مداخلة المحامية نورا مروان غازي في جلسة مجلس الأمن

قالت المحامية نورا مروان غازي مديرة منظمة نوفوتوزون عبر مداخلتها في جلسة مجلس الأمن المتعلقة بقضية المعتقلين السوريين والمختفين قسرًا الثلاثاء 16/6/2020 ” السيد الأمين العام للأمم المتحدة السيد المبعوث الخاص لسوريا سعادة ممثلي الدول لقد احترت كثيرا عندما وجهت لي الرئاسة الفرنسية لمجلس الأمن مشكورة الدعوة لحضور هذا الاجتماع، إذ كيف يمكنني في عشر دقائق أن أصف معاناة شعب وبلد بات عمرها الآن ما يقارب العشر سنوات. لا شك أنني فخورة جدا لأنني وصلت إلى هذا المكان، وتمر الآن حياتي أمامي كفيلم قصير يعرض كل ما قاسيته من حرمان وفقد ناتج عن مقاومتي للاستبداد والظلم، وفي الوقت نفسه أشعر بأنني أمام امتحان صعب على مرأى ومسمع العالم، فهل حقا سيشكل حضوري إضافة في إيجاد حل لقضية المعتقلين والمختفين قسرا في سوريا، أم سيتم استخدامي كأداة لإبراز الوجه الإنساني للمجتمع الدولي الذي وللأسف لطالما تخاذل عن نصرة قضايا إنسانية محقة. أثناء فترة طفولتي ومراهقتي، تربيت على قصص نضال الشعوب في العالم، في أفريقيا وأميركيا اللاتينية والعالم العربي، في سبيل قضايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي الذي نتج عن الممارسات الاستبدادية والعنصرية. لست هنا لأتحدث عن نفسي أو عن معاناتي كابنة وكزوجة، وليس لدي أي موقف شخصي تجاه أي أحد أو أية جهة رغم كل معاناتي وكل ما دفعته من ثمن قاس في حياتي الشخصية والمهنية، فليس للأحقاد مكان في العمل الحقوقي، وهذا ما لا يفهمه خصومنا. أنا اليوم أحاول أن أختصر في إحاطتي هذه قصة وطن، وأتناول في كلامي قضية أخلاقية وإنسانية، وقطعا تاريخية. أنا الآن وهنا أتحدث إليكم عن معاناة عشرات آلاف العائلات والنساء تحديدا، عائلات المفقودين والمختفين قسرا والمعتقلين، على امتداد هذه البقعة الجغرافية الأقرب إلى قلبي (سوريا)، وأحدد النساء لأسباب عديدة لعل أهمها أنهن الضحايا المباشرات لهذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في تغييب أحبابهن من الرجال بأبشع الطرق. وهذا بالطبع لا يجعلني أستثني النساء أنفسهن كمعتقلات ومختفيات ومفقودات، ولكن كما تعلمون فإن معظم من اختفوا واعتقلوا هم من الرجال، وهذا ما أدى إلى بقاء النساء وحيدات، يصارعن كل مصاعب الحياة ومشاعر الفقد وحدهن، يرعين أسرهن وحدهن، يناضلن لهذا الوطن ولمعرفة حقيقة غياب أحبابهن وحدهن. نناضل نحن نساء سوريا لنعرف مصير أحبابنا ونطالب بالعدالة لهم ولنا ولبلدنا، فشكلنا العديد من الروابط العائلية والتي أفتخر أني عضوة مؤسسة في واحدة منها وهي حركة عائلات من أجل الحرية. كما أفتخر أنني نجحت وفريقي في منظمة نوفوتوزون التي أديرها بأننا لم نميز في عملنا عائلات المعتقلين والمختفين قسرا على أي أساس سياسي أو على أساس الجهة التي قامت باعتقال أو إخفاء أحبابهم. إنما جمعنا المئات من هذه العائلات رغما عن كل من يريد تفرقتنا، فوحدنا الألم، وحدتنا المعاناة ووحدنا الهدف … نريد أحبابنا، نريد العدالة والتي تقودنا إليها بداية معرفة الحقيقة. ولعل أبرز ما يسبب استمرار معاناتنا، هو غياب