يبدو أن سياسات الخطوة خطوة التي تنتهجها الدول العربية تجاه نظام الأسد، لن تنتج أكثر من مسار كثير التعثر بخطوات عربية كسيحة صوب خلاص السوريين من آلامهم، مقابل خطوات قافزة مملوءة بالشوق واللهفة لملاقاة نظام الأسد.
ومقابل لا وعود، سوى ما وعد العرب به أنفسهم من إمكانية إعادة مئات اللاجئين كاختبار فعلي، وتعاون بشأن تهريب المخدرات لا يزال في علم الغيب، يمنح العرب للأسد تجديد الشرعية؛ التي إن وجدت في يوم ما، فإن الأسد أسقطها باستدعاء القوى الخارجية لذبح السوريين، كما يُعطونه فرصة لتبيض سجله الإجرامي على حساب مئات آلاف الضحايا الذين ما زال دمهم طازجا، وما زالت المذبحة بحقهم جارية عبر قصف مناطق شمال سوريا، وقتل المدنيين واعتقال السوريين وإخفائهم..
المفارقة، أن الأطراف العربية تتعاطى مع سوريا “الدولة” بوصفها طرفا مهزوما، تكشف عن ذلك البيانين الصادرين عن اجتماعات عمّان وجدّة، اللذين تأسس عليهما قرار إعادة نظام الأسد للجامعة العربية، فالبيانان يؤكدان في جوهرهما، أن الأطراف العربية في مسعاها للانفتاح على سوريا “الدولة”، فإنها تحاول إنقاذها من الأوضاع التي آلت إليها؛ من دمار وخراب واحتمالات تقسيم تلوح في الأفق، فضلا عن انتشار المخدرات والجريمة، ومستقبلا قد تحتاج هذه الـ”سوريا” إلى مشروع مارشال لإعادة إعمارها.
الأطراف العربية في مسعاها للانفتاح على سوريا “الدولة”، فإنها تحاول إنقاذها من الأوضاع التي آلت إليها؛ من دمار وخراب واحتمالات تقسيم تلوح في الأفق، فضلا عن انتشار المخدرات والجريمة، ومستقبلا قد تحتاج هذه الـ”سوريا” إلى مشروع مارشال لإعادة إعمارها.
وعمليا، تشكّل هده النظرة غطاء للتحرك العربي، سواء للرأي العام الداخلي، أو عبر تصديرها للعالم الخارجي الرافض إعادة إدماج سوريا في محيطها العربي بدون تطبيق الحل السياسي. ووفق هذه النظرية، فإن سوريا المهزومة ملزمة بقبول الشروط (الطلبات) العربية، ذلك أن الهزيمة لا تتمثل بعجز الدولة السورية عن عبور أزمة الدمار والنهوض مجدّدا، ولكنها هزيمة للنخب السورية، وفي مقدمتها النظام، التي فشلت في إدارة الأزمة، ولا بد من وضع خارطة طريق تلتزم بها للعودة إلى طريق الصواب والرشد.
والمفارقة أيضا، أن النظام الذي يعلن عبر وسائل إعلامه انتصاره على المؤامرة، بمشاركة حلف الممانعة، يقبل التعامل العربي معه بهذه الرؤية، حتى حضور بشار الأسد للقمة جاء ضمن هذه الرؤية، دع عنك خطاب الأحضان الذي ألقاه الأسد في قاعة مؤتمر القمة، فإن لهفته لمصافحة أي رئيس يقبل بمد يده له، تشي بحجم الدونية التي يشعر بها وإدراكه للنظرة العربية، صحيح أنه يتقاسم مع أقرانه العرب النهج الاستبدادي، لكنه يختلف عنهم من حيث الوزن، إذ لا يتعدى أن يكون عميلا صغيرا لإيران أو تابعا محليا لبوتين.
لماذا يوافق نظام الأسد على هذا الشكل من المعاملة والصيغ التي تظهر بها؟ الجواب بسيط جدا، هو أن الأطراف العربية أسقطت من مطالباتها وشروطها كل ما له علاقة بالتأثير على تركيبة النظام، بمعنى أن مطالبها تزيح عن المنهجية التي وضعها القرار 2254 التي تؤكد حصول عملية تغيير سياسي عبر عملية انتقالية، والأطراف العربية حينما تورد في بياناتها هذا القرار، فهي تتعامل معه بشكل انتقائي، أو أنها ترجئ تنفيذ مندرجاته بخصوص الانتقال السياسي إلى مراحل بعيدة، حينها يكون الزمن قد طوى المسألة السورية برمتها.
على الأطراف العربية أن تحدّد طبيعة الحرب في سوريا، قبل أن تطالب ببسط سيطرة “مؤسام السوري ع كامل الأراضي السورية، هل هي حرب أهلية؟ إذا كانت كذلك، فهناك طرفان يتوجب تانتصر فيها طرف على آخر! أم هي حرب ضد الإرهاب، ووفق ذلك يإرهاب
فمثلا، يطالب بيان القمة العربية التي انعقدت في جدة بخروج القوى غير الشرعية من الأراضي السورية، وهو بهذا يتبع تعريف النظام للشرعي وغير الشرعي، صحيح أنه يأتي في إطار التعامل العربي مع سوريا كطرف مهزوم، لكن مثل هذه المطالبة كان يجب أن تحصل بعد التوصل إلى تفاهم سياسي بين الأطراف السورية على هذا الأمر، إذ ليس من المنطقي المطالبة بإخراج الأطراف الداعمة للمعارضة بذريعة أنها غير شرعية؛ لأن النظام لم يطلب تدخلها، والإبقاء على القوات الروسية وكل أشكال فصائل إيران تنكل بالشعب السوري في حرب ثأرية معلنة لمقتل الحسين.
ثم على الأطراف العربية أن تحدّد طبيعة الحرب في سوريا، قبل أن تطالب ببسط سيطرة “مؤسسات” النظام السوري على كامل الأراضي السورية، هل هي حرب أهلية؟ إذا كانت كذلك، فهناك طرفان يتوجب توافقهما أولا، خاصة أن أذرع وأدوات النظام السياسية والإعلامية والأمنية والعسكرية تتعامل بالفعل معها على أنها حرب أهلية، انتصر فيها طرف على آخر! أم هي حرب ضد الإرهاب، ووفق ذلك يجب تحديد الجهات الإرهابية؟ فالبيانات العربية غامضة وتعطي الفرصة للنظام كي يقول إن الجهات الإرهابية هي كل من يعارضه.
في الاجتماعات العربية، يتم التعامل مع سوريا بوصفها دولة مهزومة، لكن الشعب السويتحمل عبء الهزيمة، أما النظام فقد ظهر وكأنه وسيط محايد بين السوريين والعرب، مهمته تسهيل الحوار بين الطرفين، بعد أن نجح في تحويل سوريا إلى مشكلة عربية.
من حيث الشكل، تتعامل الدول العربية مع الملف السوري بروح الوصاية، لكن مضمون ممارساتها يشي بتمييز واضح وجليّ بين أطراف المعادلة، ففي حين يتم استرضاء النظام إلى أبعد الحدود، بذريعة أنهم يرشّون له القمبز كي يدخل في اللعبة، يجري تهميش الشعب السوري إلى أبعد الحدود، وقد كشف بيان عمّان أن ما يهم الدول العربية من الملف السوري ثلاث قضايا محددة: التخلص من عبء اللاجئين، وإقناع نظام الأسد بالتوقف عن تجارة المخدرات، وإبعاد المليشيات الإيرانية عن الحدود العربية.
المصدر: عربي 21