أيمن بارودي، فنان وروائي، جمعتنا الثورة السورية ووسائل التواصل الاجتماعي. قرأت له رواية الباشا والتراب وكذلك رواية نهر الفن المقدس وكتبت عنهما.
رواية خبز الفقير كان قد ارسلها لي صديقي أيمن بارودي منذ زمن بعيد. واكتشفت أني قد نسيتها في زحمة الروايات التي اقرأها بشكل يومي. وجدتها من جديد في ارشيفي. احسست بسعادة ها انا ذا اعيد نسج وشائج صداقتي مع أيمن بارودي عبر قراءة روايته خبز الفقير والكتابة عنها…
خبز الفقير رواية تعتمد السرد بلغة المتكلم على لسان عمران الشخصية المحورية فيها. عمران له عائلة زوجته سميرة وابنه عصام وابنته دالية. عائلة نموذجية سعيدة. وهو صحفي يكتب في الصحافة المحلية في بلد اسمه “الرميلة”، مختص بالجانب الاقتصادي. يظهر من السرد أن الرميلة على علاقة وثيقة بروسيا. فقد كتب عمران موضوع صحفي عن المافيا الروسية. مما لفت النظر إليه من المافيا ذاتها. تواصلوا معه عبر سيمون الذي اخبره انه شركة استثمار لصاحبها بارينوف الروسي الذي يستثمر اقتصاديا في السنغال في افريقيا. إنهم يريدونه معهم يقوم بكتابة تقارير صحفية للترويج للشركة وتكون مجزية. مما دفعه لترك الوظيفة والالتحاق بالشركة والعمل معها. تحسنت شروط حياته وعائلته الاقتصادية والحياتية. وصلته الكثير من الحكايا عن أعمال غير مشروعة يقوم بها بارينوف صاحب الشركة التي يعمل معها ، وهو لم يكن يهتم طالما لا يقوم هو بأي عمل غير قانوني. استمر الحال هكذا حتى أخبره سيمون مدير الشركة عن اعتقال بارينوف في روسيا. وأن الأعمال توقفت إلى أن يفرج عنه. وهكذا وجد عمران نفسه دون عمل. كان ذلك قاسيا عليه وعلى العائلة. طبعا رفض العودة للعمل بالوظيفة. ودخل في حالة اكتئاب وازمة نفسية بحيث تدهورت علاقته بعائلته. وابتدأ يذهب الى الحانة و الملاهي و يشرب المسكرات، ووصل الى مرحلة قطع علاقته نهائيا مع عائلته. كما أخبر زوجته أنه طلقها.
أصبحت الملاهي بما فيها من نساء يعملن بالدعارة، اضافة لتناول المشروبات المسكرة عالمه الجديد. طبعا استأجر بيتا خاصا به وسكنه. تعرف في الملهى على نرجس الأذربيجانية التي تعمل بالدعارة. وعلم منها قصتها حيث كانت متزوجة وتحب زوجها. لكن المافيا قتلته. ولم يرحمها أهل زوجها. طاردوها وهربت. وهي اكتشفت ان عمران يعيش أزمة حياتية وكاد أن ينتحر. فقررت أن تكون بجواره. على ان يدفع لها أجرها وكأنه يمارس الجنس معها. فهي أيضا متورطة مع شبكة دعارة اشترتها من آخرين وعليها أن تعمل حتى توفي دينها، ان احبت ان تتحرر من هذه الشبكة أو تترك المهنة. فهناك رجل يرافقها دوما. يحميها ويقبض ثمن دعارتها مع اي احد…
وجد عمران بنرجس خشبة خلاص بالنسبة له، وهي وجدت به حاميا لها بشكل من الأشكال…
وهكذا زالت فكرة الانتحار من ذهن عمران وعاد الى الحياة والاهتمام بعمله الصحفي بشكل مختلف. وتعرف على صافي احد الكبار في المجال الصحفي. وعبر حنكة ودراية نرجس، استطاعت أن تجعل صافي يؤمن عملا لعمران في الترجمة. وكذلك في متابعة موضوعات اجتماعية يسلط عمران الضوء عليها فتصبح سبقا صحفيا. وهكذا بدأ عمران يعيد التفكير بعائلته زوجته وأولاده. الذين لم ينقطعوا عن معرفة اخباره والاطمئنان عليه ولو عن بعد. وكانت نرجس تشجعه على ذلك. وهو التقى بزوجته وأولاده أكثر من مرة. واكتشف كم هو بحاجة لهم وكم هم بحاجة له. زوجته المتفهمة الحنونة العاقلة المحتضنة له. وابنه الذي كبر وأصبح يدرس الحقوق. وابنته التي وصلت للثانوية العامة. لقد بدأ يفكر جديا بالعودة إلى البيت واحتضان عائلته. خاصة بعد أن أصيب ابنه بانهيار عصبي نقل إلى المستشفى على اثرها…
لقد عاد عمران اخيرا الى عائلته…
أما نرجس فقد قرر صافي ان يحتفظ بها لنفسه. وأن يبعدها عن عالم الدعارة. حيث دفع لها الدّين المترتب عليها. واحست نرجس ان صافي قد يتزوج بها. لكن ذلك تبين أنه لن يحصل. لقد كان لدى صافي خطة فقد أخذ نرجس من الرميلة الى اسطنبول على انه يريد ان تشارك في أعمال سينمائية. وهناك حاول اقناعها بالانتقال الى اوربا معه لتقوم بتصوير افلام بورنو”جنس” .وهكذا اكتشفت انها ستنتقل من الدعارة “المستورة” إلى الاستباحة عالميا في فيديوهات يشاهدها الكثيرين . رفضت وقاومت. ضربها ومن ثم راضاها أكثر من مرة. وفي كل مرة يزداد العنف ويزيد الرفض. تخبر عمران عن حالها ولا يعرف كيف يساعدها. حتى تخلصت نرجس من صافي بضربه على رأسه وهو في حالة سكر وبعدما حاول الاعتداء عليها لتقبل أن تعمل معه كما اراد. قتلته وهربت. واختبأت عند إحدى معارفها. وهناك قررت الاعتكاف والتزمت دينيا. ويبدو أنها حصلت على الكثير من المال من خزينة صافي بعد قتله. ومن ثم عادت إلى الرميلة وقد غيرت اسمها وشخصيتها ومسلكها وأصبحت سيدة فاضلة ملتزمة بدينها وعلاقتها مع نفسها ومع ربها في احسن حال…
أما عمران فقد علم من سيمون بمقتل بارينوف بالسجن وان قيادة المافيا انتقلت لسيمون ذاته الذي استقر في السنغال فيما يشبه القلعة لحماية نفسه. وأن الأعمال ستستمر في السنغال. وان عمران جزء من الاعمال و سيستفيد كثيرا. قرر عمران أن يذهب للسنغال ويطلع على واقع أعمال بارينوف المقتول ويلتقي بسيمون لعله يحصل على سبق صحفي. حاول الوصول الى سيمون لكنه كان قد قُتل قبل وصوله بأيام. وانتقلت القيادة إلى الشخصية الثالثة الوسيم الذي تعرف عليه واخبره ان بارينوف وسيمون قتلا لما يملكان من معلومات. وان الدور عليه هو الوسيم. لذلك نصح عمران بعدم المعرفة اكثر وان يغادر السنغال قبل أن يصبح مستهدفا.
لقد كان مشروع بارينوف وسيمون وبعده الوسيم الآن أن هناك مشاريع أعمال في السنغال لإفادة أهل البلاد هناك. وان دور عمران هو الكتابة الصحفية حتى يأتي من يقدم المساهمة ليتم القيام بالمشروع…
أما ماذا يوجد خلف ذلك من مصالح قوى مهيمنة عالميا فالافضل لعمران أن لا يعرف شيء…
هنا تنتهي الرواية:
في قراءتها اقول:
كانت الرواية القصيرة نسبيا ١١٦ ص جاذبة وجعلتني اتوحد مع شخصياتها . اتمنى لو يتصرف بطلها بهذا الشكل أو ذاك. شغف ومتابعة وانتظار وغوص بالعمق أكثر…
هذا ما عشته في القراءة…
أما الموضوعات التي طالتها الرواية فقد كانت الرواية مقلّة بالتحدث عن “الرميلة” البلد الذي يمتنع الناس فيه عن الكلام. والصحافة فيه مجرد وظيفة لتأمين لقمة عيش دون أي دور جدي حقيقي. تجهيل واقع الرميلة يؤكد على أنها بلد ممنوع ان تتكلم عنها لكي لا يصلك قمعها وسجنها وقد تموت مظلوما…
كما تتحدث الرواية عن المافيا وهنا المافيا ليس عالم الجريمة فقط. بل هي في الرواية أقرب للشركات العابرة للبلاد المهيمنة على العالم والتي تغطي استغلالها للبلاد و المجتمعات بادعاء مشاريع إعمار وغيره لتغطي على واقع النهب والاستغلال. والسنغال البلد الافريقي في الرواية نموذج عملي لذلك…
الرواية تتحدث عن الحب والأسرة واليأس والخطأ والفشل واعادة الاستفادة من دروس الحياة..
الرواية تتحدث عن المرأة التي لا تبيع نفسها الا ان كانت ضحية ظروف قاسية وتكون مجبورة. لا ترضى المرأة أن تكون مهانة وبلا كرامة وأداة متعة و مستعبدة. لن تقبل ذلك إلا بالاجبار.
الرواية انتصار للمرأة الزوجة والأم ودورها الحاضن النبيل…
كان لوجود العرّافات والتنبؤات في حياة عمران معنى لدور غيبي للكواكب او غيره في حياة البشر. لكن الرواية تنتصر للإنسان وإرادته وعمله وانجازه لبناء حياته الافضل…
ماذا أقول عن قامة عالية تمد يدها من عليائها لتدعم الأدب السوري بالقراءة والدراسة ولإظهار والتحليل. هو أحمد العربي في عروبته الأصالة والصدق والعمل الحقيقي الجاد لخدمة الفكر العربي والقلم العربي المعاصر. أشكره لما كتبه عن روايتي، والأهم أني اشكره بأسم كل كاتب عربي لمساهمته المتميزة والفريدة في تسليط الضوء على الكتاب العربي.
رواية “خبز الفقير” للفنان والروائي السوري “أيمن بارودي” الرواية تتحدث عن المافيا ليس بعالم الجريمة فقط. بل بلشركات العابرة للحدود المهيمنة على العالم، تستغل البلاد والمجتمعات بمشاريع الإعمار وغيره لتغطي نهبها واستغلالها لثرواتها. وكانت السنغال البلد النموذج، بالإضافة عن الحب والأسرة واليأس، والمرأة التي لا تبيع نفسها.