إرادة سياسية دولية بوقفها. وفق العديد من المنظمات الدولية هناك عشرات آلاف المعتقلين والمختفين قسرا والمفقود ينفي سوريا منذ اندلاع الاحتجاجات التي بدأت في آذار 2011، مطالبة في أولويات ما طالبت به الإفراج عن المعتقلين، فكانت النتيجة أن قوبلنا بالقتل والاعتقال، وأدى العنف إلى مزيد من العنف على امتداد سوريا، وبتنا عاجزين عن إحصاء عدد ضحايانا، وأسماء خصومنا الذين ينتهكون حقوقنا كل يوم. أصبح الاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب يمارسون من قبل جهات عديدة، والعالم ينظر إلى الصراع في سوريا بأنه حربا بين نظام دكتاتوري وفصائل متطرفة، وبغض النظر عن وجودنا كناشطين لا عنفيين نرفض كل من يرتكب عنفا وظلما بوسائل مقاومتنا السلمية. آلاف من النساء والأطفال في مراكز الاحتجاز دون ذنب، مئات من الأمهات اعتقلن مع أطفالهن، أطفال ولدوا داخل المعتقلات. اتهم جميع من اعتقلوا بأنهم إرهابيين، وهم لا ذنب لهم سوى أنهم رفضوا الظلم، وربما لم يتدخلوا في أي فعل ضد السلطات، بل اعتقلوا لمجرد انتمائهم لمناطق مغضوب عليها، أو كرهائن بسبب نشاط أقاربهم المعارضين للنظام، هل يصدق أحد هنا أن هناك منظومة سياسية تكره وتغضب على منطقة ما؟ وهنا أطلب منك لطفا مراجعة مؤشرات التنمية في سوريا قبل عام 2011. واسمحوا لي هنا بالتعبير عن رفضي ورفض من أمثلهم لجميع صفقات تبادل السجناء التي تعقد بين الفرقاء المتقاتلين الذين لا ننتمي إلى أي منهم. فمعتقلونا ليسوا أسرى حرب، هم أشخاص معتقلين تعسفياً، وتستخدمهم الحكومة المركزية كورقة ضغط وتحصيل مكاسب، صفقات تبادل السجناء ليست إلا ابتزازا لنا. نريد حلا جذريا وشاملا وعادلا لكافة المعتقلين والمختفين في سوريا وليس لجزء منهم. أنا أتحدث اليوم عن انتهاك القوانين من قبل النظام السوري، ليست القوانين الدولية فحسب وإنما القوانين السورية أيضا، وعلى رأسها الدستور السوري الحالي. أليست المحاكم الاستثنائية وعلى رأسها محكمة الميدان العسكرية ومحكمة الإرهاب انتهاكا لمبادئ المحاكمة العادلة التي نصت عليها القوانين السورية والدولية؟ أليست الإعدامات العشوائية انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان ولحقوق السجناء؟ أليس التعذيب فعلا مجرما في كل القوانين وتحت كل الظروف؟ الأمثلة على انتهاك الدستور السوري يومية من قبل من يروجون أنهم حماته، سيدي الرئيس نحن حماة الدستور، نحن لا نملك قوة عسكرية، سلاحنا القانون، وخصمنا ينتهك القانون. أليس واضحا للعالم من ينتهك القوانين في سوريا؟ تخيلوا وفاة أحد أحبابكم، تخيلوا كيف تجهزون لجنازة مهيبة لوداعه، ترتدون أجمل الثياب، تقيمون مراسم العزاء وترمون على قبره أجمل الورود…. نحن محرومون من هذا في سوريا …. نريد قبورا لأحبابنا، نريد أن نحيا الحداد كما يحق لكل كائن على هذه الأرض، نريد أن نغلق جراحنا النازفة. عسى أن أتمم هنا كل ما قمت به من أجل قضايا المعتقلين والمختفين حاملة إليكم رسائلاً من مئات السيدات اللاتي أمثلهن، تلك النساء اللاتي يطالبن في كشف مصير أحبابهن، ولا تكفيهن”.

المصدر: وكالات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى