ليست تغييرات دورية كما هو شائع بل نوعية ومهمة وكاشفة عما يجري في المؤسسة العسكرية. أصدر رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي الجديد هرتسي هاليفي سلسلة من التعيينات في توقيت بالغ الأهمية من حيث المهمات التي يقوم بها الجيش على جبهات متعددة، وفي ظل انتقادات عدة تتعرض لها القوات المسلحة في الوقت الراهن.
الجيش الإسرائيلي يواجه وللمرة الأولى في تاريخه منذ إنشاء الدولة العبرية أزمة حقيقية على مستوى القيادات العليا والوسطى، وهو ما سينعكس بالفعل على مهماته وأولوياته في الفترة الراهنة والمنتظرة، الأمر الذي قد يؤثر في استعداداته والقيام بالتدريبات والمناورات الدورية المقررة وفق خطته السنوية.
ملاحظات مباشرة
اعتاد كل رئيس أركان للجيش الإسرائيلي إجراء تغييرات مباشرة قبل توليه فعلياً مهماته، بالتنسيق مع وزير الدفاع ورجوعاً إلى قادة هيئة التشكيلات، في إشارة إلى أن القرارات الجديدة للتعيينات لم تقتصر على قرار رئيس الأركان، بخاصة أن مهمات وزير الدفاع الإسرائيلي قلصت بصورة كبيرة طوال الفترة الماضية نتيجة لاتفاقات الشراكة ودخول وزراء آخرين في مهمات جهازي الشرطة والأمن الداخلي والجيش.
بالتالي ظل موقع رئيس الأركان هو الأهم، خصوصاً أن قراراته العسكرية تمضي في سياقات استراتيجية، وبالتنسيق مع رئيس الوزراء وقيادات التشكيلات، وهو ما برز في المواجهات الأخيرة على جبهتي غزة والشمال، واحتمالات ذهاب إسرائيل إلى مواجهة على طول الحدود مع لبنان في الفترة المقبلة، ما لم يحسم ملف الحدود البرية على غرار ما تم بالنسبة إلى الحدود البحرية وفقاً لوساطة أميركية.
استمرار حال الانقسام الكبيرة في جميع قطاعات الجيش الإسرائيلي، وإبلاغ نحو 200 طيار من تشكيلات القوات الجوية قائد القوات بتجميد خدمة الاحتياط النشطة بهم، وهؤلاء يقودون عمليات مهمة في مسارح عمليات لها أولوية وفق خطة تطوير الجيش الإسرائيلي، وإبلاغ نحو 100 من ضباط الاحتياط في القوات الجوية قيادتهم بتجميد التطوع في خدمة الاحتياطي الروتينية وإعلان عدد كبير من قوات العمليات الخاصة المتعاقدين مع الجيش الإسرائيلي اعتزامهم إلغاء عقودهم الدائمة في حال إقرار التعديلات القضائية وإبلاغ 700 من قدامى المحاربين في لواء ناحال رسالة إلى رئيس الأركان بوقف الاعتداء على القضاء، كل ذلك سيؤثر في خطة عمل الجيش الدورية، بخاصة مع وجود حال من الرفض المعلن وغير المعلن لبعض القادة العسكريين عما يجري داخل الحكومة من انقسامات، ومنهم رئيس الأركان هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار، وقيادات عليا في الاستخبارات العسكرية “أمان”، وداخل مجمع الاستخبارات “الموساد”.
منظومة التغييرات
هذه التعيينات لا علاقة لها بالعمل على جبهة واحدة أو مهدد واحد، وجاءت في توقيت بالغ الخطورة بالنسبة إلى أمن إسرائيل، واستمرار توتر العلاقات مع الولايات المتحدة على رغم سفر رئيس الدولة، ولقائه بالكونغرس والرئيس جو بايدن، فعلى رغم اتصال نتنياهو وبايدن إلا أن الخلافات لا تزال كبيرة وممتدة، ولا تختص فقط بالتحفظ على برنامج الإصلاح القضائي وإنما تمتد إلى ملف إيران والاستيطان، وممارسات بعض الوزراء ومطالبة بايدن بإجراء تعديلات في برنامج الشراكة لمكونات الائتلاف الحاكم مما اعتبرته إسرائيل تدخلاً في الشأن الداخلي.
تعيينات شاملة
يلاحظ على التعيينات الجديدة أنها شاملة وامتدت إلى كل قطاعات الجيش الإسرائيلي بخاصة التشكيلات الرئيسة والممتدة، مما يعني أنها لم تقتصر على سلاح محدد، بل امتدت من الاستخبارات إلى المعلومات إلى سلاح الجو، ومروراً بقيادات الكتائب العاملة على طول مناطق الحدود مع مصر وغزة والأردن وفي الشمال.
التغييرات العسكرية ضمت أكثر من 20 قيادة عسكرية كبيرة في مختلف القطاعات وإعادة بناء التكليفات والمهمات من بعض الوحدات وإليها مع استحداث بعض المهمات التكتيكية والنوعية التي يمكن أن تكون على رأس الأولويات العاجلة للجيش الإسرائيلي في الفترة المقبلة، سواء مع خوض مواجهة جديدة مع حزب الله أو في قطاع غزة.
