عن دار البلد صدرت رواية د عماد قريشة جسد في الشرق. وهي العمل الأول الذي اقرؤه له. تعتمد الرواية أسلوب الخطف خلفا حيث يبدأ د أحمد الشخصية المحورية في الرواية التحدث عن نفسه مسترجعا ذكرياته قبل أكثر من ثلاثة عقود. تعتمد الرواية أسلوب المتكلم واحيانا بلسان الراوي .
تبدأ الرواية عندما يعيد د أحمد نبش ذاكرته قبل عقود ويتذكر ابنته مريم التي افتقدها طفلة ذات الثلاث سنوات. حيث تم صدم سيارته في دمشق وترجل مسلحين إليه فضربوه وأخرجوه و زوجته من السيارة وسرقوها . كانت ابنته الصغيرة مريم في المقعد الخلفي للسيارة. اختفت السيارة ومعها ابنته مريم…
د احمد ابن دمشق كان قبل عقود قد دخل كلية الطب في دمشق دارسا. وهناك وبعد وقت تعرف على زميلة له احبها واحبته، انها مريم. هو مسلم وهي مسيحية. بمقدار ما كان حبهما ينمو كان املهما بالاقتران ببعضهما يضمحل. فهو لا يمكن أن يغير دينه غير مقبول ذلك اجتماعيا ولا عائليا. وهي كذلك بالمقابل. لذلك افترقا وفي قلبهما غصة لا يمكن تجاوزها.
الحياة مستمرة تزوج أحمد بعد مضي وقت سمّا ابنته الأولى مريم ليحافظ على وفائه لمريم الحبيبة. وفوق ذلك صنع لها قلادة خاصة مميزة يحمل اسمها وجعلها تعليقتها الدائمة كأيقونة تحميها. ومرت الايام وبعد ثلاث سنوات تقريبا ، هاجم مسلحين اثنين سيارة د احمد وزوجته ضربوه واخرجو زوجته من السيارة وخطفوها كانت مريم في المقعد الخلفي للسيارة…
خطف السيارة سامي وشريكه الرجل الدمشقي أيضا الذي يعمل مهربا للمخدرات، كان مسيحيا. وبعد سنوات من زواجه أخبره طبيبه انه عقيم. استسلم هو وزوجته لقدره. توسع في تهريب المخدرات لحسابه حتى أصبح ثريا. لكن الأمن علم به ووصل إليه وطارده ليقبض عليه. هرب من الأمن وصدم سيارة د أحمد وخطف السيارة، وبعد وقت ادرك ان في المقعد الخلفي للسيارة طفلة، انها مريم، كانت اعطية السماء له اعتبرها وزوجته ابنته، سجلها على اسمه رسميا. وأصدر جواز سفر لها وهرب هو وهي وزوجته الى نيجيريا. احتفظ بأوراق السيارة وملكيتها ل د احمد وكذلك بالقلادة لتعرف مريم في مستقبل أيامها من هي ومن هم أهلها…
كبرت مريم في نيجيريا وعاشت حياتها وأصبحت شابة ثرية حيث ترك سامي والدها الجديد العمل في الممنوعات واصبح له مشاريعه الضخمة واصبحت مريم وريثه الوحيد… كبر سامي بالعمر وتوفيت زوجته وأصيب هو بالمرض، أصبحت أيامه معدودة، لذلك قرر أن يوضح الحقيقة لمريم وان لها أهلا هناك في دمشق. نقل لها كل ما يملك سلمها القلادة وأوراق سيارة والدها وانها ان ارادت ان تعود لأهلها بعد موته فهذا حقها…
د أحمد تابع حياته طبيبا في دمشق وانجب اولادا اخرين وبقيت غصة خسارته لحبيبته مريم وفقدانه ابنته مريم اللطخة السوداء في حياته. وبعد ثلاثة عقود وبعد أن عرفت مريم حقيقة وضعها عادت لدمشق لتلتقي والدها وامها واخوتها…
عادت مريم المسيحية حيث عاشت حياتها ابنة سامي المسيحية. ومعها حبيبها نادر المسيحي ايضا. لقد عادت محنة حياة د احمد امام عينيه مجسدة بابنته مريم. هل يعيدها لدين اهلها، ام يتركها على دين من تبنّاها ورعاها، ويفصلها عن حبيبها. هنا أصلح د احمد خطأ الماضي ومنع أن يؤدي اختلاف المعتقد الى تفريق الاحباب. وتركها تعود مع حبيبها الى نيجيريا حيث عملها وشركتها. لتتزوجه وتبني مستقبلها..
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها اقول:
اننا امام رواية تطرح مشكلة اجتماعية قديمة متجددة ودائمة… انها الاختلاف الديني والطائفي والمذهبي والاثني وحتى المناطقي المجتمعي. الذي يصنع حدودا تمنع إمكان التزاوج والتعايش الإيجابي بين المكونات، أنه يطالب – ضمنا – بقوانين تحمي هذه المشاعر وقدرتها على التزاوج بغض النظر عن الدين أو المذهب… يعني الوصول إلى الزواج المدني بالقانون. لكن المشكلة الحقيقية ليست بسن القوانين بل بالبنية المجتمعية نفسها – مع الاسف – فالمجتمع نفسه لم يصل لمرحلة قبول التزاوج من متنوعي الأديان وحتى الطوائف والمذاهب. إلى درجة المحاربة الاجتماعية. بدء من التنكر الاجتماعي وحتى القتل أحيانا. وهذا يعني اننا بحاجة الى تنوير وتوعية و أن الأصل إنسانية الإنسان وانتصاره للخير والعدل والحرية والمساواة وحرية الاعتقاد، وأن كل الاعتقادات تؤدي للخير عند من يتمسك بجوهرها. وان الاسرة يجب ان تبنى على الحب والعقل والوعي والتكافؤ وان اختلاف اعتقاد المتزوجين لا يؤدي بالضرورة للفشل…
اراد الكاتب القول ان الاقدار للبشر مقدرة ومقسومة في الحياة سلفا. ويزيد عليها العوائق الاجتماعية دين ومذهب وطائفة وعرق ومنطقة سكن… الخ. التي صنعها المجتمع. رغم أن الإنسان عندما يلتقي بالآخر خاصة فيما يتعلق بالحب يجد نفسه مندفعا للآخر بانجذاب إنساني بغض النظر و رغما عن كل العوائق المجتمعية المفروضة…
نعم مطلب مهم لكنه صعب التحقق إلّا على المدى البعيد. لأن البنية المجتمعية ما زالت تقتات على التمايز الديني والطائفي والمذهبي. وتقوي حضورها ومكتسباتها من خلال هذه البنى المترسخة في مجتمعنا منذ مئات السنين…
نعم الحل هو بناء الإنسان الجديد في المجتمع الجديد القائم على الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص والديمقراطية والمواطنة وعند ذلك نبدأ بالسير مسيرة الألف ميل لتحقيق هذا المطلب العزيز.
وهكذا تكون الجملة الأخيرة في الرواية :
كلنا بشر…بمعنى نبدأ من توحدنا بالانسانية قبل كل فوارق واختلافات ستحصل للبشر في اي زمان واي مكان…كلنا بشر. من هنا نبدأ…