انهيار الدولة وغياب الأداء في مؤسساتها منذ 7 تشرين الأول، مؤشر آخر على أن إسرائيل، بالتأكيد في ظل حكومة نتنياهو السادسة، قد تحولت إلى دولة من العالم الثالث. هذه ليست مناشدة أو تحريضاً أو وسيلة مجازية للمعارضة السياسية، بل استنتاج يرتكز على تحليل الوضع الأمني والاجتماعي في إسرائيل إزاء الحرب في غزة، وعلى مؤشرات وخصائص دولية ومقارنات، بشكل منفصل عن المعارك في الجنوب. هاكم عشرين سبباً رئيسياً تقرب إسرائيل من تعريفها كدولة متخلفة وعلى حافة نظام مستبد:
– غياب الشرعية. عدم ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة من جهة، والنشاطات المستقلة للمجتمع من جهة أخرى، هي من العلامات البارزة على فترة الحداد والتجند بعد هجوم حماس.
– التهديد الدائم للمواطنين. الكارثة التي حدثت في غلاف غزة ذكرتنا مرة أخرى بأن إسرائيل قد أصبحت المكان الأكثر خطورة بالنسبة لليهود منذ إقامتها. عدد المواطنين الإسرائيليين الذين قتلوا بسبب الحروب والعمليات الإرهابية منذ 1948 هو الأعلى في كل العالم في الفترة الموازية.
– حدود غير مرتبة: لا يوجد في سياق إسرائيل مساحة جغرافية محددة؛ لأن السيطرة على الضفة الغربية تمت بدون فرض السيادة منذ حرب الأيام الستة. في الحقيقة، انسحبت إسرائيل من القطاع في 2005، لكن في ظل غياب الاتفاق نشأت ظروف لصعود حماس وتسلحها وتجسد خططها الإرهابية لاقتحام بلدات غلاف غزة واجتياز الحدود في الجنوب.
– احتكار استخدام العنف (الذي يسمى أيضاً “الحوكمة”) تآكل كثيراً في السنوات الأخيرة. منظمات الجريمة في المجتمع العربي تزرع الخوف والرعب في أوساط السكان الأبرياء من خلال غض نظر من قبل الشرطة. أجهزة القمع واستخدام العنف برعاية الدولة انهارت أيضاً عند الهجوم الإرهابي لحماس. الفراغ الذي خلفته قوات الأمن ملأته على الأغلب جهات مدنية (فرق الطوارئ في “الكيبوتسات” والبلدات) التي قامت بصد المخربين.
– اليوم أيضاً لا يمكن طمس حقيقة أن سيطرة إسرائيل الطويلة على شعب آخر في الضفة الغربية، مع حرمانه من الحقوق في كل مجالات الحياة، تؤثر بشكل سيئ على المناعة الوطنية وعلى أخلاقنا. وإن سحق حقوق “الآخر” يمكن أن يبرر ويشرعن المس بالمدنيين غير المشاركين في القتال الحالي في غزة.
– أثناء تبادل إطلاق النار في الجنوب والشمال، هناك محاولات غير منقطعة لوزير الأمن الوطني، إيتمار بن غفير، لمنع حرية التظاهر من خلال إصدار تعليمات مؤقتة تسمح للشرطة بإطلاق النار على من يغلقون الشوارع، الأمر الذي سيشوش كما يبدو على مرور قوات الجيش الإسرائيلي والشرطة.
– في ظل الحرب في غزة، تدفع الحكومة قدماً بتجميد حرية المعلومات لسبعة أشهر على الأقل. وقبل ذلك، فإن مبدأ الوصول إلى مصادر المعلومات البديلة لم يتم الحفاظ عليه بالكامل. وهناك سرية على وثائق رسمية كثيرة لاعتبارات أمنية (ليست مبررة دائماً)، ومن خلال الرغبة في إخفاء مظالم ارتكبتها سلطات الدولة ضد مجموعات معينة في السابق.
– الوحدة حول القتال في غزة وحدة مؤقتة. التفكير بوجود تهديد خارجي يمكنه الحفاظ على ميثاق اجتماعي لفترة طويلة بدون بنية تحتية قيمية مشتركة هو أمر خاطئ، لا سيما عندما يدور الحديث عن مجتمع منقسم على خلفية عرقية ودينية وثقافية.
من المهم التذكير بالأسباب الأخرى، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والتعليمية، لسير إسرائيل على شفا هاوية العالم الثالث، خصوصاً على خلفية الحرب في غزة وتبادل إطلاق النار في الشمال، لا سيما في هذه الأيام.
– تحولت منظمات حقوق الإنسان وحركات مدنية غير برلمانية متماهية مع المعارضة إلى أعداء للأمة تحت حكم نتنياهو، وتم اعتقال المحتجين المعارضين للحكومة ثم التحقيق معهم، كما تعرض بعضهم (كما تم الكشف عن ذلك في الصحف) لتعقب ثابت من الشرطة بتعليمات من الوزير بن غفير.
