من المرجح أن تغييرًا قادمًا في سورية، تتعزز القناعة بقربه عبر القراءة الموضوعية للواقع، والأحداث المستجدة، في الصراع الإقليمي والدولي على سورية، وليس التسريبات السخيفة، من هذا وذاك، وقوائم الأسماء وبورصة الترشيحات، التي يزعم مروجوها أنها من مصادر موثوقة، وهذا التغيير، من شبه المؤكد، أنه لن يساوي أو يوازي حجم طموحات السوريين، وآمالهم وتضحياتهم، لأجل تحقيق انتقال ديمقراطي ينهي عقودًا طويلة من الاستبداد والطغيان والفساد.
في مطلق الأحوال، تدويل القضية السورية يضع أطر حلها في هذا السياق، وهو ما يعني أنها بانتظار توافقات عديدة، بدءاً من مصير الأسد وشكل الدولة القادمة، وصولًا إلى المرحلة الانتقالية وشخوصها، مرورًا بالعدالة الانتقالية وكتابة دستور عصري يحفظ الحقوق والحريات.
إحدى المعضلات الكبرى في هذا التغيير المرتقب، بصيغة ما، غياب قوى وطنية سياسية، وشخصيات مرموقة، جذرية في مواقفها وتمتلك رؤية وطنية ثاقبة، تقود وتتابع نضال الشعب السوري لتعزيز مكتسباته السياسية، البسيطة والجزئية، التي سيحصلها، وصولًا للأهداف الكبرى في تحقيق مجتمع ودولة المساواة والقانون والعدالة، وهو الأمر الذي يعطي الحد الأدنى من الآمال بطي حقبة أنهكت الجميع، وبداية مرحلة من الاستقرار النسبي تتطلب أدوات عمل ونضال وطنية مختلفة، في رحلة السوريين الطويلة نحو الاستقلال وإعادة البناء وعودة المهجرين وتضميد جراحهم النازفة.
كلنا يعلم حالة الفراغ التي يعيشها المجتمع السوري في هذا الجانب، فالقوى التقليدية التي ناضلت وضحت وقدمت الكثير، مع كل التقدير والاحترام لها ولدورها في أسوأ مراحل الاستبداد الماضية، فقدت رصيدها التاريخي في ظل الواقع المعاش، والمتغيرات العالمية، التي لم تستطع مواكبتها، لا سياسيًا ولا ثقافيًا، وانقطعت جذورها الشعبية بعدم قدرتها على الوصول للأجيال الجديدة والشابة، وتجديد دمائها وفكرها، كما أن مئات، وليس العشرات، من تجارب السوريين ومحاولاتهم في السنوات الماضية، بعد انطلاق الثورة المباركة، التجمع والانتظام في تشكيلات سياسية ومدنية انتهت بالفشل، وبعضها إلى تشظي وعداوات خصمت من رصيد من وقف وراء فكرتها وبرامجها، وطموحات أصحابها، المشروعة، في أن تأخذ لها حيزًا في الفراغ السوري، وأن تشكل رافعة وطنية نحن في أمس الحاجة إليها.
لا ننطلق في هذا التوصيف من موقع اليائس أو المتشائم، ولكنه الواقع بدون رتوش أو تجميل، مهما حاولنا ترقيعه، وهو ما يرتب على النخبة السورية أدوارًا ومهامًا عاجلة ومستحقة، لا يفيد معها الحديث عن فشل النخبة وتعثرها، التي يذهب البعض إلى حد تحميلها مسؤولية فواجعنا وخيباتنا المتراكمة.
كثيرة هي الأسباب التي يمكن أن تعزى لها أسباب الفراغ الحاصل، من تصحر المجتمع السوري ومنع السياسة عنه، وصولاً إلى البنية التقليدية لمجتمع يرى في العمل السياسي رجسًا ودوافعه طموحات سلطوية، مرورًا بشخصية الإنسان السوري الفردية ونزعاته الأناوية، في العمل الجماعي ومستلزماته، وما يترتب عليه من مقتضيات.
أيضًا، وبصراحة شديدة، ما هو طاف على السطح من مؤسسات معارضة، تتصرف باسم الشعب السوري، ومن المرجح أن يكون لها نصيب من السلطة والدور في المستقبل، هزيلة وضعيفة، وبنيتها خربة وعفنة، مهما حاولت أن تتجمل، كما تفعل الآن بتوسيع أطرها، وإضافة مكونات لها، فهي فاقدة المصداقية ولم تعد تحظى بالاحترام لدى عموم الشعب السوري الذي يحملها، مع النظام، مآلات الحالة الراهنة.
إن التغيير المرتقب في ظل غياب مجتمع مدني قوي، من أحزاب ومنظمات وجمعيات، وفي ظل حالة الانقسام المجتمعي، أفقيًا وعموديًا، سيضعف من إمكانية تحقيق نتائج مرجوة في عبور مرحلة تاريخية شديدة القتامة، وربما تكرس حالة من التيه والضياع، تستفرد بها قوى غير وطنية، تقود إلى محاصصات طائفية ومذهبية، ونوع من الفوضى تكرس سورية بلدًا فاشلًا لعقود قادمة.
الحاجة ماسة لحث الخطى باتجاه تشكيلات وطنية تجاوزًا للفراغ القائم، وعملًا بمقتضيات المستقبل الذي يبدو غير واضح تمامًا، ويحمل معه مخاطر جمة، وترسمه من آل إليهم مصيرنا كسوريين، للأسف وبألم شديدين.
المصدر: إشراق