قراءة في رواية.بينما ينام العالم

أحمد العربي

في البداية نحن أمام رواية فلسطينية. إنسانية بامتياز. فلسطينية لأنها تؤرخ لرحلة المأساة الفلسطينية. عبر سبعين عاما .. وانسانية لأنها تغوص في الإنسان وعنه ولأجله ومفتقدة له… هذا فضائها. وهنا روعتها….

مازالت فلسطين الحدث والبشر والتاريخ والوجدان والانسانية المهدورة. تجد لها منبرها الذي يعبر عنها دوما .. ويدخلها في دورة الخلود..

روايتنا هذه هنا ملعبها…

.نحن في فلسطين التاريخية. في الثلاثينيات.في قرية عين حوض. القريبة من يافا. البلدة الوادعة. طلائع اليهود تتحرك صوب فلسطين. يتزايدون يوما بعد يوم. يزرعون في الارض برعاية المحتل البريطاني. والفلسطينيين يتلقون ذلك على مضض ورغما عنهم … يتقبلون الأمر الواقع يتعايشون مع اليهود القادمين. دون دراية كافية لما يدبر لهم..

عائلة يحيى ابو الهيجا . وهو من ملاك القرية. التي تأسست منذ صلاح الدين الأيوبي. يعيشون بالزراعة. القرية مليئة بالزيتون والتين والبرتقال وكل الأشجار المثمرة. ليحيى عدة أولاد .سيكبرون قبل النكبة في 48. سيتزوج ابنه الاوسط حسن. من الغجرية داليا. التي تعمل في القرية بقطاف الزيتون. وينجب ولديه يوسف واسماعيل. وعندما خرج الإنجليز من فلسطين.

