عادةً ما يبدو الشارع المصري محابياً لظهور قوى اليسار. رغم ذلك، ظلت هذه الحركات السياسية ولعدة عقود تخسر معركتها ضد الإسلاميين ومن هم في السلطة. ويعود السبب في ذلك لافتقار اليسار المصري إلى الاستقلالية، ، فضلاً عن ميل هذه الحركات إلى تسليط الضوء على النقاشات حول “الهوية” على حساب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
أي أن الشارع هو اليسار المصري، والتغيير لا يتجاوز دائماً حدود الثورة الراديكالية من داخل السلطة. ومعنى ذلك بوضوح أنه لم يوجد بعد التنظيم الذي يجسّد الشارع في إحداث التغيير في المجتمع بتغيير السلطة ذاتها. إن الشارع في معظم بلدان العالم يساريّ بالضرورة، فهو الرمز السياسي لجماهير العمال والفلاحين والفئات التقدمية من البرجوازية الصغيرة. ولكن هذا الشارع في البلدان الأخرى له ممثلوه وتنظيماته، وهي التي تدخل به ومعه في حوارٍ هادئ أو ساخن مع السلطة القائمة. أما الشارع المصري فهو ليس يسارياً فحسب، وإنما هو اليسار مباشرة.
كانت هذه كلمات الكاتب الماركسي البارز غالي شُكري (الثورة المضادة في مصر، 1978) وهو يتأمّل تطوّر اليسار المصري في ضوء التحولات السياسية الكبرى منذ عشرينيات القرن الماضي. لقد كتب الرّاحل شكري هذه الكلمات منذ ما يقرب من خمسة وأربعين عاماً. ومع ذلك، سلّطت ملاحظاته بطريقة ما الضوءَ على المعضلة التي ستظل تُواجه اليسار خلال العقود التالية وصولاً إلى ثورة 25 يناير (2011-2013). وتتجلّى هذه المعضلة في كون هذا التيار السياسي الذي تَلقى أفكاره عن العدالة الاجتماعية والاقتصادية صدى قوياً في حلبة الصراع السياسي، يظل تأثيره وحضوره التنظيمي في الحياة السياسية الرسمية – الانتخابات والمجالس التشريعية والسياسات الحزبية، وما إلى ذلك – ضعيفاً في أحسن الأحوال. وقد برزت المفارقة نفسها إلى السطح بعد سقوط الرئيس حسني مبارك في عام 2011 عقب الانتفاضة الوطنية: “شارع” يساريّ يُلقي بظلاله في كل مكان، لكنه بلا مؤسسات تمثيلية.
آمال المتظاهرين
لقد أثارت هذه الانتفاضة التي كان شعارها “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”، الآمال بشأن إمكانية بداية عهد جديد من السياسات اليسارية التي تعكس المطالب الشعبية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية. كان هذا التطلّع معقولاً، إذ أسهمت مثل هذه المطالب في تحفيز العمل السياسي قبل انتفاضة عام 2011 وفي أثنائها. بفضل عقودٍ من سياسات إجماع واشنطن، شهدت السنوات الأخيرة لحكم مبارك اتّساع نطاق السّخط الاجتماعي والاقتصادي الذي تجلّى في صورة حركاتٍ احتجاجية وإضرابات عمّالية متزايدة. في فبراير/شباط 2011، كان للحراك العمّالي دور أساسي في ترجيح كفّة الميزان لصالح المتظاهرين في ميدان التحرير الذين طالبوا برحيل مبارك. بعبارة أبسط، كانت بوادر السياسات اليسارية تلوح في الأفق. أو هكذا بدا الأمر.
