يعيد واقع استمرار الاستبداد وكم الأفواه، وإفقار المجتمعات، ونهب مواردها، وتعميم الفساد والإفساد، إنتاج الثورة والانتفاض مرة أخرى، بل مرات ومرات، ولعل مايقوم به نظام الاستبداد المشرقي الأسدي عبر اصراره الدائم على إلغاء السياسة من المجتمع السوري، وامتصاص وشفط موارد سورية، ونهبها يوميًا وعلى قارعة الطريق، وإشاحة النظر عن كل تلك المطالبات الإقليمية والدولية بالعودة إلى الحل السياسي، والولوج في أتون القرارات الأممية ذات الصلة، والعمل من أجل عودة ماينوف عن ١٤ مليون سوري كانوا قد فرّوا إلى بلاد الله الواسعة، هربًا من العسف والبطش الأسدي، وإطلاق سراح مئات آلاف السوريين المغيبين قسرًا في معتقلات الظلام العصبوي الأسدي .
ولأن نظام بشار الأسد مايزال مرتميًا في أحضان الإيرانيين ومشروعهم للمنطقة، كما أنه مايزال تابعًا بكل سيادته المفترضة إلى دولة الاحتلال الروسي، تاركًا قوت الشعب السوري بدون أي حل جذري، ضمن حالة العجز والفوات التي أوصل إليها الوطن السوري واقتصاده ومعيشة أبنائه، فقد راحت ظاهرة التململ تمتد وتتحرك إلى أماكن ضمن حاضنته التي كانت في الساحل السوري، وبدأت مظاهر يبدو أنها أصبحت مقلقة للنظام، تتمظهر هنا وهناك، معلنة أنه قد بلغ السيل الذبى ولم يعد بالإمكان الصمت أو الصبر على أفعال سياسات القمع والنهب الأسديين، حيث أوصل البلاد والعباد إلى مالم يتوقعه أحد، حتى جاوز خط الفقر التسعين بالمئة، وانزاح المجتمع السوري إلى أن يصبح مجتمع الفقراء والمعوزين، وهو الذي كان مكتفٍ بأمنه الغذاىي على الأقل، قبل سنوات ليست بالبعيدة من العسف الأسدي، وخطف الوطن السوري بكل مافيه، من قبل تلك العصابة ودولته الأمنية الاستبدادية.
لم يعد الحال يسمح بما يمكن السكوت عنه وعليه، ولم يعد يُكتفى بمقولة (الصمت موقف)، فانطلقت العديد من البؤر والتجليات المجتمعية الوطنية، تعلن عن نفسها في الساحل السوري، فتبعتها سياسات القمع وراحت الاعتقالات المخابراتية السورية عبر أجهزته التشبيحية، تطال الشريحة أو النسق المجتمعي الذي يفترض أنه مابقي من الحاضنة الأساسية والمقربة من نظام بشار الأسد.
كما عادت حراكات كبرى وعلى مساحة الجغرافيا السورية بقضها وقضيضها، تنتفض في محافظات السويداء ودرعا ومحافظات سورية أخرى، وصدحت الأصوات الشعبية المقهورة بحناجرها الطاهرة ومعبرة عن قوى مجتمعية وسياسية ناهضة، ورافضة لما يجري، من قبل نظام الاستلاب والهدر الأسدي، ويبدو أن توسع امتدادها إلى ماهو اكثر من محافظة، وكبر مساحة بقعة الزيت، قد أقلق المستبد المتربع في حي المهاجرين بدمشق، مماجعله يطلق زبانيته ضمن حملة إعلامية مسعورة لتشويه سمعة كل من تحرك او يتحرك في محافظة السويداء وغيرها، لشيطنته إن استطاعوا ذلك، ثم تخوين الناس الذين خرحوا كنتيجة طبيعية لحالات وسياسات القهر والعسف، مع قلة الحيلة والعوز الاجتماعي والمعيشي، بل لعل من خرج من بوتقة القهر رغم خطورة ذلك، إنما خرج ليعبر في حراكه هذا المتجدد عن جملة هموم وآلام وآمال كل السوريين الذين ماانفكوا يحاولون الاشتغال الجدي، من أجل كنس الاستبداد وإعادة إنتاج مجتمع ودولة المواطنة، من خلال دستور عصري حديث، وناهض من جوانية المجتمع السوري، بكل ألوان الطيف السياسي والإجتماعي والأثني والطائفي.
ولو أردنا الغوص في ماهية الحراك المتجدد الآن في سورية، واحتمالات امتداده وتوسعه، ومن ثم إعادة إحياء ماهية جديدة ومختلفة لثورة الحرية والكرامة، فيمكن القول وبكل موضوعية أن الاحتمالات كلها ممكنة، وقابلة للتحقق، فيما لو كانت المسارات تتحرك وفق مايلي:
-لابد من وجود فرصة وتواصل بين جميع المكونات لربط الحالة المنتفضة فيما بينها، تهيئة لصناعة آليات جديدة، قد لاتكون متساوقة مع نفس آليات عمل التنسيقيات التي مضى زمانها ووقتها كما أعتقد.
– النقطة الأخرى أنه لابد من التأكيد هذه المرة على أهمية الاعتماد على الذاات، حتى لايكون القرار الوطني الثوري نائمًا في أي حضن خارجي مهما كان الخارج صادقًا وحليفًا .
– أهمية التأكيد على سلمية العمل الانتفاضي الحركي، ومنع أي احتمالات هنا أوهناك من أجل لي ذراع الحراك، وحرفه باتجاه العسكرة.
-القطيعة الكلية الوقتية مع كل الأيديولوجيات لأنها يمكن أن تعوق، ولا تنجز، تثبط الهمم ولا تدفع إلى الأمام. وهذه مسألة أساسية وضرورية.
ضمن هذه السياقات يمكن الحديث جديًا عن احتمالات ممكنة لإعادة إحياء وتجديد الحراك الوطني والشعبي المناهض للعسف والفاشيست الأسدي، وصولًا إلى إقامة دولة المواطنة الحقة، دولة القانون وسيادته، وبناء العقد الاجتماعي الوطني السوري بهويته الوطنية الجامعة الذي لا ولن يستثني أحدًا.
المصدر: صحيفة الوعي السوري