لم يدب الرعب في قلوب اللبنانيين هذه المرة، من جراء العملية “الاستعراضية” الخاطفة في جنوب لبنان، ذلك قبل ان يخفف”حزب الله” من وطأتها الى حد إنكارها، ووضعها في إطار “الإشكال الفردي” بين عناصر القوات الإسرائيلية او “نيران شقيقة” نتيجة خوف العناصر، أو حتى قبل الرواية الإسرائيلية عن صد عملية تسلل لمقاتلي الحزب. إذا اللبنانيون أدركوا مبكراً حتى في أسوأ السيناريوهات العسكرية، انها لا تعدو العرض المدروس بدقة وعناية للفعل وردة الفعل والنطاق الجغرافي والأسلحة المستخدمة، على طريقة “win win station”، إذا ان كليهما سيربحان حرباً لم يخضها اي من الطرفين وهكذا صار..( تأكيداً على ما ورد في مقال “نداء الوطن” أول من أمس تحت عنوان “إسرائيل و “حزب الله” يربحان حرباً.. لم تقع!). وتيرة و لهجة و مضمون و المسار العسكري والإعلامي والبيانات المضادة، تشي بـ”عدة الشغل” الجديدة لتعديل “قواعد الاشتباك” الواردة في القرار 1701، بعيدا عن عيون “اليونيفيل” طبعاً، وتحويلها فعلياً الى قواعد “اللاإشتباك ” بين “حزب الله” وإسرائيل، كاتفاق ثنائي ضمني غير معلن “gentleman agreement” الا أمام راعيهما الإيراني والأميركي، يفرضه مآل الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، فيما الدولة اللبنانية بعهدها وحكومتها ملتزمة بالحياد المقيت والصمت المخزي! ففعلاً لم تتضح الصورة الميدانية الكاملة لما جرى أمس على الحدود الجنوبية، بصرف النظر عن البيانات والبيانات المضادة التي يبدو أنها معدة سلفاً و “غب الطلب”، هل هي محاولة تسلل لعناصر “حزب الله” في مناطق مزارع شبعا المحتلة تم احباطها كما قالت اسرائيل، او إطلاق صاروخ كورنيت باتجاه آلية اسرائيلية في هذه المنطقة؟ هل سقط جنود اسرائيليون ام لم يسقط كما نفت اسرائيل. لم تتضح الصورة العسكرية الكاملة، لكن الصورة السياسية كانت اكثر وضوحا، “حزب الله” لا يريد التصعيد وجر اسرائيل الى حرب كما قال نائب الامين العام الحزب الشيخ نعيم قاسم عشية الرد على عملية قتل احد عناصره في سوريا، واسرائيل التي حذرت من التصعيد، اظهرت مواقف مسؤوليها انها ليست راغبة في تصعيد الموقف العسكري، وما رافق مجريات الحدث العسكري الملتبس، كشف عن رغبة الطرفين في تظهير كل حضوره وموقفه، فيما الحكومة اللبنانية كانت الغائب الأكبر عن المشهد، ف”حزب الله” اظهر انه ملتزم بالرد، واسرائيل اظهرت ان ما جرى لا يستدعي حرباً، ودعت بعد ساعتين من العملية العسكرية الى عودة الحياة الطبيعية في مناطق الجليل وعلى امتداد حدودها الشمالية. الطرفان لا يريدان التصعيد، واستعراض القوة كان على الدولة اللبنانية، وهو ما سيلقي بتداعياته بالضرورة على النقاشات في مجلس الأمن الدولي مطلع الشهر المقبل من اجل التجديد لقوات “اليونيفل”، اذ كانت واشنطن اعلنت قبل شهر عبر مندوبتها في مجلس الامن، انها تتجه لوقف مساهمتها بتمويل “اليونيفل”، في موقف اعتراضي على ما تعتبره تعطيلا لدورها في الجنوب اللبناني، لذا برزت مواقف من الجانب الاميركي الى تعديل مهمات هذه القوات. اللعب على الحدود بين اسرائيل و “حزب الله”، الذي بات مكشوفاً، هو لعب فوق الحزام وغايته تسجيل النقاط، وبالتالي يتطلع “حزب الله” نحو مزيد من فرض دوره العسكري والأمني لبنانيا وفوق الدولة، واسرائيل في ترسيخ حضورها السوري، وضمان استقرار حدودها الشمالية مع سوريا ولبنان، فهي فرضت على “حزب الله” بقوة تحالفها مع روسيا عدم الرد من الاراضي السورية إنما من النافذة اللبنانية. يدرك الطرفان ان مصلحتهما المحافظة على الاستقرار، فلا “حزب الله” يريد تقويض الاستقرار الامني في مناطق نفوذه، واسرائيل لا تريد الاخلال بالهدوء في الشمال. عملية الامس بدت أقرب الى السير بين الخطوط الحمر دون مسها، وكان نعيم قاسم أكد ليل الأحد ان “حزب الله” تلقى رسالة اسرائيلية عبر الامم المتحدة، ورفض الكشف عنها. هذه الرسالة قد يكون ما جرى أمس يكشف مضمونها، ان ردا “خُلبيا” على الحدود من دون دماء، يلبي حاجة “حزب الله” الاستعراضية، ولا يحرج اسرائيل فيدفعها نحو رد عنيف، فيما الحكومة اللبنانية ولبنان عموما، أقرب الى “شاهد ما شفش حاجة”، وهو حال يرضي “حزب الله” ولا يزعج اسرائيل على “قاعدة لا يموت الذيب ولا يفنى الغنم”!
المصدر: جنوبية