في أقل من عام، اختلف الواقع تماماً. حصد الإخوان المسلمون انتصارات انتخابية عديدة، الأمر الذي أَدخل النخب السياسية في نزاعاتٍ حول الهوية الدينية للدولة. من ناحية أخرى، كان أداء القوى السياسية اليسارية، سواء الجديدة أو المخضرمة، ضعيفاً خلال الانتخابات الوطنية. في أغلب الأحيان، تعرّضت أصوات هذه القوى وأجنداتها للانطماس داخل ائتلافات علمانية متنوعة توحّدت لمواجهة التيارات الإسلامية، وذلك بالرغم من توجهاتها الاقتصادية المختلفة (أو بالأحرى المتناقضة). بعبارة أخرى، لقد اكتسبت السّاحة السياسية الوطنية المنظّمة سِمة الصراع الإسلامي/العلماني، على الرغم من أن “الشارع”، على حدّ وصف غالي شكري، ظلّ يسارياً.
الهوية مقابل الطبقة
إن المفارقة التي تَسِم اليسار المصري ليست فريدة بأي حال من الأحوال. لقد كان التهميش التدريجي لمفهوم الطبقة في الساحة السياسية الوطنية لصالح صراعات الهوية جزءًا من اتجاه عالمي، أو ما أصفه في كتاب “سياسة بلا طبقات” (Classless Politics. Islamist Movements, the Left, and Authoritarian Legacies in Egypt، 2022) بأنه “أكثر هوية، وأقل طبقية”. على الرغم من انتشار اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية والهوس بالتّشابكات العابرة للطبقات في وسائل الإعلام الرئيسية وقطاع الإنتاج الفني، فإن تأثير التحالفات المُطالِبة بإعادة التوزيع وتيار اليسار في أرجاء كثيرة من العالم قد تقلّص أمام الشعبوية اليمينية والحركات القومية العرقية.
بالعودة إلى تجربة الديمقراطيات الصناعية المتقدمة، أَرجع الباحثون هذه الظاهرة إلى مجموعة من العوامل. ومن بينها نجاحُ الحركات الشعبوية اليمينية في استمالة الطبقات التي طالما وقفت في صفّ الأحزاب اليسارية، فضلاً عن الدور الذي تلعبه الهجرة والتعددية الثقافية والتكامل الإقليمي في تغذية المواقف القومية العرقية. كذلك، تُركّز تفسيرات أخرى على فشل تيار “اليسار ما بعد المادّية” في ابتكار بدائل واقعية للوضع النيوليبرالي الراهن.
لكن، لعلّ ما يُميّز رحلة مصر نحو “أكثر هوية، وأقل طبقية” أن هذا الاتجاه ليس نتاجًا لتطورات حديثة أو معاصرة، فقد كانت معالم هذه الرحلة تتكشف على مدار عقود. بالطبع يُمكن للمرء أن يتعالَم ويتحدث عن الأخطاء التي ارتكبتها القوى اليسارية في مصر بعد عام 2011، كأن يقول إنها لم تُنظّم نفسها بما يكفي في مواسم الانتخابات، أو إنها فشلت في استحداث منابر جذّابة، أو إنها لم تستطع مغادرة فقّاعاتها في القاهرة، أو إنها لم تفعل الكثير في سبيل مواجهة الخطاب المناهض للحراك العمالي والذي روجت له النخب السياسية بعد الإطاحة بمبارك، أو إنها بذرت بذور هدمها من خلال دعم انقلاب 3 يوليو/تموز، وغير ذلك الكثير.
