الأمة والقومية والدولة:
يبادل الحصري باستمرار ودون حرج بين مفهومي الأمة والقومية، خاصة بعد أن ينفي شرط وجود الدولة من أجل تكون الأمة أو القومية.
فإذا نظرنا للتعريفات ليس كأشياء جامدة , صلبة تماما ولكن كأشياء يمكن أن تؤثر فيها الممارسة الانسانية مع الزمن , يمكن لنا التفريق بين الأمة والقومية باعتبار الأمة الأساس الموضوعي للقومية فهي تتقارب إلى حد ما من مفهوم الهوية القومية , وإذا أخذنا بالاعتبار أن مفاهيم مثل الأمة والقومية لا يمكن أن تؤخذ مجردة تماما كما سبق نقاشه فالقومية الألمانية تكونت على أساس اللغة أساسا بينما القومية الفرنسية تكونت بفعل عوامل متعددة منها اللغة وما يضيفه الوجود في دولة واحدة لفترة طويلة من اقتصاد مشترك ومذهب مسيحي كاثوليكي ووحدة الأرض … الخ …فيمكن القول إن الأمة هي ذلك الرابط الطبيعي الذي ينشأ بفعل اللغة والثقافة المشتركة المتكونة عبر فترة تاريخية , أما القومية فهي ذلك الرابط مضافا إليه الارادة الانسانية الهادفة لوضع تلك الرابطة كأساس للتوحد وفق الهيئات الاتحادية السياسية المناسبة للعصر وللظروف الخاصة المحيطة بالدول مع اشتراط أن يحقق ذلك الاتحاد المصلحة المشتركة وإرادة الشعوب الحرة الديمقراطية . ولعل مثل ذلك التعريف المزدوج للأمة والقومية يضع حدا للخلط الذي يجري حاليا على نطاق واسع بين العروبة كدعوة سياسية للوحدة وبين العروبة كهوية موضوعية لغوية ثقافية.
القومية والدين:
يخلص الحصري أن الدين ليس مكونا من مكونات القومية ويستشهد بالعديد من عمليات الاتحاد وتكوين الدولة القومية في أوربة والتي جرت بمعزل عن الدين كالوحدة الايطالية التي استلزمت حروبا دامية بين الطليان والنمساويين رغم انتمائهم المشترك للمذهب الكاثوليكي، والحركات القومية التي شكلت يوغوسلافيا والتي وحدت الصرب الأرثوذكس مع الكروات الكاثوليك والبوشناق المسلمين (انهار ذلك الاتحاد لاحقا بعد وفاة الحصري كما هو معروف) .
على أية حال، فمما لا شك فيه أن مساهمة الدين في تشكل القومية أو الهوية القومية بصورة أدق تختلف كثيرا بين حالتنا والحالة الأوربية، ويمكن تلخيص ذلك كالآتي:
تكونت الهوية العربية عبر فترة زمنية طويلة بدأت ربما مع العصر الأموي واستمرت حنى العصر الحديث وذلك ضمن الثقافة الاسلامية التي حفظت اللغة العربية من الاندثار وعممتها على الشعوب الاسلامية فمن تلك الشعوب من استبدل لغته الأصلية باللغة العربية بصورة تامة حتى اندثرت لغته الأصلية أو كادت تندثر وبالتالي تعربت لغته ومن ثم الثقافة المرتبطة بتلك اللغة كالشعب المصري والبربر ( الأمازيغ ) في شمال أفريقيا وشعب شبه الجزيرة الايبرية ( الأندلس ) وغيرهم , وليست العبرة باللغة الرسمية فقط ولكن لغة الشعب في حياته اليومية وتلك هي الأهم. أما بعض تلك الشعوب التي انتشر فيها الاسلام فلم تقبل استبدال لغتها باللغة العربية فبقيت لغتها سائدة ومعها ثقافتها الخاصة القومية رغم تأثرها بالثقافة العربية الاسلامية كالفرس والأتراك.
فإذا كنا نسلم بأن أساس القومية العربية هي اللغة والثقافة فينبغي الاعتراف أنه ما كان للغة العربية البقاء لولا الإسلام، وأن الثقافة والمثل والأخلاق كلها قد تأثرت إلى حد بعيد بالإسلام عبر فترة زمنية طويلة .
في الجزء الرابع من مراجعة كتاب ساطع الحصري، يتم التطرق لمفهوم ” الأمة والقومية والدولة” و “القومية والدين” اللغة العربية إحدى أهم عوامل تشكل الرابطة القومية، وكان للإسلام والقرن الكريم الدور الأبرز بالحفاظ عليها، علماً بأن بعض القوميات جاء الإسلام اليها إضافة فحافظت على لغتها الأم وإن كانت اللغة الرسمية العربية كالفرس والأتراك.