وصفت واشنطن الانتخابات التشريعية التي أجريت الأسبوع الماضي في سوريا بأنها «ذريعة كاذبة» من نظام الرئيس بشار الأسد «لتقويض العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة»، مشيرة إلى «تقارير ذات مصداقية» عن قيام موظفي الاقتراع بتوزيع بطاقات الاقتراع المملوءة بالفعل بأسماء مرشحي حزب البعث. بينما عدّت موسكو أن ما حصل يؤكد أن «هياكل السلطة التشريعية التنفيذية (تعمل بشكل طبيعي)» في هذا البلد.
جاءت هذه المواقف خلال جلسة عقدها مجلس الأمن عبر الفيديو واستمع خلالها إلى إحاطة من المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن، الذي أشار أولاً إلى أنه يتطلع إلى استئناف أعمال اللجنة الدستورية خلال الشهر المقبل. وقال إنه وضع قضية المعتقلين والمختطفين والمفقودين «في صميم جهودي» منذ بدأ مهمته مبعوثاً إلى سوريا، عادّاً أن هذه القضية الإنسانية «بإمكانها أن تبني ثقة كبيرة داخل المجتمع، وكذلك بين الأطراف والشركاء الدوليين». وأضاف أن «عدم إحراز تقدم أمر مؤسف»، مناشداً الحكومة السورية وكل الأطراف السورية «القيام بإفراجات أحادية عن المعتقلين والمختطفين». وقال: «يعاني السوريون الآن تسونامي آخر؛ وهو الانهيار الاقتصادي»، مشيراً إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم والبطالة وإغلاق مزيد من الشركات، ومعدلات انعدام الأمن الغذائي؛ إذ «اضطرت العائلات إلى تقليل عدد الوجبات». ولاحظ ارتفاع عدد المصابين بوباء «كوفيد19» في كثير من المناطق، داعياً كل الأطراف إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وتحدث بيدرسن عن «بعض التقدم» في اتجاه وقف عام لإطلاق النار في كل أنحاء البلاد وفقاً للقرار «2254»، علماً بأن «نشاط تنظيم (داعش) لا يزال يشكل مصدر قلق بالغ – في جنوب ووسط وشرق سوريا – مع ورود تقارير حول أعمال شغب بين معتقلي (داعش) في الحسكة. وآمل أن تعمل الأطراف الدولية الرئيسية من أجل إحراز تقدم في العملية السياسية الأوسع»، قائلاً إنه «فقط من خلال الحوار بين الأطراف الدولية، يمكننا أن نبدأ في معالجة كثير من التحديات التي تواجهها سوريا والسوريون؛ من الحاجات الإنسانية والاعتقال والنزوح والعنف والإرهاب إلى الفقر والتدهور الاقتصادي وانتهاك سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية واستقلالها». وأضاف: «لا نزال نستمع إلى وجهات نظر متباينة حول طبيعة هذه التحديات؛ فالنقاش حول مسألة العقوبات ليس سوى مثال واحد»، داعياً إلى «دبلوماسية دولية جادة ومهمة، لجسر الخلافات، بما في ذلك من خلال الخطوات المتبادلة». وأكد أن «هناك مصلحة مشتركة في مثل هذا الحوار» بين روسيا والولايات المتحدة. وحض على التقدم «خطوة بخطوة، من رسم طريق إلى الأمام لإنهاء معاناة الشعب السوري والسماح له بتحديد مستقبله».