مهما كانت دقّة هذه الأقوال من عدمها، تظلّ مشكلة هذه التعليلات إغفالها للتاريخ، لأنها تنطلق من افتراضٍ يرى أن الضّعف الذي اعترى تيار اليسار يُمكن اختزاله في بضعة أحداث وقعت بين 2011 و2013، كأن التاريخ لم يبدأ إلا في 25 يناير/كانون الثاني 2011. ما يغيب عن مثل هذه النقاشات هو الفهم الدقيق للكيفية التي بها رجحت كفة الإسلاميين على كفة اليساريين في الساحة السياسية في مصر. وتُثير محاولة الفهم هذه تساؤلات عدة: لماذا لم يظهر تنظيمٌ سياسي يساري في مصر في العقود التي سبقت عام 2011؟ لماذا تمكّن تنظيمٌ إسلامي قوي من النجاة خلال الاضطرابات التي عرفها عهد مبارك، بما أتاح له موقعًا سياسيًا مناسبًا في عام 2011؟
ميراث عبد الناصر والسادات
تناوُل هذه الأسئلة يتطلّب التعمق في السياقات والعواقب المتّصلة بتدخّلين تاريخيّين يُمكن القول بأنهما أسْهما في تعديل ميزان القوى لمدى طويل بين القوى الإسلامية واليسارية. يتمثّل التدخل الأول في سياسات أنور السادات إزاء الحركة الإسلامية في السبعينيات، في حين يتمثل التدخل الثاني في سياسات جمال عبد الناصر تجاه الحركة الشيوعية في الستينيات. لقد كان لهذين التدخّلين تأثيرٌ مستمر على بنية الساحة السياسية في مصر خلال السنوات الأخيرة، كما أبرز ذلك في كتابي “سياسة بلا طبقات”. في الواقع، لقد وضعت السياسات المذكورة التيارات الإسلامية واليسارية على “مساراتِ تنمية مؤسساتيةٍ متفاوتة”، ما أسهم في هيْكلة تطوّر منظماتها، خاصة في ناحية استقلالها عن الدولة. إن فهم أصول وعواقب هذين المسارين المتباينين يعطينا فكرة متعمقة عن جذور المشاكل التي عانى منها اليسار بعد عام 2011.
حين واجه الرئيس السادات معارضةً يسارية قوية لمحاولاته تحرير الاقتصاد والتحالف مع الغرب، لجأ إلى ما أسميه “سياسات الإدماج الإسلامي”. يُشير هذا المصطلح التحليلي إلى فتح المجال السياسي أمام التيارات الإسلامية بهدف تهميش واحتواء المعارضين اليساريين للنظام. كان أكبر المستفيدين من هذه البيئة السياسية المنفتحة نسبياً الحركةُ الطلابية الإسلامية الناشئة وجماعة الإخوان المسلمين.
كان قادة الإخوان، المُفرَج عنهم حديثاً، يحاولون إحياء تنظيمهم بعد عقود من القمع في عهد عبد الناصر. بفضل موقف السادات المتساهل، تمكّنت القيادة المسِنّة في جماعة الإخوان المسلمين من حشد دعم صفوفٍ عريضة من الحركة الطلابية الإسلامية. وكما يُوضّح المؤرخ عبد الله العريان في كتابه “تلبية النداء”، فإن ذلك الجيل من الطلاب الناشطين هو الذي مَكّن جماعة الإخوان المسلمين من العودة إلى المشهد السياسي، لا سيما في وقتٍ كان فيه بقاؤها منظمةً سياسيةً غير مؤكد على الإطلاق.
يُماثل ذلك في الأهمية اتّباعُ جماعة الإخوان المسلمين مسارًا يرمي إلى إعادة تشكيل المنظمة دون المساس باستقلاليتها عن الدولة. لقد حاول السادات إبقاء جماعة الإخوان المسلمين والحركة الطلابية الإسلامية تحت سيطرة حزبه الحاكم وأجهزته الأمنية، لكن محاولته باءت بالفشل. كان هذا الفشل عظيماً، لأنه سمح لجماعة الإخوان المسلمين بالنمو في العقود اللاحقة لتُصبح منظمةً سياسية مستقلة، على عكس الجماعات السياسية المعارضة الأخرى التي ظلّت تعتمد إلى حدّ كبير على الدولة، ومنها الجماعات اليسارية. وقد حافظت على استقلاليتها حتى بعد وفاة السادات، ويعود بعض الفضْل في هذا إلى ديناميات الصراع داخل جماعة الإخوان المسلمين، فيما يرجع بعضه الآخر إلى الحسابات الاستراتيجية لنظام مبارك.
