ريما بالي كاتبة سورية تعيش في إسبانيا متميزة، قرأت لها روايتها خاتم سليمى.
رواية ناي في التخت الغربي لريما بالي الاخيرة الصادرة ٢٠٢٣م. تعتمد في سردها على لسان الراوي ولسان المتكلم لشخصياتها المحورية. سيسيل وناديا “ناي”. حيث تبدأ أحداث الرواية من خواتيمها عام ٢٠٢١م حيث عادت ناي إلى مدينتها حلب واستقرت بها بعد رحلة لجوء استمرت لسنوات.
وكذلك تتابع الرواية سيرة حياة سيسيل الفتاة البلجيكية الأب اللبنانية الأم ومن أصول مزدوجة الام تعود الى الارمن الذين هربوا من تركيا إبان الحرب العالمية الأولى نغوص معها ومع جدّاتها في حفر تاريخ قرن تقريبا. والاب يعود إلى يهود إسبانيا. حيث تعود بنا سيسيل الى قرون سبقت ايام الحرب الاسبانية على العرب واليهود ومحاكم التفتيش، طرد البعض وتنصير البعض وقتل البعض في محاكم التفتيش….
نتابع هنا حياة سيسيل الفتاة البلجيكية والدها بلجيكي ووالدتها ذات أصول ارمنيّة من جنوب تركيا. حيث تبحث في أصول جدتها التي كانت قد هربت مع عائلتها أواخر الحرب العالمية الأولى من تركيا واستقرت مع عائلتها في حلب. حيث كبرت الجدة وتزوجت من مهران الحلبي الذي كان يطمع بمال والدها رغم كونه ساعده في فتح محل له وعمله به. وسرعان ما استولى على مال والدها بعد وفاته. واضطهد زوجته وأهلها كثيرا. الى درجة وضع فتاتين من بنات الجدة واحدة في احدى الكنائس وهرب الأصغر من البيت تلحق بأختها. ومن ثم توضع بميتم. حتى كبرتا وبدأتا حياتهما من جديد. وكيف تزوجتا وانجاب الاولاد الذين انتقلوا جيلا بعد آخر الى لبنان وأوروبا وبلجيكا أيضا.
كما تعود سيسيل في تاريخ جدها البلجيكي الى أصوله اليهودية من اسبانيا التي كانت تحت حكم العرب المسلمين قبل قرون وأن الحرب الذي خاضها الأمراء المسيحيين ضد العرب المسلمين وضد اليهود وادت لطردهم من اسبانيا – الاندلس كانت نتيجتها كارثية على المسلمين واليهود الذي لم يهاجروا بل رضوا بالتنصير الإجباري الذي فرض عليهم. وكيف كانوا مسيحيين ظاهرا ومسلمين ويهود بالعمق ويقومون بعبادتهم السرية. وكيف زاد اضطهادهم وحصلت محاكم التفتيش التي تجعل هؤلاء ضحية تعذيب شديد للاعتراف بحقيقة إيمانهم مما يؤدي الى وفاة اغلبهم تحت التعذيب. ثم انتقل لمتابعة حياة اليهود من أجدادها الذين وصلوا الى ألمانيا وكيف كانوا ضحية المحارق ايام هتلر هناك وان عمل اليهود للانتقال الى فلسطين لبناء دولة لهم، لم يكن ليغطي على حقيقة اضطهادهم العرب سكان فلسطين الأصليين. وبناء دولتهم على حساب تشريدهم وإلغاء كيانهم في فلسطين…
هذا وأثناء بحث سيسيل حول الأصول وتداخلها. بين جدة ارمنية مسيحية وجد اسباني يهودي. قررت أن تقوم بتحليل الأصول البشرية تحاليل DNA التي أجرتها لها واكتشفت ما أذهلها. لقد ظهر تداخل كبير بين اصول اوروبية وشرق اوسطية وحتى أمريكية. وان أصول سيسيل تلتقي مع الكثيرين من الفلسطينيين ايضا. وهكذا تواصلت مع إحداهن الفلسطينية ابنة رام الله وبعثت لها تحليل اصولها. وسرعان ما استجابت لها تلك وبعثت لها رسالة تحدثها بها عن قضيتها الفلسطينية. وعن المظلومية التاريخية بحقهم. وأن الظلم الذي حصل بحق اليهود عبر التاريخ، لا يعطيهم الحق بظلم الفلسطينيين وطردهم من أرضهم وبناء كيان غاصب على حساب دولتهم. وان ذلك مستمر الى الان…
وهكذا تنتهي سيسيل كتابها عن أصولها التاريخية بنتيجة مفاجئة وهي أن أصل البشر جميعا واحد. وان ادعاء التمييز العرقي والقومي وحتى الديني هي أدوات استخدمها البشر في وقت ما ودائما حتى يظلموا بعضهم البعض دون وجه حق…
نحن البشر كلنا من اب واحد وام واحدة…
عند إنجاز سيسيل كتابها وإرساله للطباعة. وعند عودة ناي الى حلب وإخراجها كتب خالها من تخزينها ومباشرتها فتح المكتبة وعودتها للعيش في حلب في ظل ظروف قاسية.