كانت عين الحوض على موعد مع اليهود الذين سيجتاحوها بعد قصف يقتل من يقتل. وطردوا المتبقي منهم . سيصاب أخاه درويش ويصاب بالشلل. و فقدوا ابنهم اسماعيل (ندبته التي تميزه في وجهه) في طريق اللجوء.. ستعيش الام صدمة فقدان ولدها. كما سيعيش الكل فقدان ديارهم فلسطين عام 1948. التي أصبحت (اسرائيل).. يصلون لجنين ليؤسسوا بجوارها. خياما تتحول الى بيوت طينية مع الزمن لتكون مخيم جنين للاجئين. كان ذلك يحدث عندما تزداد الخيبات وينقص الأمل بالعودة. سيهتم حسن بالعائلة والده وإخوته وأسرته الصغيرة. سيعيش من التعليم وسيزرع في أولاده ومن حوله بذرة العلم طريقنا للنجاح. ينجب في المخيم ابنته آمال.. نتعايش مع خصوصيات حياة كل على حدى، إنسانية متألقة. لايضرها انها تشردت. وحرمت أسباب الحياة كلها. هم بشر مسكونون بانسانيتهم حتى الثمالة. الجد يحيى لم يحتمل الاقتلاع عاد سرا للقرية بعد سنوات. غاب أياما عاد محملا بالتين والبرتقال و ما تجود به ارض (البلاد) فلسطين واستقبل كبطل . واحتفل المخيم بعودته ورقصوا وغنوا. وتناولوا ثماره بحنين كأنها ثمار الجنة.. وعاود الكرة مرة اخرى ليعود جثة هامدة ملفوفا بملابسه. منذرة الكل أن حلم العودة يجب أن يموت. حسن معلم واب وانسان ونموذج. يوسف يسير في درب العلم. وآمال تنمو وسط اسرة متوائمة متضامنة مع اهلها. متقبلة لوضعها ماضيها حاضر بشدة توقهم للخلاص شديد. ستحصل حرب 1967 وستكون هزيمة أخرى للانظمة العربية .تلغي أملا بالعودة. وتزيد المأساة بحضور العدو محتلا لكل فلسطين التاريخية . جنين أصبحت تحت الاحتلال. مجددا ، يختفي حسن الاب. يُعتقد أنه استشهد. ودالام داليا ستدخل في غياهب الغياب الذهني . فالصدمات كانت اكبر من عقلها. والطفلة آمال ستلتحق في ميتم تعليمي في القدس. سيكبر يوسف ويتقاطع مع اعتداءات الصهاينة عليهم. وسيلتقي بوجه اخيه اسماعيل المفقود عام النكبة. سيكون جنديا صهيونيا بندبته المميزة. والذي كان قد سرقه جندي عند النكبة .ليأخذه الى  زوجته العاقر من فعل الاغتصاب الالماني في معسكرات الاعتقال .سيكون ابنا تفقده آمال وابنا تتلقفه اليهودية “عطية الإله لها”.. سيعرف يوسف أخاه الجندي الصهيوني. يوسف سيقع تحت الاضطهاد كثيرا. ويأخذ قراره بالالتحاق بالمقاومة الناشئة حديثا. سيترك رسالة لأخته ويغادر. سيكون أحد أبطال معركة الكرامة في الأردن عام 1968. آمال ستجد في الميتم اهلا جددا وصديقات يملأن حياتها. لكنها لن تنسى صديقة عمرها هدى ولا امها المغرقة في غيابها ولا أخاها الذي غادر ولم يعد له أثر. ستلتزم بوصية والدها. ان تكون متفوقة ومتميزة. ستحصل على منحة دراسية في أمريكا. ستغادر القدس بعدما أودعت امها التراب بعد موت وديع. كذلك صديقتها هدى واهلها الذين طالبوا بلسانهم وافعالهم ان تكون ابنتهم البارة واملهم ..ستعيش في امريكا عند أسرة تحتضنها كإبنة. وتقرر ان تترك ماضيها المضني وراءها لكنه لن يتركها هو. اسمها الجديد ايمي مجرد قشرة هشة والناس مغرقين في ذاتيتهم . وهي مازالت ساكنة هناك في فلسطين. ومازال الأهل الاحياء منهم والاموات فيها يعيشون في وجدانها. يمر أعوام يحصل أيلول الأسود.1970 في الأردن وتُطعن الثورة في الظهر. ويغادر الثوار للبنان. يأتيها هاتف من يوسف المقيم في لبنان في مخيم شاتيلا. يطالبها بزيارته وسيعيد لروحها الدفء. يخبرها انه احضر حبيبته فاطمة من جنين. إنهم تزوجوا لأنها مدعوة لاستقبال مولودتهم القادمة (فلسطين). ستذهب اليه وتكتشف انها لم تغادر ذاتها وانتمائها ابدا. وتعيش معهم في المخيم وتتزوج صديق اخوها المقاوم ماجد. ستعيش حبا يعيد الى روحها وحياتها الالق الذي تحتاجه وتستحقه كإنسان. وستكون موعودة مع طفل للحياة قادم في احشائها. سيكون ذلك عام 1981.وستكون بيروت ولبنان في موعد دائم مع الاعتداءات الإسرائيلية. تعود لأمريكا لتؤمن لزوجها حضورا ولزوجة اخيها وابنته وطفله القادم لجوء . لكنها متغيرات حصلت حيث يجتاح الاسرائليين لبنان و بيروت وسيكون حبيبها شهيدا في قصف تحت أنقاض البناء الذي يسكن به في بيروت. وسيكون أخاها أحد الذين يذهبون لتونس في رحلة لجوء للمقاومة الفلسطينية. و ستدخل المليشيا الطائفية صبرا وشاتيلا

