شادية الأتاسي روائية سورية متميزة. كنت قد قرأت روايتها تانغو الغرام وكتبت عنها…
رواية شادية الجديدة اعصار عذب تعتمد في سردها لغة المتكلم على لسان بطلتها سليمى. كما أنها تبدأ السرد الروائي بطريقة الخطف خلفا حيث تتحدث سليمى عن نفسها. وهي في مدينة لوزان السويسرية بصحبة كريم الزوج او الحبيب ، تعيش حياة هانئة مستقرة…
تتحدث سليمى عن نفسها بدء من طفولتها. انها ابنة مدينة حمص، لكنّ جدّها وأهلها انتقلوا للعيش في دمشق . حيث تسكن في منزلهم بحي المهاجرين الراقي في دمشق …
والد سليمى من المعارضين للنظام كان قد اعتقل في الثمانينات لسنوات وخرج من المعتقل مريضا. ولم يمض عليه وقت حتى توفي وهي طفلة. تتألف عائلتها من امها واخوها الأكبر نبيل وأختيها روزا ودالية ، هي آخر العنقود…
نشأت سليمى يملأها شعور اليتم لموت الاب المبكر. وكذلك الإحساس بالظلم الذي وقع عليه وعلى السوريين ومن حاول التحرك او الرفض لواقع الظلم والاستبداد حيث كان مصيره الاعتقال والتنكيل. هذا واقع سورية في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي. كان حضور والدة سليمى في نشأتهم وتربيتهم قوي. اخوها نبيل كان يعشق الموسيقى وهي ورثت القبو المليئ بكتب والدها ومقتنياته ومشاريعه الكتابية ومذكراته. كبرت سليمى وقد زاد شغفها بالثقافة والقراءة والمعرفة ، درست اللغة العربية في الجامعة. عاشت تجربة حب سريع كان نتيجته الزواج. تعرفت على سعد زميلها بالجامعة وسرعان ما أحبا بعضهما وقررا الزواج. دافعت سليمى عن خيارها وقرارها. دعمها اخوها نبيل وقبلت امها صاغرة. اختها الكبرى روزا كانت قد تزوجت من تاجر دمشقي يسكن جوارهم. اختها الاخرى دالية تزوجت من قريبهم وهاجرت معه إلى احدى دول أمريكا اللاتينية .
تزوجت سليمى من سعد لكن الزواج لم ينجح ولم يستمر طويلا. سعد ابن وحيد يعيش عند جدته حصل طلاق بين والده ووالدته منذ طفولته. تخلت أمه عنه فعاش في كنف جدته. عاشت الجدة احساس التملك تجاه نبيل يعيش معها ينام في سريرها حتى وهو في سن الشباب. لم تقبل الجدة هذا الزواج. كما أن سعد عجز عن الانفصال النفسي وحتى الحياتي عن جدته. كما عجز عن التواصل الجسدي مع زوجته امتد ذلك لعدة أشهر. لكنهما استطاعا التواصل الجسدي بعد ذلك خارج بيت الجدة. وعندما ارتفع عنه شدة حضورها النفسي عليه. وادى ذلك الى حصول حمل عند سليمى جعلها تقبل حياتها على علتها بخصوص الجدة لأجل طفلها القادم. لكن خلافا حصل مع الجدة والزوج ادى لسقوط سليمى واجهاضها. مما دفعها لطلب الطلاق والحصول عليه بدعم عائلتها كلها…
لم تستسلم سليمى الى فشل زواجها، قررت أن تصنع في حياتها انجاز ما فاستمرت في القراءة والتثقف وأكملت جامعتها في قسم اللغة العربية وبدأت تشق طريقها…
لكن متغيرا أصاب السوريين وكثير من الدول العربية أنه الربيع العربي عام ٢٠١١م. حيث خرج المظلومين في سوريا يطالبون بإسقاط الاستبداد واسترداد الحرية والكرامة المعدومة وتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحياة الأفضل. هاهي لحظة تحقق رسالة والد سليمى تظهر على الأرض. وهاهي سليمى واخوها نبيل يقوم كل بواجبه تجاه الحراك الشعبي السلمي قدر الإمكان. بدأت تنشر سليمى رأيها وتعميمه على المواقع الالكترونية وبعض الصحف، لقد أصبح لها حضور. مما ازعج الأجهزة الامنية التي تواصلت مع صهرها زوج أختها الذي كان على علاقة مصالح مع النظام. انذرها وأخاها كثيرا. لكنها لم ترتدع.. لقد تم دفع نبيل لمغادرة سوريا بأسرع وقت حيث كان مطلوبا للأجهزة الأمنية. وهكذا استطاع السفر الى سويسرا واستقر هناك. ترك اهله وحبيبته خلفه وذهب. كذلك حصل مع سليمى بعد مضي سنوات على الثورة وزيادة حدة نقدها. مما جعلها تقرر السفر مجبرة ايضا حيث أخبرها صهرها ورجل الأمن الذي استدعاها للتحقيق قائلا : اخرجي من البلاد افضل لك… والا ؟!!.