وكان التركيز في التعيينات على القوات البرية في المقام الأول، إذ عين العميد شايي كلابر رئيساً لأركان الذراع البرية في إشارة إلى اهتمام إسرائيل بالقوات البرية بعد سنوات من الإهمال لهذا السلاح، مما يفسر اهتمام تل أبيب بتطوير جار في القوات البرية وفق خطط يعمل عليها الجيش، ومنها خطط ماعوز وتيفن وجدعون وغيرها، وستنتهي هذه الخطط في 2024، أي أنها ستكون جاهزة للتطوير والعمل خلال أشهر عدة، واهتمام إسرائيل بالقوات البرية له دلالة في ظل التوقع باجتياحات في قطاع غزة، وفي مدن الضفة مثلما جرى في جنين ونابلس.
مهمات محددة
اهتم رئيس الأركان الجديد هرتسي هاليفي بإجراء تغييرات في قيادات تشكيل الجليل وقائد فرقة غزة وقائد تشكيل جيش 36 والتشكيل الناري 98 وقائد فرقة 210 وغيرها، أي أن التغيير في القيادات العاملة في الميدان التي تواجه فيها إسرائيل تهديدات حقيقية يمكن أن تمثل خطراً كبيراً على أمنها في الفترة المقبلة.
لوحظ أيضاً تغيير قائد تشكيل سيناء 252 وتشكيل بيزك 99 وهيئة قيادات التدريب، وهي هيئات فعالة وتعد رأس الحربة للتغييرات في الوحدات الرئيسة مع إجراء تعديلات في بعض المهمات خصوصاً بالنسبة إلى مهددات المناطق الحدودية مع دول الجوار الإقليمي، وفي إشارة إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد تطويراً في طبيعة المواجهات مما يتطلب إجراءات عاجلة بخاصة، أن التغييرات في المهمات امتدت إلى بعض القيادات التي تتولى إدارة القواعد العسكرية، ومنها قاعدة البالماشيم الجوية والمعروفة باسم بـ”أيه 30″، وقاعدة حتري الجوية والمعروفة بـ”أيه 6″، وهو ما قد يؤكد على أن هناك أولويات ستكون محل اعتبار بخاصة مع خطة الجيش الإسرائيلي في تعزيز مهماته، والتحول إلى جيش ذكي قوامه 100 ألف مقاتل، والاعتماد على أحدث أنماط المواجهات والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، وثبت أخيراً أن إسرائيل وظفته في المواجهات الأخيرة في مسارح عمليات لم يكشف عنها لجيش الإسرائيلي بعد، وإن كانت تندرج في إطار تحديث بنية الجيش الإسرائيلي بالفعل.
امتدت التعيينات لتشمل أجهزة الاستخبارات بتعيين قيادة عليا لم يكشف عن اسمها لتولي قطاع الاستخبارات بالكامل، كما تولت قيادات منها مانيي ليبرتي قسم المعلومات والبيانات في الاستخبارات، وكذلك المقدم عمر كوهين رئاسة الاتصالات وتقنية المعلومات، وهو ما يؤكد اتساع التغييرات لجميع قطاعات العمل العسكري بخاصة في مجال الاختراقات الاستخبارية.
وما لم يذكر بالتفاصيل التعيينات الموازية لبعض القيادات للعمل في سلك الملحقين العسكريين وباستثناء إعلان تولي الجنرال شارون ايتاش العمل في المغرب لم يشر إلى تعيينات في دول عربية أخرى، أو في نطاق الخارج لاعتبارات متعلقة بأن الملحقين الإسرائيليين والقادمين من مؤسسات الجيش والأمن والاستخبارات يعملون تحت سواتر مختلفة ومهمات داخل السفارات والقنصليات الإسرائيلية، ولا يكشف عن مهماتهم حفاظاً على حياتهم، ويعملون كدبلوماسيين في الواجهة العلنية، وامتدت بعض التعيينات إلى المؤسسة الدينية، إذ مددت ولاية كبير الحاخامات العسكري ايال كريم لمدة عامين، إضافة إلى تغييرات تمت في بعض قطاعات المؤسسة الدينية من المنتمين أصلاً إلى الجيش في مختلف أسلحته النوعية والمتخصصة.
الخلاصات الأخيرة
من الواضح أن هذه التعيينات الجديدة ستعيد كثيراً من الأمور في إطارها الطبيعي، وهي ليست تغييرات دورية كما هو شائع في الجيش الإسرائيلي، بل تعيينات نوعية ومهمة وكاشفة عما يجري في المؤسسة العسكرية، ومسعاها إلى إعادة تأكيد نفسها في الساحة السياسية في ظل استمرار حال عدم الاستقرار والتخوف من امتداد الاحتجاجات إلى الجيش الإسرائيلي، واستمرار بعض التذمر داخل وحدات الجيش على استمرار برنامج الإصلاح القضائي مما يخشى معه من حال الفوضى التي تدفع الجيش إلى التدخل وحسم الأمر، بخاصة أن التعيينات الجديدة كبيرة ومتسعة وشاملة وضمت قيادات جديدة تبحث عن حضورها العسكري في الفترة المقبلة، مما قد يؤدي إلى مزيد من المواجهات لاستعادة الهيبة الكبيرة لقيادات الجيش، إذ يريد رئيس الأركان هرتسي هاليفي بتاريخه العسكري الكبير في عالم الاستخبارات أن يؤكد حضوره مجدداً كرئيس أركان قوي في ظل توقيت بالغ الخطورة تعيشه إسرائيل في الداخل وفي محيطها الإقليمي.
المصدر: اندبندنت عربية