فتح سماح النظام لوسائل الإعلام المؤيدة له بالحديث عن تفشي وباء كورونا في مناطق سيطرته، وإجراءات الحكومة في دمشق للحد من انتشار الفيروس، الباب أمام جدل واسع حول دوافع أسلوب التعاطي الجديد.
وبينما يرى البعض أن النظام بات مجبراً على التعامل بواقعية أكبر مع الانتشار الكبير لكورونا في مناطق سيطرته مؤخراً، يرى آخرون أن الهدف من ذلك استغلال الحدث من أجل الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، في ظل العزلة والعقوبات المفروضة عليه.
والاثنين، أعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام حصيلة هي الأعلى لها في يوم واحد منذ آذار/مارس الماضي، وقالت إنه تم تسجيل 38 إصابة جديدة وهو أعلى رقم من الإصابات تعلن عنه في مناطق سيطرة النظام. وبهذا يرتفع عدد الإصابات منذ الإعلان عن أول إصابة إلى 847 والوفيات إلى 46 بعد تسجيل حالتي وفاة جديدتين.
ومع ذلك لا تعبر الأرقام الصادرة عن الوزارة عن حقيقة الوضع في سوريا، باعتراف “صحة” النظام نفسها.
وقالت الوزارة إن الأرقام التي تقدمها هي فقط للحالات التي تم التثبت منها بعد الفحص المخبري بجهاز ال”PCR”، بينما لا يمكن الوصول إلى مئات الأشخاص الذي تظهر عليهم أعراض المرض، كما لا تستطيع الوزارة إجراء المسحات المطلوبة بسبب عدم توفر أجهزة اختبار كافية، معللة ذلك بالعقوبات المفروضة على سوريا.
ومع إقرار وزارة الصحة بعجزها، بدأت وسائل الإعلام التابعة للنظام بكسر الصمت الذي كان مفروضاً على المعلومات حول حقيقة ومستويات انتشار الفيروس في مناطق سيطرة النظام، لتؤكد الأنباء التي كان يجري تداولها بشكل سري، والتي تتحدث عن أعداد كبيرة من الإصابات والوفيات، خاصة في دمشق وريف دمشق وحلب.
لكن اعتراف حكومة دمشق الذي يأتي تمهيداً على ما يبدو لإعلان الأسوأ لاحقاً، والسماح بتداول الأخبار عن تفشي المرض في مناطق سيطرة النظام بعد أن كان ذلك من المحظورات، بالإضافة إلى إعلان إغلاق المساجد والنوادي والمطاعم والملاهي لمدة 25 يوماً للمرة الثانية، أمر يدعو للريبة بالنسبة للبعض في المعارضة.
ويعتبر هؤلاء أن النظام يسعى إلى استثمار الحدث من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، من خلال الظهور بموقف الضحية، مع تشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، رغم أن هذه العقوبات لا تمس القطاع الطبي أو الإنساني بشكل عام.
ويضيف هؤلاء أن النظام يعمل على التهرب من مسؤولياته تجاه المواطنين في مناطق سيطرته، وتحميل الآخرين عبء الواقع المزري الذي أوصل إليه البلاد، خاصة في ما يتعلق بالرعاية الطبية، بسبب التقليص الكبير لميزانية الخدمات لصالح تمويل الحرب التي يشنها على المعارضة منذ تسع سنوات.
تشكيك لا يمكن التقليل من وجاهته بطبيعة الحال، لكنه لا ينفي في الوقت نفسه أن المناطق التي يسيطر عليه النظام هي بمواجهة كارثة صحية خطرة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة. لكن طبيعة هذه الاستجابة تبدو هي الأخرى محل خلاف بين المعارضين، رغم الاتفاق على ضرورتها من حيث المبدأ؟
وبينما يرى البعض أنه يجب على المعارضة التحرك بسرعة ومخاطبة العالم باسم جميع السوريين ومن أجل جميع السوريين، بغض النظر عن موقفهم السياسي أو مكان إقامتهم، من أجل تقديم المساعدة اللازمة للشعب السوري، لتخطي هذا الخطر، يحذر آخرون من أن النظام سيسطو كعادته على أي مساعدات.
وعليه، يقترح هؤلاء، أن يتم حصر المساعدات التي يجب تقديمها بالأجهزة والمواد والتجهيزات الطبية، كما يجب التركيز على أن تقوم الدول الداعمة للنظام الغنية، وفي مقدمتها روسيا والصين، بمسؤولياتهما ومد المراكز والمؤسسات الطبية في مناطق سيطرة النظام بالاحتياجات اللازمة، بدل دفع بشار حكومة الأسد لاستغلال الوباء من أجل السعي لتحقيق مكاسب وتوظيفه سياسياً على حساب أرواح المواطنين وحياتهم.
مرة أخرى ينجح النظام في وضع المعارضة والعالم أمام تحدٍ أخلاقي يتطلب موقفاً انسانياً تبدو كل المؤشرات أن النظام سيكون مستفيداً منه بالدرجة الأولى. وبينما يشتكي النظام من ضعف إمكاناته وعجزه المادي بسبب العقوبات، فإنه يعلن استعداده لشن عمليات عسكرية جديدة لاستعادة إدلب، رغم التكاليف الباهظة لمثل هذه المعركة الأمر الذي يضع الجميع أمام مفارقة كبيرة أخرى من مفارقات النظام.
المصدر: المدن