خرجت تلتحق بـ أخيها نبيل في سويسرا. حملت ما تستطيع حمله من ارث ابيها و كتاباته وكتبه. وتركت سوريا متألمة خاصة بعد أن تركت قبر والدتها التي كانت قد مرضت في فترة الأحداث وتوفيت. زارت قبرها وودعتها. واخبرتها انها تذهب مجبرة. وتعدها ان تعود يوما ما عندما تتحرر سوريا وشعبها…
كانت سليمى على موعد مع القدر في مطار بيروت وهي متوجهة الى سويسرا حيث التقت بكريم الشاب الكردي السوري. الذي ساعدها في حمل اغراضها. والجلوس معها لساعات طويلة حتى تحضر طائراتها . كان لقائهما ملتبسا ولكنه أصبح بعد حديث وتفاعل أفضل . فقد اشتعلت في ذاتهما نار الحب. كريم شاب كردي سوري منشغل بالقضية الكردية عموما. متابع للواقع السوري ابن عفرين وعاش في القامشلي تخصص في دراسته الجامعية في فرنسا وهو يعيش ويدرس هناك. له حضور قوي ومؤثر.
حدثته سليمى عن نفسها واحوالها. تواعدوا على التواصل واللقاء…
وصلت سليمى إلى لوزان السويسرية حيث كان اخوها نبيل وزوجته وابنته الصبية زينة بانتظارها. احتضنوها و عوضوها عن مشاعر العائلة المفتقدة لديها بعد وفاة الوالدة. أقامت في بيت أخيها لفترة. حتى تمكنت من الحصول على عمل في مدرسة للّغة العربية. وبعد ذلك انتقلت للعيش وحدها، فهي لا تحب ان تأسر اخاها وعائلته. سكنت في بيتها وبدأت تجهز نفسها لإنجاز مشروع حياتها بالكتابة عن أبيها وتجربته ومشروعه الفكري وكتاباته.
