعض النخب السياسية للمعارضة , وتصيد أخطاء النظام الجديد مهما كانت صغيرة , والتهويل حول توجهه الاسلامي وخلفيته الفكرية , تبقى السياسة الدولية أسيرة لمعطيات تتعلق بالتوازنات الاقليمية والدولية , فالغرب لم يعد ذلك الغرب عشية انتهاء الحرب العالمية الأولى , وحين أسمت كونداليزارايس أوربة بالقارة العجوز لم تكن بعيدة عن الواقع , ولا حاجة للكثير من الأدلة فيكفي مانراه في لبنان من عجز مفضوح لفرنسا في دعم الأطراف السياسية الطائفية التي اعتبرت فرنسا دائما أمها الحنون .

أما الولايات المتحدة التي ورثت قيادة الغرب فهي على وشك التخلي عن استراتيجيتها في إنشاء ورعاية كيان انفصالي في شرق سورية أمام صلابة الموقف التركي وحاجة الغرب الماسة لبقاء تركيا ضمن الناتو وعدم انزياحها نحو روسيا .

وقد تعلمت روسيا الدرس ولو متأخرة , وهي تحاول مد الجسور مع العهد الجديد في سورية حتى على حساب كل الامتيازات التي منحها إياها النظام المخلوع .

اليوم أو غدا أو  بعد غد سوف يضطر الغرب لرمي سياسته في التخطيط للانقلابات كما فعل في مصر وتونس جانبا فهي لم تعد مجدية في سورية , وسيجد أن استقرار المنطقة كلها يبدأ باستقرار سورية , وأن مصلحته في ذلك الاستقرار أكبر بكثير من أية مخاوف لا أساس لها أو أطماع لاقيمة لها أمام استقرار المنطقة .

ومنذ الآن وحتى يدرك الغرب تلك الحقيقة فإن التحالف الناشىء بين الدولة السورية الوليدة وتركيا إضافة للاحتضان العربي سيتكفل بسير القافلة السورية نحو الأمام مهما اعترضها من عقبات على الطريق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى