قراءة في رواية: والد وما ولد || طفولة في سفح الظل

أحمد العربي

أحمد التوفيق كاتب مغربي والرواية والد وما ولد – طفولة في سفح الظل – سردية اقرب لمذكرات تتحدث عن طفولة الكاتب من بداية وعيه حتى سن بداية النضج. تذكرنا برواية الأيام لطه حسين. الزمان اواخر الاربعينات وبداية خمسينات القرن الماضي. و المكان الريف المغربي في سفوح الجبال المطلة على المحيط الأطلسي في قرية بربرية (امازيغ) متواضعة قريبة من مراكش.. المجتمع قروي يعتاش على استغلال الأرض في زراعة القمح والشعير والذرة وهناك الاشجار ايضا وخاصة الزيتون وهناك المواشي ابقار واغنام وماعز يعني مجتمع قروي كامل

 في القرية تراتبية اجتماعية راسخة . فيها القائد وهو ممثل السلطة في القرية أو الناحية الأكبر. وهناك أيضا الشيخ وهو المرجع الاجتماعي كبير للقرية ومديرها الديني والاجتماعي . يمثل القائد والشيخ مرجعية السلطة في القرية . وفيها الملّاك الذين يتقاسمون الأرض ونبع الماء وحق السقاية. وفق منظومة حقوق دقيقة وكذلك هناك آبار الملح. (حيث يخرج الماء المالح ويوضع في أحواض للتنشيف ويجمع الملح بعد تبخر الماء). هذه الآبار المملوكة للاستغلال وفق قواعد ملكية دقيقة وراسخة متوارثة منذ القدم.. وبقية أهل القرية يعيشون على العمل في الزراعة. أو خدمة البيوت أو تربية المواشي. وفق تراتبية اجتماعية تظهر قبول الكل بما قُسم لهم في الحياة. اهل القرية مسلمون تنتشر عندهم الطرق الصوفية بتنوعها . وارتباطات أعضائها التصميمية واجتماعاتهم ومناسباتهم واورادهم وينادون بين بعضهم بالفقراء. هناك نوع من التكافل الاجتماعي الذي يضبط المجتمع ويحاصر الخطأ ويعالجه في وقته.. الكل يتزوج و الكل يعمل والكل يعيش وإن كان في الحدود الدنيا للحاجات.. لكنهم يعيشون.. للغيب حضور قوي عندهم الأولياء والأضرحة لها دور في العلاج .. والتفاعل الاجتماعي

.الطفل أحمد هو شبه وحيد لوالده حيث ولدت بعده بأعوام اخته .. احمد الطفل المدلل عند الوالد وهذا ما يتنافى مع عوائد التربية القاسية المعتمدة لكي يستطيع الابن مواجهة قسوة الحياة  سنعيش طفولة أحمد وكونه رفيق والده في كل أعماله وترحاله.. والده كان ابن اخ الشيخ ويده اليمنى في تسيير أمور القرية.. وزوج ابنته (زوجة ثانية) بعد وفاة الشيخ لكي لا يخسر مكتسباته العائلية.. احمد سينشأ في كتّاب المسجد ليتعلم قراءة القرآن وحفظه . وذلك دون فهم لأن لغتهم بربرية.. الكتاب مؤسسة راسخة يتعلم فيها الأولاد ويقدمون للطالب (شيخ الكتاب) الأعطيات والهدايا. ويجمعون له الحطب من الغابة ويتبادلون خدمته.. احمد كان ملتمسا لاجل خاطر أبيه ولما يقدمه الى المعلم من هدايا دوما.. القرية تتعامل مع الحكم والسلطة على أنه للنصارى (المستعمر الفرنسي والذي لم يذكر في كل الرواية كمستعمر ابدا ) . هذا الحكم الراسخ رسوخ حياتهم الأبدية وانه يرتبط مع سلسلة القائد والشيخ . وبهم الحياة تستمر. الكل لا يتحدث عن السلطة وإن تحدث فسرا . وان عُلم انه اساء ولو لفظيا .فيعاقب أو سيبذل المال والولاء ليمر امره بسلام.. كما حصل عندما هدم ركن منزل وكان مخبأ فيه أسلحة من أيام ثورة سابقة. كذلك عندما تداولوا معلومات من جريدة تتحدث عن الوطن . حيث حضر الحكام وحققوا بخشونة وأخذوا أعطياتهم وفرضوا شروطهم المجابه ورحلوا

