إحدى إيجابيات فوز الرئيس رجب طيب اردوغان أنه سيمنح الحالمين بفكرة «المهاجرين والأنصار» فرصة جديدة لليقظة، ولا أظنهم سيصحون، فمن لم يتعلم بعد كل هذه السنوات لا يبدو أنه سيتعلم لاحقا.
عندما جاءت الانتخابات التركية نسي العرب اللاجئون في تركيا وبالذات السوريون، كل ما واجهوه من تضييق عليهم، وعنصرية وصلت لهجمات جماعية على عشرات الأحياء السورية، وسياسات إبعاد ممنهج رحلت آلاف اللاجئين شهريا منذ 2015، تبدأ من سوري وضع كرسيه في الشارع فطرد الى الحدود ولا تنتهي بناشط يقدم عملا كوميديا فيكون مصيره السجن. وتناسوا سياسة حرس الحدود الذي يقابل كل طلب لجوء عبر الحدود بالرصاص، لا بالأحضان وعبارة «أنتم المهاجرون ونحن الأنصار» كما كانت تركيا في سنوات الثورة السورية الأولى. كل هذا تبخر، ومع ذلك ظلت حمى الايدولوجية الإسلاموية تعمل على الترويج لمصالح دولة حزب العدالة حتى وإن كانت على حساب مصالح أبناء شعوبنا!
لو كانت المعارضة التركية في الحكم اليوم ماذا سيقولون أمام حملة الترحيل هذه: «الله يرحم أيامك يا اردوغان»، «هذه الحكومة ترحلنا لأن حزب الشعب الجمهوري معاد للإسلام»، «العلمانيون في تركيا يريدون الانتقام من حزب العدالة الإسلامي»!
كانت المقولة الشهيرة، «على الأقل اردوغان أفضل من هذا العلوي الذي سيرحلنا فور استلامه الحكم». وبعد فوز حزب العدالة والتنمية شنت الحكومة أكبر حملة لترحيل السوريين، معظمهم يحمل بطاقة الحماية المؤقتة لكن وفق المعايير التركية التي لا تحميه من الترحيل إذا كان مسجلا في محافظة أخرى!
ولم يتوقف الأمر على السوريين بل وصل للمجنسين منهم. دعونا نستمع لكلام إحدى السيدات السوريات المنشور في موقع كوزال الشهير: «كلنا شايفين الوضع بتركيا كيف من سيء لأسوأ. بحياتي ما حطيت أوروبا كخيار للسفر لأنه الحمدلله قاعدين هون ومشين أمورنا لكن هلأ جديا مفكرة بالهجرة كرمال ولادي والعنصرية اللي عم تشوفها عينك عينك، أنا مجنسة بس بدي اطلع كهجرة لألمانيا، مو لجوء ما بدي أبدا من الصفر، مليت، بعد ما اسسنا واستقرينا بعدا نترك كل شي ونمشي»، لكم انت تتخيلوا ان السوري الحاصل على الجنسية التركية يفكر بالهجرة أيضا! كثير من السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية يقولون صراحة ان الفائدة الاهم للجنسية هو تقصير رحلة الهجرة لأوروبا لتنطلق من البوسنة أو كوسوفو (التي تسمح للأتراك بالدخول دون فيزا) بدلا من أن تبدأ الرحلة من اسطنبول.
سوري آخر حاصل على الجنسية يقول «السلام عليكم، أنا مجنس تركي ومع شهادة تمريض تركية، وماعم لاقي شغل، بالنسبة للهجرة تنصحوني فيها استفاد شي من شهادتي ولا روح ع أوروبا كلاجئ سوري، وياترا يجيني ضرر او يكشفوا انو مجنس تركي».
أما من لم يحصل على الجنسية التركية من السوريين فرحلته أصعب وأكثر خطرا كهذا الرجل: «يا جماعة أنا عم فكر اطلع بالبحر من مرمريس أو فتحية بلبلم أو جت بوت على جزيرة رودوس، حدا طلع بهاد الطريق من قبل وشو تنصحونا الله يكرمكن، أدمن اقبل المنشور ربي يجبر بخاطرك».
طبعا هناك عدد من السوريين الحاصلين على الجنسية التركية مستقر لكن بسبب نجاح أعمالهم وليس لمزايا الجنسية نفسها، فحتى اليوم يواجه الكثير من المجنسين تمييزا فاقعا يبدأ من معاملتهم كأجانب في البنوك الحكومية ولا ينتهي بالتمييز ضدهم في السفارات بحيث يضطر العربي المجنس تركيا للقدوم مع مترجم محلف وإن كان يجيد التركية بطلاقة كما حدث مع أحد الاصدقاء كان يعمل كمسؤول في مؤسسة تركية حكومية!
لغاية 2014 قدمت دولة حزب العدالة والتنمية خدمات استثنائية للاجئين العرب من سوريا والعراق وفتحت حدودها لهم، أفضل مما قدمته الدول العربية مجتمعة، وأصبحت أكبر مستقبل للاجئين في المنطقة. ورغم أنها تلقت مليارات الدولارات من أوروبا وبشكل رسمي مقابل رعايتها لـ «المهاجرين» فإن السياسات التركية كانت تراعي روابط العلاقة التاريخية ومنحت المؤمنين بنظرية تركيا «القوة الإسلامية الصاعدة» وقودا لأفكارهم، لكنها اليوم تحولت من أكبر مستقبل للاجئين الى أكبر دولة طاردة للاجئين المسلمين في العالم، بحيث وصلت أعداد المبعدين لسوريا نحو نصف مليون سوري حسب الأرقام الرسمية، التي تقدمهم طبعا تحت اسم «العودة الطوعية»!
كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي