قرّر مجلس مدينة فرانكفورت الألمانية تزيين المدينة هذه السنة 2024 احتفالاً بشهر رمضان المبارك. احتفى الإعلام التقليدي بهذه الخطوة التي كلّفت البلدية نحو 75000 يورو، وإبراز التعدّد الثقافي والتعايش السلمي الذي تتميّز به تلك المدينة العريقة.
ورغم احتفاء وسائل الإعلام التقليدية المرئية والمكتوبة بهذه الخطوة التي تدل على الانفتاح على المسلمين والتعايش السلمي ومناهضة العنصرية.. إلخ فإن السوشال ميديا كان له رأي مختلف. ففي ريبورتاج للقناة الألمانية الثانية ZDF على سبيل المثال، تنوعت الآراء بين موافق ومخالف.
ليس من الصعب رسم خريطة آراء للألمان: فكبار السن عموماً أبدَوا تحفظهم على هذه الخطوة التي يعتبرونها احتفالاً دينياً إسلامياً في بلد له تقاليد وثقافة مسيحية، مقابل الشباب الذين توزعوا بين متحمسين لمثل تلك الأفكار أو غير مهتمّين أي لا مانع لديهم. أحد الشباب في الريبورتاج كان له رأيٌ طريف بأنه يؤيد مثل تلك الخطوات، ولكنه يشعر أنه تم تقليد أعياد الميلاد بدل أن يشاهد شيئاً جديداً. طبعاً لم يتم الرد على تلك النقطة، من مثل أن هؤلاء المسلمين ينتمون إلى ألمانيا ثقافة، ومن الطبيعي، بل وشيء إيجابي، أن يُعبّروا عن أنفسهم من داخل الثقافة الألمانية.
التعليقات على الفيديو كانت أكثر صراحة وسلبية من المقابلات التلفزيونية الرسمية. فكان أكثر من نصف التعليقات غير مرحبة ورافضة لتلك الخطوة التي “تجرح الثقافة الألمانية ذات الخلفية المسيحية”. لم يشرح أحد تلك العبارة التي وردت في أحد التعليقات، والتي نالت كثيراً من نقرات الإعجاب. مما يطرح كثيراً من الأسئلة عن معنى وحدود جملة الرئيس الألماني الشهيرة: “الإسلام ينتمي إلى ألمانيا”، أو التغيرات التي طرأت على الألمان تجاه الإسلام والمسلمين. فتلك العبارة تبنتها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل (الحزب المسيحي الديمقراطي CDU)، وجعلتها جزءاً من خطتها الحكومية خلال فترات ولايتها، رغم أن المسلمين ليسوا من قاعدتها الانتخابية الأساسية، لكنها رغبة ألمانية في تعدد ثقافي وتسامح ديني يشمل الجميع.
تغير هذا اليوم، وأصبح حزب ميركل أقل حرصاً على تجنّب استغلال المسلمين في الصراعات السياسية على السلطة. فلم يفوّت رئيس مجموعة الحزب في مجلس المدينة تلك المناسبة، وأعلن اعتراضه على تلك الخطوة، وأنه من الأولى عدم تحميل الدولة تكاليف الاحتفال بالمناسبات الدينية، “وإذا كان ولا بد، فيجب أن يكون على قدم المساواة بين جميع الطوائف الدينية!”. ليأتي الردّ من عمدة المدينة غرونبرغ أن “المدينة تنفق أموالاً أكثر بكثير على إضاءة أعياد الميلاد“.
ومع أن تلك المصاريف لا تُعتبر دينية من وجهة نظر الحكومة؛ لأنها تندرج تحت بند برنامج التنمية الاقتصادية الذي يهدف للتعايش السلمي، ويستفيد منها جميع الطوائف المسيحية واليهودية والإسلامية، إلا أن الصحف اليمينية التقطت هذا السجال وجعلت منه مادة ضد المهاجرين عموماً، فعنونت صحيفة “بيلد” على سبيل المثال مقالاً بعنوان: “الحكومة تُقرّر، والشعب يدفع”. حيث انتقدت القرار لأنه يُحمّل المواطن الألماني تكاليف احتفال ديني دخيل، متجاهلين أن المسلمين هم ألمان أيضاً، يعملون ويدفعون الضرائب. حيث إنّ حجة البرلمان خلال نقاشات تمويل الاحتفال في العام الماضي، أنّ هناك ما بين مئة ومئة وخمسين ألف مسلم في فرانكفورت، معظمهم يعملون ويدفعون الضرائب ولهم الحق في تمويل حكومي لذلك النشاط.
