أبدت الولايات المتحدة عدم رضاها عبر تصريحات عدة عن التقارب العربي مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، لا سيما قرار إعادة دمشق لمقعدها في جامعة الدول العربية أخيراً، لكنها اكتفت بمطالبة الدول التي انخرطت بالتطبيع معه بالضغط عليه لتطبيق الحل وفق قرارات الأمم المتحدة.
في المقابل، اختار نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن، يتخذون موقفاً حازماً من الأسد، الذهاب للتشريع كخطوة تلزم الإدارة الأميركية قانونياً بممارسة الضغوط وتوظيف أدواتها، وذلك من خلال اقتراح قانون يمنع التطبيع مع النظام، كما فعلوا قبل ذلك عندما أنجزوا بعد جهد “قانون الكبتاغون” الذي وقعه الرئيس جو بايدن في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على أن يدخل حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران المقبل.
وقدمت مجموعة مشرعين أميركيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أول من أمس الخميس، مشروع قانون يستهدف منع الإدارة الأميركية من الاعتراف ببشار الأسد رئيساً لسورية، وتعزيز قدرة واشنطن على فرض عقوبات، في تحذير للدول التي تطبع العلاقات مع الأسد.
ويمنع مشروع القانون الحكومة الاتحادية الأميركية من الاعتراف بأي حكومة سورية بقيادة الأسد الذي يخضع لعقوبات أميركية، أو تطبيع العلاقات معها، كما يوسع “قانون قيصر” الأميركي الذي يفرض مجموعة عقوبات صارمة على سورية منذ 2020.
وذكر رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى، النائب الجمهوري جو ويلسون، في بيان، أن “الدول التي تختار التطبيع مع مرتكب القتل الجماعي من دون ندم وتاجر المخدرات بشار الأسد تسير في الاتجاه الخطأ”.
وقدم ويلسون مشروع القانون مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الجمهوري مايكل ماكول، وأيضاً مع النائبين، الجمهوري فرينش هيل، والديمقراطي بريندان بويل، اللذين يشاركان في رئاسة تكتل “سورية حرة، وديمقراطية، ومستقرة”، مع نواب آخرين.
وقال موظف كبير في الكونغرس عمل على مشروع القانون لـ”رويترز”، إن مشروع القانون تحذير لتركيا ودول عربية من مواجهة عواقب وخيمة إذا تفاعلت مع حكومة الأسد. وأضاف أن “إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية أثارت حفيظة أعضاء الكونغرس، وكشفت الحاجة إلى ضرورة التحرك بسرعة لإرسال إشارة”. ولفت إلى أن وزارة الخارجية استُشيرت في صياغة مشروع القانون.
وعملت جماعات الضغط السورية في واشنطن، لا سيما “التحالف السوري – الأميركي لأجل سورية”، الذي يضم منظمات سورية ـ أميركية ويقودها سوريون مقيمون في واشنطن، على صياغة بنود القانون مع المشرعين الأميركيين وكتل في الحزبين الجمهوري والديمقراطي قبل التوصل إلى مسودته الأخيرة.
وأصدر التحالف بياناً يحوي أبرز المحاور التي ستندرج تحتها بنود القانون، الذي جاء تحت مسمى “قانون محاربة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023″، مشيراً إلى أنه الأقوى والأضخم والأهمّ من نوعه منذ إجازة “قانون قيصر” في نهاية عام 2019 وبمفاعيل بالغة الأهمية للوضع السوري والعربي والدولي.
المشروع الأميركي لحظر التطبيع مع الأسد
وجاء في مشروع القانون أن سياسة الولايات المتحدة لا تعترف أو تُطبّع علاقاتها مع أي حكومة لسورية يرأسها بشار الأسد، وأن من سياسة الولايات المتحدة أن تُعارض حكومتها اعتراف وتطبيع علاقات الدول الأخرى أيضاً مع أي حكومة سورية يرأسها بشار الأسد معارضة فاعلة ونشطة، بما في ذلك عن طريق تطبيق العقوبات الإلزامية الأولية والثانوية المنصوص عليها في قانون قيصر بحقّ المخالفين، وأن تستخدم واشنطن كافة الصلاحيات بموجب “قانون قيصر” وغيره من القوانين الأميركية لردع نشاطات إعادة الإعمار في المناطق التي تخضع لسيطرة بشار الأسد.