.احمد تحول للدراسة في مدرسة امرت بها حكومة النصارى . وترك الكتّاب وبدأ يتعلم لغة الفرنسيين واللغة العربية.. في هذه المدرسة سيتعرف على معلمين بعضهم قاسي والبعض الآخر صاحب قضية.. سيتعرف على تعبير الوطن وان هناك من يتحدث عن الوطن والحكومة تلاحقه.  مدرّسه المثقف الذي يقرأ الجرائد والكتب الكبيرة والذي اهتم بأحمد لتفوقه. طلب من أبيه أن ينقله لمراكش لمتابعة علمه.. المشاعر الوطنية والوطن ظهرت وبدأ أهل القرية يتحدثون بها سرا مع بداية انتشار الراديو . الذي يقدم اخبار الحكم (الفرنسيين واتباعهم) من الرباط . و اخبار الوطن من تطوان التي تتحدث عن الملك (السلطان) .المخلوع (محمد الخامس) وان الشعب لن يقبل بسلطان وضعه الفرنسيين (ابن عرفه) .وإن سلطانهم سيعود وان الجلاء سيحصل.. كانوا يخافون ان ينتبه احد لهم وأنهم سمعوا هذه الأخبار.. وأنهم سيحاسبون أن عرف الحكّام بذلك.

.الحياة مرّت برتابتها التلقائية فاحمد في الكتاب ويتطور علمه . وأباه متعلق به ويدفعه للافضل دوما وحياة الجماعة دوما هي هي .. عمل وحياة في حدود الكفاف. سنطل على عوائد الناس في الزواج والمناسبات الاجتماعية.. وسيدخل الطفل طور بداية تكون مشاعر الاهتمام بالجنس الاخر الذي وجد نفسه مصاب به دون معرفة السبب اتجاه أكثر من فتاة . حوله ممن يكبرونه.. لكنه لم يكتشف السبب.. سنتعرف على بدايات دخول التكنولوجيا حياة الناس . فهذا الراديو . وآلة التصوير المائي البدائية. وبعده السيارة . والدراجة الصغيرة.. يستمر الطفل بإشباع رغباته وأنه محبوب ووالده يحتضنه. وأمه مهووسة بالخوف عليه من الحسد وعيون الآخرين

.تنتهي الرواية عام 1955 عندما تنتهي دراسته في مدرسة القرية وأنه سيسجل في مدرسة مراكش. وان الملك (السلطان) المعزول عاد وان البلاد صارت على أعتاب الجلاء

.الرواية تقليديه جدا . لو أنها كتبت قبل خمسين سنة لكنا فهمنا وتفهمنا . لكن وهي مكتوبة في نهاية القرن العشرين.. فهي لم تستفد من كل تقنيات السرد أو التداخل بين السياسة والاجتماع وعلم النفس والخاص والعام والتاريخ.. لتقرأ لنا مكانا وزمانا كان سيظهر أكثر خصوبة بكثير

انها حديث كهل في مقهى الى صحبته حديث ممل ومكرر . ويسمع من أنداده مجاملات تجعله يستمر ويتابع حكايته. لكنها ايضا ومن جهة اخرى كانت صادقة في اعادة سرد واقع تلك المرحلة من تاريخ قرية مغربية في بدايات القرن العشرين

8.12.2014

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “والد وما ولد – طفولة في سفح الظل” للروائي المغربي “احمد التوفيق” قراءة جميلة وتعليق موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية سردية اقرب لمذكرات تتحدث عن طفولة الكاتب من بداية وعيه حتى سن بداية النضج، باواخر الاربعينات وبداية خمسينات القرن الماضي. بالريف المغربي بسفوح الجبال المطلة على المحيط الأطلسي في قرية بربرية (امازيغ).

زر الذهاب إلى الأعلى