عاجلًا أم آجلًا، سواء انتهت الحرب على غزة اليوم، أو بعد أسابيع وشهور، فإن الأكاديميات العسكرية العالمية ستنكب حتمًا على دراسة ظاهرتين اثنتين، أفرزهما القتال على أرض الميدان، ولم يسبق دراستهما من قبل ذلك، وهما:
الأولى: كيف تسنى لمقاتلي “القسام”، تنفيذ حدث السابع من شهر أكتوبر (تشرين الأول 2023)، وتخطوا العوائق الأمنية والعسكرية المعقدة، وكل ما أنجزه الكيان الصهيوني تحصينًا وتدريبًا وتفوقًا تكنولوجيًا ولوجيستيًا… وهو ما قال عنه «يوسي كوهين»، الرئيس السابق للموساد “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني): إن الجيش والاستخبارات سقطوا يوم 7 أكتوبر، ونحتاج 5 سنوات على الأقل لإعادة تأهيل أنفسنا…
الثانية: الإرادة غير المسبوقة، لشعبٍ مُحاصَر تحت الاحتلال، في إنشاء شبكة هائلة من الأنفاق تحت الأرض، أعيت الاحتلال في الوصول إليها، وشكلت بالتالي الملاذ الآمن للمقاتلين في الخروج والعودة والتنقل المريح بداخلها…
غير أن ما لا يمكن التغاضي عنه، هو إحدى أهم الحقائق التي لازمت الحدثين، ومن المستحيل إنكارها بعد اليوم من قبل القريب والبعيد، وقد اثبت المقاتل الفلسطيني، أن من يحمل على كتفيه البندقية الموجهة بالعِلم والوعي والإيمان والاقتدار، لقادر حتمًا على الانتصار، ولا ينقصه سوى أمرين اثنين:
الأول: الوحدة في الداخل، وتجاوز كل التناقضات الثانوية تثنيه عن التفرُغ الكامل لمواجهة العدو المحتل.
الثاني: الدعم الخارجي، من الأشقاء أتى، أم الأصدقاء. وأقله أن تُرفَع الوصاية والاحتواء، إن لم نقل التآمر عليه، ونصب الكمائن لإضعافه، وتشتيت جهوده، وأن ذلك يجعل المسؤوليات التاريخية مضاعفةً على من يحمل السلاح، إدراكًا منه أن التفرقة الداخلية هي السلاح الأمضى بيد العدو لإجهاض ما أنجز من بطولات.
ولا بد من أن لا تُغاير الحكومات العربية في مواقفها من القضية الفلسطينية، كل مشاعر شعوبها التي خرجت عن بكرة أبيها، بعد السابع من تشرين، تنادي بحمل السلاح، وتقديم كافة أشكال الدعم لأهلهم في العروبة والدين والانتماء الحر الرافض للهيمنة الغربية على مقدرات الأمة، بقدر الكراهية والإدانة للاحتلال الصهيوني المغتصب للأرض، وما تحويه من مقدسات تعني المسلمين والمسيحيين معًا.
إن هذه الأنظمة، مطالبة اليوم بالخروج من موقف المتفرج على ما يجري في غزة والضفة من أرض فلسطين المحتلة، ولم يعد يكفي عجزها وجبنها وترددها، لا أمام شعبها، ولا حتى أمام مهادنتها للعدو الذي لا يترك مناسبةً إلا ويطالبها بالمزيد من الانبطاح، وتقديم التنازلات تلو الأخرى، على حساب المعاناة الدموية، وحرب الإبادة لأبناء غزة، وتفرض على النظام المصري مثلًا، الاستمرار في ترك أمر المعابر مع القطاع بيد الاحتلال الصهيوني، والرضوخ لقراره في عمليات تقتير المساعدات. وأخيرًا محاولة السيطرة على الشريط الجغرافي الملاصق للحدود المصرية، المعروف بـ «محور فيلاديفيا»، ما يتناقض مع اتفاقية كامب دافيد، ويحشر النظام المصري بدفعه نحو السكوت، وممارسة الصمت، واستمراء كل هذا التعدي السافر على سيادته.
إن ما يحزّ في نفس كل عربية وعربي، ما يقال اليوم، إن مصر تشارك في تضييق الخناق على الحدود مع رفح، وإن هناك مبالغ كبيرة، يدفعها لحرس الحدود المصري، كل من يرغب في الخروج من القطاع، وكلها أخبار ومعلومات لا تكتفي الوكالات والصحف العالمية بنشرها وحسب، وإنما تضع النظام المصري في خانة تتعدى «الوسيط» النزيه، مع العدو الصهيوني، إلى الصامت والمتجاهل والمتواطئ أمام كل ما يفرضه من إملاءات على المعابر مع فلسطين المحتلة، والتحكم بكل ذرة غذاء، وقطرة ماء، وحبة دواء… لا تدخل إلى القطاع إلا بموافقته، وبعد تفتيش يستهلك ساعات وساعات للشاحنة الواحدة، فكيف بالوقت المحدد للقافلات…؟!
إن كل الأمل يحدونا بالشعب المصري الأبيّ، الذي لم يُغيّر تطبيع “كامب دايفيد” بين الكيان الصهيوني ومصر، من موقفه التاريخي المشرّف من القضية الفلسطينية، وقد مر على ذلك ما يقرب النصف قرن من الزمن. نعم على الشعب المصري، أن يبادر سريعا إلى تصويب بوصلة النظام المصري، والمطالَبة بمواقف واضحة وضوح الشمس، لا لبس فيها بين مفردات الديبلوماسية، والتمسك بالاتفاقيات الدولية، التي لم تعد مصر بسببها ترزح أمام تطاول القريب والبعيد على سيادتها وحسب، وإنما أفسحت في المجال لبلد مشاطئ على نهر النيل كأثيوبيا، أن يتحكم بتعطيش المصريين، وإرواء ظمأ زراعتهم وفلاحتهم، كما يقرر حكام أديس أبابا، ضاربين بعرض الحائط ومنذ أكثر من خمس سنين بكل مناشدات الحكومة المصرية المطالبة بحقها في مياه النيل، ولا من يبالي. وكأنه لا يكفي الشعب المصري ما يمرّ به من أوضاع اقتصادية متدنية غير مسبوقة، جعلت النظام رهينة لصندوق النقد الدولي، والدول الدائنة المتحكمة بسعر صرف الجنيه المصري، الذي تجاوز الخمس وستين جنيها أمام الدولار الواحد في السوق السوداء.
نكتفي بما تقدم في هذه العُجالة، مترحمين على القائد الخالد جمال عبد الناصر، صاحب مقولة: ارفع رأسك يا أخي فعهد الاستعمار قد ولّى… فهل من مُتذكر…؟ أم أن من يفرّط بمائه، لا يعود يعنيه دماء أخيه التي تسيل كالشلالات في غزة…؟ أم أن الماء والدماء صارت بالنسبة إليه سواء…؟!
المصدر: “المدار نت”
تحليل دقيق وموضوعي لما جرى يوم 7 أوكتوبر ووما تم تجهيزه لذلك اليوم والذي أثبت بأن الجيش والاستخبارات الصهيونية سقطوا يوم 7 أكتوبر، ويحتاج 5 سنوات على الأقل لإعادة تأهيل أنفسهم، إن الثورة الفلسطينية افتقدت الى الدولة الداعمة والحاضنة وإفتقدت لوحدة الرؤية والأداة وهما بعلاقة تكاملية فيما بينهما، رحم الله الرئيس القائد جمال عبد الناصر الذي تفتقده الأمة العربية بهذه الظروف .