صحيفة “حرية الشباب” اليمينية المتطرّفة ذهبت إلى أبعد من ذلك، وادَّعت أن البيانات الحكومية غير صحيحة، وأن المسلمين لا يدفعون الضرائب. وكرّرت خطابها عن الأسلمة ونظرية الإحلال (إحلال المسلمين محلّ الألمان)، وأُعيد نشر أحاديث ومقالات مبتكر تلك النظرية “ثيلو ساراسين” على السوشيال ميديا مع تعليقات تتجاهل الحقائق ومملوءة بالكراهية.
لم تقتصر الاعتراضات على الألمان فقط، فهناك من السوريين من لم يرحّب بتلك الخطوة أيضاً. فعندما سألت صديقي اليساري رحَّب بتلك الخطوة الديمقراطية ولكن! وكلنا نعرف أن “ولكن” تلك، تُخفي وراءها كثيراً من الشياطين. وعندما سرد شروطه المحدِّدة للعمل الإسلامي، ظهر المنهج الفرنسي اليميني الحالي متساهلاً جداً بالمقارنة. في حين عبّر صديق آخر عن عدم موافقته؛ لأن الأقليّة عليها أن تحترم وجودها في مجتمع الأكثرية، ولا تتصرف باستفزاز. ذكّرته بغمز غير مخفيّ بالجملة التي طالما كان يردّدها في سوريا قبل الثورة؛ أنه لن يعترف بوجود ديمقراطية في سوريا، حتى يستطيع أن يفتتح ملهى أو محلَّ مشروبات كحولية من دون عوائق في منتصف حي الميدان! ويقصد طبعاً حي الميدان الدمشقي الشهير.
في سؤال عدد من السوريين غير المسلمين، لم يُبد عدد منهم اعتراضهم، مشيرين إلى أن على الأقلية عدم استفزاز الأكثرية، في تجاهل أو عدم إدراك لطبيعة الديمقراطية الألمانية والمزاج الألماني الذي يتيح للأقليات العمل والدعوة العلنية بشرط وحيد: أن تلتزم بالقوانين. ولا يستفزّهم النشاط الديني عموماً، حتى لو لم يوافقوا عليه. علَّق أحدهم ـ وهو من مؤيدي الحزب القومي الاجتماعي ـ على تلك الفوضى التي تُسمّى “ديمقراطية” والتي تتيح احتلال الأرض، كما حدث لغيرهم، ملمّحاً إلى معتقداتهم باحتلال المسلمين لسوريا.
صحيفة “تي أون لاين” اليسارية أبدت إعجابها بالخطوة، ولكنها انتقدت الكلفة المرتفعة، وأنه كان يمكن التعبير بشكل “دافئ وجميل” بدون تلك المغالاة بالكلفة. في حين علّق مانفرد كوهلر المحرر في صحيفة “فرانكفورتر ألغيماين” في مقاله المعنون: “لافتة لا تحلّ محلّ السياسة”؛ أنه وبالرغم من أهمية تلك الخطوة في دفع المسلمين إلى النور، فإنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن السياسة. فالمسلمون مطالبون بالمشاركة مع ما تحمله من ضرورة الإجابة عن كثيرٍ من الأسئلة بشأن الحقوق والواجبات والاندماج والقضايا الفقهية المتعلقة بعلاقتهم بالمجتمع الأوسع. ويضيف: والآن قد أتيحت لهم الفرصة، عليهم تحمّل المسؤولية.
حَمَل رمضان هذه السنة كثيراً من الفرحة والتميّز للمسلمين في ألمانيا، فبعد احتفالات فرانكفورت، أنارت مدينة كولن فوانيس رمضان، وقد أعجبت جارتها النمسا بهذه الخطوة فطالبت بلدية فيينا بخطوات مماثلة العام المقبل. ولكن وككل مجتمع ديمقراطي مفتوح: أثار كثيراً من الأسئلة لدى المسلمين ومنهم السوريون عن الدين والسياسة والمجتمع والهوية والانتماء في الحاضر والمستقبل أيضاً.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
طقوس شهر رمضان والتزيينات بالفوانيس والتزينات الخاصة لتجعل له نكهة خاصة ، يختلف البعض على إنتشارها والبعض يحبذها وكُلٍ له مبرراته، ولكن أن تقوم بلدية فرانكفورت الألمانية بإقامة الزينات من قبل بلديتها وينتشر ذلك بالمجتمع الألماني بين مؤيد ومعارض لأنه بلد مسيحي ، ثقافة تعدد الأديان تنتشر ضمن حق المواطنة .