انقسامات قديمة
في المقابل، حظي اليسار بمسارٍ مختلف تماماً فيما يتّصل بالتنمية المؤسساتية، وهو المسار الذي أبقاه معتمداً على الدولة وعرضةً لتحكّم النظام وتدخلاته. ينبغي الإشارة ثانية إلى أن فترة التكوين في السبعينيات كانت مرحلة حرجة، فمثلما كان هناك تيارٌ إسلامي قوي في الجامعات – تيارٌ استطاعت جماعة الإخوان المسلمين استيعابه في سعيها إلى إعادة بناء التنظيم -، كذلك كان هناك تيار يساري واعد وديناميكي. ولكن طاقات تلك الحركة الطلابية اليسارية لم يتم توظيفها قطّ بغرض تأسيس تنظيمٍ سياسي دائم لليسار، بخلاف ما حدث مع التيارات الإسلامية.
في ظلّ غياب قوةٍ سياسية يسارية منظّمَة تتحلّى بالمصداقية وقادرة على توحيد التيارات المتشرذمة التي عارضت مشاريع السادات الاقتصادية وسياساته الخارجية، لم يكن من الوارِد أن تُكرّر التيارات اليسارية تجربة نظيراتها الإسلامية. حلّت الأحزاب الشيوعية التي كانت قائمة قبل السبعينيات نفسها تحت ضغط عبد الناصر، وبعدها انضمّ العديد من قادتها وناشطيها إلى التنظيم الطليعي، أحد الأذرع السياسية لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الحاكم. لقد استغلّ عبد الناصر الانقسامات الحادّة بين القادة الشيوعيين، وهي الانقسامات التي كانت واضحة قبل ذلك بعقود. بكل الأحوال، أسهم خضوع الشيوعيين لعبد الناصر في عام 1965 في التأثير على حظوظ اليسار السياسية لعقود من الزمن. ولكن الأثر المباشر لهذا، وعلى وجه التحديد في بداية عصر الانفتاح، كان إبقاء اليسار في حالة من الفوضى ومفتقراً للزعامة اللازمة لتوحيد التيارات المتشرذمة (الصاخبة على نحو مقلق) والمعارِضة لإدارة السادات اليمينية.
من المؤكد أن الجماعات الشيوعية السرية التي برزت على ساحة التنازع السياسي استطاعت خوض معركة بطولية، كما تمكّنت في بعض الحالات من إرْساء وجودها داخل الحركات الطلابية والعمّالية على الرغم من المناخ السياسي غير المؤات، ناهيك عن أن النقابات العمالية ظلّت خاضعة لنظام قطاعي جديد مُقيِّد تُسيطر عليه الدولة منذ الخمسينيات. مع ذلك، تمّ احتواء مثل هذه الجماعات إلى حد كبير، إن لم نَقُل إنه تمّ سحقها على يد جهاز أمني ظلّ مهووسًا خلال حقبة السبعينيات بالناشطين اليساريين، الذين لم يُتَح لهم نفس نطاق الحركة الذي أُتيح لنظرائهم الإسلاميين نتيجة سياسات الإدماج الإسلامي.
وبالمثل، تعرّض تيّار اليسار الشرعي، أو بالأحرى أقسامُ اليسار التي أُذِنَ لها بالمشاركة في العملية السياسية الرسمية كما جسّدتها تجربة حزب التجمّع، لقمع الدولة في عهد السادات. مع ذلك، كانت مأساة حزب التجمع متجذرة إلى حد كبير في الهياكل القانونية والسياسية المعادِية التي كان يتحرك في نطاقها (استمر الأمر نفسه في عهد مبارك). أضعفت هذه الهياكل استقلالية الحزب وعزّزت اعتماده على الدولة كما عرّضته لتدخلات النظام التي قوّضت صلاته القديمة القيِّمَة مع الحركة العمالية. وبهذا صارت تجربة التجمع التي كانت واعدة في السابق غير ذات أهمية على الإطلاق.