حكومة إسرائيل لم تتنصل حتى الآن من الانقلاب النظامي، الذي هدف إلى تقويض مبدأ الفصل بين السلطات والمس بصلاحية المحكمة العليا في المراجعة القانونية والإدارية لسياستها والتعيينات الفاسدة، مثل قانون إلغاء ذريعة المعقولية.
– أهمية حرية التعبير غابت عن قوانين دولة إسرائيل. خطة وزير الإعلام، شلومو كرعي، التي تشرعن تعيين هيئة تنظيمية تحت سيطرة السياسيين، تشرف على المضمون في الصحف، وتقلص حرية التعبير حتى الحد الأدنى، التي هي حق أساسي يتم فحصه على الأغلب حسب مبدأ حرية الصحافة. باتت إسرائيل في المكان 97 من بين الـ 180 دولة، قرب دول العالم الثالث، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق، حسب مؤشر حرية الصحافة (2023) لمنظمة “صحافيون بلا حدود”.
– أهمية المساواة غير منصوص عليها في قانون. المواطنون العرب في إسرائيل، 20 في المئة من عدد السكان، يمتلكون 4 في المئة فقط من أراضي الدولة ويعانون من قلة التمثيل في المؤسسات الحكومية والعامة.
– إسرائيل في المكان 85 من بين الـ 167 دولة على مقياس “جيني” الذي يبين مستوى المساواة في توزيع المداخيل في الدولة.
– إسرائيل في المكان 57 بعيداً عن دول الـ OECD على مقياس جودة البيئة الذي يتكون من مؤشرات مثل تلوث البيئة، والتحريج، ومستوى انبعاث غازات الدفيئة. العالم المتقدم انتقل إلى إنتاج الكهرباء بالطاقة المتجددة. ولكن إسرائيل، البلاد المليئة بالشمس، ما زالت تنتج الكهرباء من الفحم.
– إسرائيل في المكان 83 من بين الـ 146 دولة على مقياس مقارنة دولي يفحص الفجوة في النوع الاجتماعي في خمسة مجالات رئيسية، وهي: السياسة، الاقتصاد، التعليم، الصحة والأمن الشخصي. ودول مثل زامبيا وإندونيسيا قريبة جداً من إسرائيل في تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي.
– إسرائيل اليوم في المكان 97 في العالم من حيث تمثيل النساء في البرلمان. دول مثل تشاد والمغرب تسبقها في تصنيف 2023 حسب جمعية البرلمانيين الدوليين “آي.بي.يو”، وخلافاً لمعظم الدول المتقدمة فإنه لا يوجد في إسرائيل تمثيل مضمون للنساء في الكنيست بقوة القانون، ضمن أمور أخرى، بسبب معارضة الأحزاب الحريدية الممثلة من قبل أعضاء كنيست من الرجال فقط.
– التعليم الحريدي المستقل، 19 في المئة من إجمالي جهاز التعليم اليهودي (30 في المئة من طلاب الصف الأول) يمنع طلابه من تعلم المواضيع الأساسية. لذلك، فإن الطلاب الحريديم لا يحصلون على صندوق الأدوات المطلوب لمواجهة تعقيد إدارة التشغيل والاقتصاد في حياتهم.
– تحول الوعد بحرية العبادة والضمير في وثيقة الاستقلال إلى إشارة ميتة بسبب قرار وضع موضوع شخصي وخاص مثل الزواج في يد الحاخامية في إسرائيل. من هذه الناحية، إسرائيل في علاقة جيدة مع دول العالم الثالث، بعضها في الشرق الأوسط، التي تضع موضوع الزواج بيد السلطة الدينية.
– المواصلات العامة في إسرائيل، التي هي غير موجودة في أيام السبت بسبب معارضة الأحزاب الحريدية، متدنية بشكل استثنائي. فشبكة القطار الخفيف في تل أبيب الكبرى ما زالت غير فعالة، وشبكة الحافلات محدودة، والازدحام الاستثنائي في الشوارع يؤثر أيضاً عليها.
من المهم التأكيد على أنه إذا لم نرسخ مؤسسات وآليات لترسيخ النظام الديمقراطي الذي سيعقب انتهاء المعارك العسكرية في غزة وفي المنطقة الشمالية، فإن وقف النزيف المؤقت للمجتمع لن يمنع استمرار انهيار أجهزة الدولة.
المصدر: هآرتس /القدس العربي
انهيار الدولة وغياب الأداء في مؤسساتها منذ 7 تشرين الأول، وفي ظل حكومة نتنياهو السادسة تحول الكيان الصهي.وني تحول إلى دولة من العالم الثالث ، كلام دقيق لحالة الكيان المصطنع ذو الدور الوظيفي لمحدثيه ، لذلك هرولوا لنجدته ، لأنه كيان مصطنع .