وقال وزير الدولة الألماني نيلس آنين إنه «ينبغي أن يتحد مجلس الأمن لحض كل الأطراف على الإفراج الفوري عن جميع الأشخاص المحتجزين تعسفاً»، مشيراً بصورة خاصة إلى «النظام السوري الذي يحتجز الغالبية العظمى من المعتقلين». وأكد أن «السلام والمصالحة في سوريا لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال عملية سياسية تحت رعاية الأمم المتحدة تماشياً مع القرار (2254)». وكرر دعوة بيدرسن لوقف إطلاق نار كامل وفوري على الصعيد الوطني. وأضاف: «تواصل ألمانيا دعم كل الجهود، لا سيما جهود الآلية الدولية والنزيهة والمستقلة لسوريا ولجنة التحقيق، لضمان ألا تمر أخطر الجرائم والفظائع التي ارتكبت خلال الصراع السوري دون عقاب. سيحاسب الجناة، ويحصل الضحايا على العدالة». وطالب كل الدول الأخرى بـ«استخدام كل الوسائل القانونية المتاحة لها لملاحقة الجناة (…) ومكافحة الإفلات من العقاب».
وقالت المندوبة الأميركية كيلي كرافت: «نحن بحاجة إلى رؤية تقدم حقيقي ومفاوضات حقيقية. لا لالتقاط صور وفرص انتخابية بعيدة عن أن تكون حرة ونزيهة»، مضيفة أن إدارة الرئيس دونالد ترمب ترى الانتخابات التشريعية التي أجريت في 19 يوليو (تموز) الحالي، «بالضبط ذريعة كاذبة لتقويض العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، وواحدة من سلسلة طويلة من عمليات الاقتراع التي يديرها نظام الأسد، والتي لا توجد فيها للشعب السوري خيارات حقيقية لتحديد قادته». وكشفت عن أن «الولايات المتحدة تلقت تقارير ذات مصداقية عن قيام موظفي الاقتراع بتوزيع بطاقات الاقتراع المملوءة بالفعل بأسماء مرشحي حزب البعث»، علماً بأنه «لم يُسمح للسوريين المقيمين خارج البلاد – الذين يشكلون نحو ربع سكان سوريا قبل الثورة – بالتصويت». وقالت: «يجب أن تكون الانتخابات في سوريا حرة ونزيهة، وتشرف عليها الأمم المتحدة، وتشمل مشاركة الجالية السورية في الشتات. يجب أن يتحد المجلس في مطلبنا بإجراء أي انتخابات سورية مستقبلية بما يتماشى مع القرار (2254)، وأن يتحرك عمل اللجنة الدستورية لصياغة دستور سوري جديد، إلى الأمام دون تأخير».
وأكد نظيرها الفرنسي نيكولا دو ريفيير أن «العملية السياسية المشروعة الوحيدة تجري في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة»، داعياً إلى استئناف المباحثات في أقرب وقت ممكن استعداداً للاجتماع الثالث للجنة الدستورية. وقال إن «استمرار النظام في عرقلة عمل اللجنة الدستورية أمر غير مقبول»، مؤكداً أنه «من مسؤولية هذا المجلس أن يحيط علماً بذلك إذا تم تعطيل عمله مرة أخرى. لن تكون اللجنة الدستورية وحدها كافية لإحداث انتقال سياسي موثوق به»؛ بل «يجب تنفيذ جميع عناصر القرار (2254) من أجل تلبية توقعات الشعب السوري».
في المقابل؛ أشار المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا إلى إجراء الانتخابات التشريعية في سوريا، موضحاً أنها «الدورة الانتخابية الثالثة التي تمر بها البلاد منذ بداية النزاع المسلح». وقال إنه «من خلال تنظيم الانتخابات، تضمن السلطات السورية أن هياكل السلطة التشريعية منها والتنفيذية تعمل بشكل طبيعي». وإذ لفت إلى إعادة إطلاق اللجنة الدستورية، حض الجميع على «دعم العملية السياسية من خلال الانخراط مع الأحزاب السورية وتشجيعها على الحوار البناء». ورأى أن «السبيل الوحيد لإحلال السلام والاستقرار في سوريا هو إعادة وضع كل أراضيها تحت سيطرة دمشق، وتعزيز التسوية السياسية من خلال حوار شامل وجامع لكل فئات السكان السوريين. لكي يحدث هذا في أقرب وقت ممكن؛ يجب ألا ندخر جهداً».
المصدر: الشرق الأوسط