تعرفت سليمى على باولو أحد طلابها البرتغاليين الذي لجأ الى سويسرا مثلها. وحصلت بينهم علاقة وطيدة. هو أعجب بسليمى واحبها أيضا. رغم عدم تصريحه بذلك إلا بعد حين. وهي وجدت به الصديق الوفي الذي ساعدها كثيرا في مشروعها الفكري عن والدها…
تأخر كريم بالتواصل مع سليمى وهذا جعلها مضطربة لكنه اخبرها بعد حين أنه كان متنقلا بين اربيل شمال العراق والقامشلي في سورية متابعا شؤونا كردية. وأخيرا جاء إليها حيث هي في لوزان. تعرف على نبيل وعائلته. كانت قد اخبرت سليمى اخيها عن كريم وعن احتمال أن يتزوجا. سعدت العائلة بهذا الخبر لأن الزواج استقرار نفسي واجتماعي وانساني. هذا غير ان توق سليمى لإنجاب طفل رغم وجود مشاكل نسائية عندها بعد إجهاضها…
عانت سليمى ونبيل كثيرا من اضطراب العلاقة بينهما حب جارف واحساس تملك كبير يسيطر على كل منهما. كريم رجل متميز متعدد العلاقات النسائية. له زوجة سابقة وابنة كبيرة. كما علمت سليمى منه أن لديه طفل صغير أيضا من علاقة نسائية حصلت سابقا معه. جعلته ينسب الطفل له. كما كان متنمرا جدا عليها لعلاقتها مع باولو. وطلب منها أن تقطع علاقتها به. نعم هو يغار. وهي كذلك. لكن لكل منهما مساحة حرية يجب أن تصان. الحب احتكار. تقربت سليمى من باولو وكادت تحصل بينهما علاقة جسدية. انسحبت في آخر لحظة قررت الوفاء لعلاقتها مع كريم…
أنجزت مع باولو مشروعها وبدأت تنشر تباعا في مواقع مهمة . وكذلك تحدثت في أحد المراكز الثقافية عن تجربتها ونجحت في جذب الجمهور والاطلالة على ما يحصل في سوريا من مآسي وقتل وتهجير وتدمير…
عانت سليمى كثيرا لاجل اخيها نبيل الي أصيب بمرض الربو وتفاقم مع الزمن و أدى لوفاته بعد حين. كان ذلك ضربة قاسية لحياة سليمى. لكن ابنته زينة كانت الدواء لمعاناتها. لقد قررت أن تتابع دورا مطلوبا لمساعدة السوريين الموجودين في مخيمات على الحدود السورية التركية. وندبت نفسها لذلك ذهبت مع مؤسسات اغاثية واستقرت هناك لأكثر من سنة قامت بتعليم العربية للصغار والدعم النفسي للكبار. تعرفت على طبيب سوري جاء من فرنسا أيضا لمعالجة الناس هناك وحصل بينهما حب واعد…
تأخر كريم بالرجوع إلى سليمى حيث هي في لوزان. كانا قد عقدا قرانهما دينيا قبل ذلك. وعدها بالمجيء الى لوزان واصطحابها معه إلى فرنسا حتى يعقدوا زواجا رسميا. ويبدأوا حياة مشتركة…
لقد مرت علاقتها بكريم في كثير من المطبات والمنعطفات. مشكلة الطفل ابنه الذي علمت به حديثا. وهل مازال على علاقة مع تلك المرأة ؟!. مشكلة باولو الذي يغار منه كريم ويطلب قطع علاقة سليمى معه. وكان آخرها خبر قاسي جدا على سليمى. لقد أصيب كريم وهو هناك بين العراق وسوريا يتابع القضية الكردية وذلك جراء محاولة اغتيال. لم يمت. لكنه قد يفقد قدمه ويصعب عليه المسير بسهولة…
تقبلت سليمى ما أصابه ووعدته انها ستأتي إليه في فرنسا ليتزوجا ويعيشا حياة مشتركة ملؤها الحب والتفاؤل ببناء حياة أجمل…
هنا تنتهي الرواية.
وفي التعقيب عليها اقول:
اننا امام رواية ممتلئة وكثيفة تصل الى ٣٥٠ صفحة تقريبا. رواية نسوية بامتياز. رواية المرأة بكل ماتعيشه وتفكر به وتتمناه ويحصل معها. كما انها رواية الحياة بكل تفاصيلها. فالمرأة هنا هي الطفلة والمراهقة والشابة والأم والجدة وهي العنصر المهم والفاعل في الحياة الاجتماعية التي تعيشها. المرأة الطموحة المتميزة المتجملة اللعوب والصادقة. المترعة حب وجمال. المرأة المظلومة الضحية، الظالمة المتجبرة الغيورة ، المسكينة القوية الضعيفة القوية والتي تصنع الحياة. وجودا ماديا وواقعا انسانيا…
المرأة هنا ابنة الحياة و صانعتها. كما أنها جزء أصيل مما يحصل في بلادها كما هي حاضرة في حياتها الخاصة. ابنة السياسي المعارض وهي المعارضة أيضا. تضع روحها ثمنا لموقفها. تغادر البلد عندما لم يبقى حل الا المغادرة أو الموت المجاني. المنشغلة بتربية الاولاد او بناء المستقبل الذاتي أو العمل العام حيث يتطلب منها وطنها وضميرها أن تمد يد المساعدة وتمدها…
الرواية هي رواية حب بامتياز. لا حياة بدون حب نأمل به. أو نعيشه. أونتحسر عليه أو نسعى إليه حتى آخر العمر..
