لا يكمن الجزء الأكثر أهمية من كتاب بولتون بشكل أساسي في الفصول والحوادث التي يتذكرها -على الرغم من أن كل واحد منها ممضّ بما يكفي. إن الأهمية تكمن في التصوير العام لرجل يفتقر إلى المعرفة والغرائز الأساسية للحكم. يمكنك الاعتماد على المساعدين ليخبروك بمكان وجود البلدان، ولكنك تحتاج إلى بوصلة أخلاقية أساسية وراسخة في السياسة لقيادة أي دولة، ناهيك عن أهم دولة على سطح هذا الكوكب.
لسنا بحاجة إلى مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، ليخبرنا بأن الرئيس ترامب أميّ جغرافياً، على الرغم من أنه من الممتع أن نقرأ في كتابه القادم “الغرفة حيث حدث ذلك” أن الرئيس سأل عما إذا كانت فنلندا جزءاً من روسيا.
تذهب التهم الأكثر جدية في كتاب بولتون أبعد كثيراً من مجرد حاجة ترامب إلى بوصلة جغرافية، وتشير إلى افتقاره الواضح إلى بوصلة أخلاقية. وإذا كان هذا الادعاء صحيحاً، فقد عرَض ترامب بيع ديمقراطيتنا للصين -البلد الذي يلقي باللائمة عليه الآن في جائحة فيروس كورونا الذي قتل من الأميركيين أكثر مما مات منهم في الحرب العالمية الأولى.
في نسخة مسربة من الكتاب، كان الرئيس حريصاً على إشراك الحكومة الصينية في تأمين انتصار ترامبي من خلال عرض أسواقنا للمنتجات الصينية بينما يقوم بشن حرب تجارية على الصين. وعلاوة على ذلك، حاول ترامب إلقاء اللوم على الديمقراطيين في أي سياسة لم يحبها الصينيون.
كان من بين أكثر التصريحات السياسية التي أدلى بها ترامب فظاعة، وفقاً لكتاب بولتون، هو إخباره الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بأنه يؤيد أرخبيل بكين سيئ السمعة المعروف الآن من معسكرات الاعتقال للأقلية الأويغورية؛ حيث تم اعتقال حوالي مليون منهم وإساءة معاملتهم. ويكتب بولتون، “وفقاً لمترجمنا، قال ترامب إن شي يجب أن يمضي قدماً في بناء المعسكرات، وهو ما يعتقد أنه الشيء الصحيح الذي يجب فعله”. وقال مسؤول آخر شيئاً مشابهاً، “مما عنى أنه يمكننا أن نتجاوز عن مسألة القمع الذي يُمارس على الأويغور وأن نزيلها من قائمة الأسباب المحتملة لمعاقبة الصين، على الأقل طالما ظلت المفاوضات التجارية مستمرة”.
وفيما يتعلق بأوكرانيا، تشير روايات بولتون المبكرة وكتابه إلى أن الرئيس ترامب كان مذنباً، كما اتهمه الديمقراطيون في التحقيق من أجل إقالته، بوقف المساعدة الأجنبية كوسيلة للضغط من أجل إجراء تحقيق مع منافسه جو بايدن. (ما أزال أتمنى لو أن بولتون اختار أن يشهد بهذا المعنى في العام الماضي).
لا يكمن الجزء الأكثر أهمية من كتاب بولتون بشكل أساسي في الفصول التي يتذكرها -على الرغم من أن كل واحد منها ممضّ بما يكفي. إن الأهمية تكمن في التصوير العام لرجل يفتقر إلى المعرفة والغرائز الأساسية للحكم. يمكنك الاعتماد على المساعدين ليخبروك بمكان وجود البلدان، ولكنك تحتاج إلى بوصلة أخلاقية أساسية وراسخة في السياسة لقيادة أي دولة، ناهيك عن أهم دولة على سطح هذا الكوكب.
قد لا يهتم الأميركيون بالسياسة الخارجية. لكنهم يفهمون الفساد، وسيحكمون على كتاب بولتون بعبارات بسيطة من الصواب في مقابل الخطأ. وبالنسبة لقاعدة ترامب الملتزمة، سيكون هذا كله “أخبارًا زائفة”. لكن أولئك الذين ليسوا على يقين من ماهية ترامب من المرجح أن يستنتجوا أنه هو “الأخبار الزائفة”.
عندما يستخدم رئيس الولايات المتحدة سلطته لتشويه سمعة دول أخرى أو محاولة استمالتها أو التأثير عليها لكي تقف إلى جانبه، فإن النفوذ الأميركي في العالم يضيع. إننا لا نستطيع أن نصنع السلام في أي مكان في العالم إذا لم يكن الآخرون يثقون بنا، وهذه مشكلة لجنودنا وبحارتنا وطيارينا ونسائنا. إن أرواحهم تكون معلقة في الميزان. وإذا لم يكن ثمة شيء، فيجب على الناس أن يقرؤوا الكتاب وأن يصلّوا بقوة من أجل جيشنا.
كما يمنح كتاب بولتون الناخبين أيضاً شيئاً يدعو للقلق عندما يتعلق الأمر بالتدخل في انتخاباتنا. ليس علينا انتظار روسيا أو الصين لزراعة الفتنة والارتباك؛ لقد فعل دونالد ترامب هذا مسبقاً.
من وجهة نظر الدبلوماسية العامة، يؤكد كتاب بولتون أسوأ شكوكنا حول ترامب. فبدلاً من الوقوف من أجل أميركا وصورتها في العالم، كان مشغولاً بقطعنا وتهديمنا، وبيع أرواحنا واستخدام الثقة العامة لتحقيق مكاسب خاصة.
ليس كتاب جون بولتون قراءة صيفية خفيفة. لكن هذه السنة لم تكن خفيفة هي أيضاً. مع استمرار انتشار فيروس كورونا، لا ينبغي أن نتجه إلى الشواطئ على أي حال. وبدلاً من ذلك، يجب أن نقرأ كل صفحة وأن نقلق بشأن ديمقراطيتنا وحرياتنا ومستقبل بلادنا. وبعد ذلك يجب أن نستعد للتصويت في تشرين الثاني (نوفمبر) وأن ننتخب رئيساً جديداً.
*وكيلة وزارة الخارجية الأميركية السابقة للدبلوماسية العامة والشؤون العامة، وزميلة رفيعة في كلية الإعلام والشؤون العامة بجامعة جورج واشنطن.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Bolton book: Trump’s ignorance, from maps to policy
المصدر: (ذا هِل) / الغد الأردنية