تحالف مع مبارك
إلى جانب مسألة القمع، خضع حزب التجمع لاحقاً لتحوّل داخلي في الثمانينيات رداً على الصعود السياسي للتيارات الإسلامية التي كان يُنظر إليها كتهديد. جرّ هذا القلقُ الحزبَ إلى التحالف مع نظام مبارك بِذَريعة مقاومة “التهديد الإسلامي” المزعوم. ونظراً لأن حزب التجمع انهمك في معارك ضد الإسلاميين حول هوية الدولة – في الغالب إلى جانب المؤسسة الثقافية لنظام مبارك -، فقد بدّد الكثيرَ من قدرته على معارضة النظام بمصداقية أو صياغة بديلٍ جادّ لسياسات التحرير الاقتصادي التي تتولّاها الدولة. بعبارة أخرى، أسهم إرث سياسات الإدماج الإسلامي (ودورها في مَرْكَزَة الصراعات حول الهوية الدينية للدولة) في توجيه أقسامٍ عدة من اليسار، كما تجسّدت في حزب التجمع، إلى الحروب الثقافية وبعيداً عن قضايا إعادة التوزيع والأولويات الاقتصادية.
يتبيّن هكذا أن قصة اليسار المصري هي قصة تطوّر مؤسّساتي حال دون ظهور التنظيمات اليسارية المستقلة وتطورها وبقائها، على غرار ما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين. أحْبَطت سياسات عبد الناصر والسادات إمكانية انبثاق هذا المسار. فقد أجْبَر عبد الناصر الأحزاب الشيوعية المستقلة على حلّ نفسها، وضمّ جزءًا كبيراً من كوادرها إلى جهاز الدولة. إلى حدٍّ ما، حصل عبد الناصر من الشيوعيين على ما لم يستطع السادات الحصول عليه من عند الإخوان المسلمين: الاستقلالية. وهكذا، على أعتابِ عصر الانفتاح، كان تيار اليسار في حالةٍ من الانقسام والفوضى وبالكاد قادراً على تكرار تجربة الإخوان في إحياء حضوره السياسي والتنظيمي. أما القوى اليسارية المُجازَة للمشاركة في السياسة منذ منتصف السبعينيات، فإن مسارها كان يعتمد إلى حد كبير على الدولة، كما كان عرضةً لتدخّلاتها الموهِنَة.
لقد خلّف تفاوتُ مساراتِ التنمية المؤسساتية بين التيارات الإسلامية واليسارية، كما بيّنت في كتاب “سياسة بلا طبقات”، علامةً دائمة على تكوين الساحة السياسية في العقود اللاحقة، خاصة قُبَيْل سقوط مبارك في عام 2011. لا يُمكن للمرء أن يتحدّث عن فشل اليسار في مُقارَعة نظيره الإسلامي في مصر بعد عام 2011 دون الاستحضار الجادّ لهذا السياق التاريخي. المسألة ليست مسألة حتميّة هيكليّة أو إرادة تقليل وتنسيب الأخطاء التي قام بها اليسار المصري خلال فترة الثورة. لكن الموروث السياسي من العصور الاستبدادية السابقة رَجّح كفة نتائج معينة.
فقط من خلال هذا السياق التاريخي يستطيع المرء أن يبدأ في فهم المعضلة المتواصلة لليسار المصري. لقد حالَ إرث عبد الناصر والسادات دون بروز تيارٍ يساري منظّم قادر على تَمثّل السياسات الطبقية، ناهيك عن السخط الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن عقود من السياسات الاقتصادية الإقصائيّة. والنتيجة هي استفحال التوتّر بين عالمين. العالم الأول، بحسب وصف غالي شكري، هو الشارع اليساري الذي لا يمكنه تمثّل نفسه إلا من خلال العمل السياسي التنازعيّ. والعالم الثاني هو المجال السياسي الرسمي الذي لا يَعكس في لحظات الانفتاح السياسي الشارع، بل المجال السياسي غير المتكافئ الذي شيّده النظام المستبد السابق، ولو عن غير قصد.
هشام سلاّم باحث دائم في مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون في جامعة ستانفورد، ومؤلف كتاب “سياسة بلا طبقات: الحركات الإسلامية واليسار والموروثات الاستبدادية في مصر” (Classless Politics: Islamist Movements, the Left, and Authoritarian Legacies in Egypt) (منشورات جامعة كولومبيا، 2022).
المصدر: موقع أوريان21