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها اقول:
الرواية تجعلنا كل الوقت منغمسين في حكايتها بشبكتها وطبقاتها المتداخلة سواء عبر التاريخ والمجتمعات والحكايات المتداخلة المتفصلة على الأقل بين ناي الحلبية وسيسيل ذات الاصول الارمنية اليهودية. حيث تحاول الرواية أن تعيد إحياء ماض قد يمتد لقرون وعقود لكنه مازال حاضرا يحتاج لمعرفة وتفنيد ودراسة واستنتاج العبر…
تم التركيز على القضية الأرمنية مظلومية تاريخية مازالت آثارها حاضرة للآن…
وتم التركيز على السرد التاريخي حول اليهود منذ قرون وحتى استيطانهم فلسطين و بناء دولتهم. والقول ضمنا ان اي مظلومية تاريخية عانى منها اليهود في الماضي لا تعني أنه مسموح لهم بظلم الفلسطينيين منذ قرن تقريبا. وان الحل هو إعطاء الفلسطينيين حقوقهم كاملة. وهو شرط اول لإمكانية حصول توافق ما مستقبلي بين العرب واليهود في منطقتنا فلسطين وما جوارها. غير ذلك الصراع مستمر والدم مهدور والثارات مستمرة…
إن تحليل الأصول البشرية DNA تقول بأن أصلنا كلنا نحن البشر واحد. وهكذا يتم رفع الغطاء عن كل ادعاء لصفاء عنصري او قومي او ديني…
كذلك تحضر مشكلة المرأة في مظلوميتها التاريخية. المستمرة للآن ولو بحدّة أقل. وأن البشرية لن تعيش عصر رخائها الا عندما ترفع الظلم المجتمعي على كل المستويات وأوّله ظلم المرأة…
والحب حاضر بصفته حالة غير مدركة الكنه. وغير قابلة للاحتواء. وأنها تكاد تكون المستحيل الذي يركض الانسان اليه. بمقدار التعب للحصول عليه بمقدار ما يصبح عصيا ومستحيلا. لكنه يبقى المطلب الاعز بين الأنثى والذكر من بني البشر في كل زمان ومكان…
كذلك الاطلالة على موضوع إجهاض الربيع السوري وقتل الثورة السورية سواء بترك النظام المجرم وحلفائه يذبحون الشعب السوري ويشردونه ويعتقلون أبنائه ويقتلونهم. ويصبحون مشكلة عالمية. لا يرى منها الحكام الغربيين إلا احتمال خروج إرهابيين اسلاميين من بينهم. لم يهتموا بالمظالم التي عانوها في سوريا من النظام المجرم. ولا حاولوا صادقين منع هذا الظلم. بل ركزوا على ان يحموا انفسهم من تبعيات الظلم بظهور خلايا ارهابية للدولة الاسلامية وحصول تفجيرات قتلت العشرات عبر سنين لكن غض الغرب الطرف عن مئات آلاف الضحايا من السوريين. مع الانطباع أن الغرب نفسه قد يكون سهل ولادة الإرهاب في بلاده وجعله يقوم بما قام لكي يتنصل الغرب من مسؤولية دعم الثورة السورية جديا. تماما كما فعل النظام عندما افرج عن خلايا القاعدة والإسلاميين من سجونه بداية الثورة السورية لكي يعطي المبرر للنظام وحلفائه والغرب لكي يقتلوا السوريين ويشردوهم ويحتلوا بلدهم الذي قسموه كغنيمة حرب بينهم تحت دعوى محاربة الإرهاب … مرة اخرى في الرواية كنوز كثيرة تحتاج لقراءتها حتى تتكشف لمن يقرأها ويتمتع ويستفيد ويتّعظ…