ويكون هناك مجزرة تحت سمع ونظر ورضى الصهاينة. ستكون فاطمة وابنتها فلسطين وجنينها من الضحايا. ستكون صورتها مع طفلتها مبقورة البطن للوصول للجنين. موثقة في صور وسائل الإعلام. سيدخل يوسف في جنون الإحساس بالظلم المطلق وسيدخل في لعبة الانتقام. وسيكون ذلك الرجل الذي يفجر السفارة الأميركية في بيروت. وتدخل آمال مجددا في غياهب اليأس المطلق. وتبقى ابنتها سارة. الضوء الوحيد في ظلمة حياتها. في مسار آخر سيكتشف أخاها اسماعيل (ديفيد) نفسه سيخبرة (اباه ) بذلك وكذلك (امه). سيعيش احساس التمزق النفسي. وسيترك زوجته ويكون له ولد يفهمه. وولد آخر يوغل في صهيونيته يبحث عن جذوره ويصل لمخيم جنين وسيعرف اين هي اخته وسيصل إليها. ويعيشون بوح الأخوة المصنوعون أعداء. سيدرك ان صهيونيته انتقاما لمذبحة النازية لليهود. عبر ذبح الفلسطينيين. وان الكل ضحية بأبعاد متناقضة. تستنزف دماء الجميع. لم يستطع إنكار ما كانه  ولا ما صاره ولم ينتمي لأي منهما. وبكل الاحوال الانسانية مهدورة. وصل لأخته غطوا الجزء المنقوص من قصصهم. قصة شعب ضحية بطعمها المر على كل فرد فوق الأرض وتحتها وفي كل زمان واي مكان وعبر عقود… سيدفع اخته للعودة لفلسطين او “اسرائيل” او كليهما معا. فلسطين التي شهدت انتفاضتها. التي أعادت المقاومة للداخل وصنعت لياسر عرفات ورفاقه دولة ولو من وهم. ستصل لفلسطين وتذهب للقدس تلتقي بصديق والدها اليهودي الباحث الذي أنقذه ابوها من موت محقق يوما في 1948. والذي ينتمي لليهود المعادين لدولة “إسرائيل” الصهيونية. ويغطي لها معلومات من القصة لم تكن تعرفها من قبل . ستعود لمخيم جنين لتجد المخيم يعج بالبشر والاستعداد للمقاومة. عرفات محاصرا في مقاطعته. مطلوب منه أن يحارب الإرهاب.؟!!.. وستكون هناك بداية نهايته كجسد وليدخل في دورة تاريخ النضال لاسترجاع فلسطين وللأجيال القادمة. ستجد صديقتها هدى .مثقلة بالاسى لأن زوجها في المعتقل. و ابنها استشهد في الانتفاضة الأولى . وابنها الصغير فقد النطق بعد اعتقاله الاسبوع ايام الانتفاضه الاولى  كان عمره ست سنوات . هو الآن شاب صامت وفنان يقول كل ما يعتمل في نفس الناس وما يعانون من ظلم وما يمارسونه من مقاومة عبر رسمه… وابنها الآخر مع المقاومة.. سيحدث الاجتياح لمخيم جنين. وستكون آمال الضحية الجديدة. وهي تحمي سارة ابنتها من القتل.. وستخرج سارة من المخيم بعدما اكتملت عندها كل الحكاية الفلسطينية وتعود لأمريكا معها ابن خالها اليهودي وابن عمتها الفلسطيني وهي الامريكية. اهلا من صلب واحد . جعلتهم الأقدار أعداء. ليبدأوا حياة جديدة تبحث عن معنى وعن جدوى في رحلة الشقاء الفلسطيني

في التعقيب على الرواية نقول:

.الرواية متعددة الأبعاد فهي تاريخ على شكل رواية  فيها نماذج إنسانية تعيش معك وبداخلك تحتلك بحقها وبحثها عن خلاصها. وللحياة الخاصه حضور. للحب، للمعنى، للمآسي حضور. في الرواية صرخة تتجاوز المعاش في  تاريخيّته. لتسأل عن الإنسان ووجوده ومصيره. ما الذي جعله في معادلة هدر مستمرة . نفسيا و وجوديا وحياتيا كروح وجسد ووجود وعدم ايضا. هذا ما حصل في فلسطين. ماذا عنى ذلك في حياة الإنسان ومن خلال كل الأطراف..عربا ويهود.وكيف وضعنا كلنا في المحرقة. الاغلب الاعم ضحية .المستفيدين قلة واللاعبين الكبار دوليا. سنسأل أنفسنا في رحلة العمر الشخصي: حال إنساننا وفي منطقتنا وعبر العقود الماضية ما مقدار تحقيق الحرية والعدالة والكرامة للإنسان وحياته الافضل . وكم كانت حصته من الهدر.؟. ولمصلحة من.؟. ما حصل ويحصل…؟. وماذا عن رحلة المأساة السورية؟. وتراكم عذابنا وتضحياتنا وخسارتنا الانسانية والوجودية.؟ . عبر اكثر من سنتين ونصف تجاوز ما حصل مع الفلسطينيين عبر عقود طويلة… لماذا ؟. ولمصلحة من..؟

.مازلنا بعيدين جدا عن احترام إنسانية الإنسان عكس ما يدعي اللاعبين الدوليين. وما يؤكده سلوكهم

علينا أن نعرف ذلك ونرد عليه

.في الختام شكرا سوزان أبو الهوى جعلتنا نعيش في عمق مأساة الإنسانية مأساتنا الشخصية

 

14.1.2014…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “بينما ينام العالم” للروائية الفلسطينية “سوزان ابو الهوى” قراءة جميلة وتعقيب دقيق من قبل المبدع “احمد العربي” رواية فلسطينية. إنسانية بامتياز. فلسطينية تؤرخ رحلة المأساة الفلسطينية عبر سبعين عاما .. وانسانية لأنها تغوص في الإنسان وعنه ولأجله ومفتقدة له… هذا فضائها. وهنا روعتها….

زر الذهاب إلى الأعلى