الحب قرين الوجود: المعنى الاسمى للحياة عندما تتسامى عن الغريزة وتحتضنها لتجعلها اجمل وامتع مافي الوجود…
ماذا بعد .؟. في الرواية دخول على الوضع الكردي عموما. وهو موضوع شائك يحتاج بيان قبل اتخاذ الموقف. نعم للأكراد حق قومي ككل الأمم بالتوحد وبناء الدولة القومية تماما كما نحن العرب المفتقدين لدولتنا القومية . كما يجب التحدث عن الأكراد في سوريا. نعم ظلمهم النظام بعدم اعطائهم الجنسية والهوية الوطنية. كما ظلمهم مرة اخرى عندما استخدمهم اداة في حربه مع تركيا حيث ساهم في تأسيس حزب العمال الكردستاني منذ ثمانينات القرن الماضي ليكون أداته في محاربة تركيا. التحق الشباب الكردي بالتنظيم وتناسوا قضيتهم السورية انهم اداة في يد النظام الذي يجب أن نسقطه بسبب فساده وظلمه للشعب السوري كله. وبعد ذلك ساهم الأكراد في صلب الثورة السورية بداية واغتيل الناشط مشعل تمو. وحُرِّف الأكراد عن دورهم الوطني بقوة اجبار وقهر حزب العمال الكردستاني الذي اعاد احضاره النظام من جبال قنديل ليصبح شبه دولة انفصالية تظلم الأكراد والعرب وبقية المكونات وتكون اداة بيد الامريكان ضد داعش ؟!!. و للهيمنة على شرق الفرات ومنابع النفط السوري ولتكون شبه دولة تحت مسمى قوات الحماية الشعبية وقوات سورية الديمقراطية ال ب ك ك وال ب ي د… هم الآن اداة بيد القوى الدولية وإيران والنظام وواقع حالهم انهم شبه دولة في جغرافيا سوريا المستعمرة من الأمريكان والروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية…
هذا واقع الحالة الكردية الآن في سوريا…
كما أن الهم الوطني حاضر بقوة في الرواية. الاب السجين السياسي المعارض المتوفى باكرا التارك ارثه الثقافي لتتابع ابنته بعده طريقه بتوثيق ما كتبه وبناء الحياة الحرة الكريمة العادلة. الابنة التي حملت راية والدها وحاربت النظام الظالم بقلمها ولو كان الثمن غاليا. الاخ الذي غادر هربا من النظام ل خوفا من أن يعتقله، لقد شارك بدور في الثورة. الحفيدة التي ولدت في سويسرا لكنها تابعت قضية شعبها حيث يقبعون في مخيمات اللجوء بكل حب وتفاني…
ماذا بعد…رواية مليئة لا تغني أي قراءة لها عن قراءتها…
٢٠ . ٨ . ٢٠٢٣م.
رواية “إعصار عذب” للروائية السورية “شادية الاتاسي” قراءة جميلة وتعقيب منطقي لكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث بإسم بطلتها سليمى عن نفسها بدء من طفولتها. انها ابنة مدينة حمص والدها من المعارضة يتعرض للإعتقال و….،وتتعرض للوضع الكردي عموما. وهو موضوع شائك يحتاج بيان قبل اتخاذ الموقف بالحقوق .