ونص المشروع أيضاً على أن على وزير الخارجية الأميركي، بالتشاور مع وزير الخزانة، ومدير هيئة مكافحة المخدرات الأميركية، ورؤساء الوزارات والوكالات الأميركية خلال فترة لا تتجاوز الـ180 يوماً من تاريخ إقرار هذا القانون، وسنوياً بعدها لمدة خمس سنين، أن يقدم تقريراً واستراتيجية مشتركة إلى اللجان المختصة في الكونغرس، يصف فيهما الأفعال التي اتخذتها الدول الأخرى، أو التي تُعدّ لاتخاذها، للتطبيع، أو الاتصال، أو رفع سوية العلاقات الدبلوماسية، أو السياسية، أو الاقتصادية مع النظام. كما نصّ على أنه على التقرير أن يتضمن لائحة بالانتهاكات والجرائم التي يرتكبها النظام وروسيا وإيران بحق السوريين.
كما يجب، وفق مشروع القانون، أن يتضمن التقرير أيضاً لائحة كاملة بجميع الاجتماعات الدبلوماسية على مستوى سفير وما فوق بين النظام وأي ممثل عن حكومات الإمارات، والبحرين، والسعودية، وتركيا وغيرها، بالإضافة لضبط ومراقبة وصول المساعدات الأممية والدولية إلى مناطق سيطرة النظام لضمان عدم سرقتها أو التلاعب بها.
وحول هذه التطورات، اعتبر محمد علاء غانم، المسؤول عن التخطيط السياسي في “المجلس السوري ــ الأميركي” و”التحالف الأميركي لأجل سورية”، أنهم في التحالف والمجلس والمنظمات الأخرى يعملون على هذا القانون منذ حوالي خمسة أشهر حتى الوصول بالتشاور مع جهات عدة لا سيما الكتل في الكونغرس لمسودة واضحة.
وأضاف غانم في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “مسودة القانون التي رأت النور يوم الخميس الماضي، جاءت بتوافق من نواب الحزبين وهذا شيء مهم لتمريرها”، مشيراً إلى أن البنود التي يتضمنها القانون “صارمة وشاملة ومعتبرة”، وأن من أهمها القسم الأول المتعلق بحظر التطبيع مع النظام، ليس فقط من قبل الولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة ستراقب من خلال أي إدارة، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، عمليات التطبيع الإقليمية مع النظام ومكافحتها.
وأوضح غانم أن القانون سيتيح تعديل “قانون قيصر” لزيادة مفاعيل عقوباته على الأفراد والكيانات التي تقدم أي مساعدة للنظام أو أحد أفراده. وأكد أن القانون يوجّه رسالة قوية من الحزبين، عبر قانون رسمي وليس بيانات أو تصريحات، باتجاه الدول التي طبّعت مع النظام أو تسعى للتطبيع، بأن قرارها ستترتب عليه عواقب وخيمة، وأنه لا يمكن حلّ الأزمة السورية إلا بالتقاء السوريين على مشروع مشترك، بعيداً عن دور النظام وبشار الأسد في مستقبل البلاد، وأن فرض الأسد كأمر واقع هو أمر مرفوض لا رجعة فيه.
وحول ما إذا كان مشروع القانون مستقلاً، أو سيرتبط بأي قانون أي أو إجراء تشريعي آخر في الولايات المتحدة، على سبيل المثال “قانون قيصر” الذي تم ربطه بميزانية وزارة الدفاع لتمريره، قال غانم إن القانون مستقل، ويحظى بدعم واهتمام كبيرين يجعلان التفاؤل كبيراً لتمريره كقانون مستقل، وحتى لو اضطر الأمر ربطه بميزانية أخرى فإن ذلك لن يغير مفاعيله. لكنه لفت إلى أن القانون الجديد سيزيد مفاعيل عقوبات “قانون قيصر” على الأفراد والكيانات التي تقدم أي مساعدة للنظام أو أحد أفراده.
ترحيب المعارضة السورية
من جهتها، رحبت المعارضة السورية بمشروع القانون، عبر “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، إذ قال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف عبد المجيد بركات: “نرحب بالمساعي الأميركية لإصدار قرار لمنع تطبيع الدول مع نظام الأسد وتوسعة قانون قيصر وعدم الاعتراف بأي حكومة يترأسها مجرم الحرب بشار الأسد، ونؤكد على أهمية إقرار القرار ليدخل حيز التنفيذ في أسرع وقت في ظل تسارع عمليات التطبيع وإعادة العلاقات مع نظام الأسد”.
وأضاف بركات في حديثٍ مع “العربي الجديد”: “بطبيعة الحال ندعم أي قرارات من شأنها أن تضغط على نظام الأسد وداعميه، وندعو الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود من أجل تفعيل المحاسبة وضمان عدم إفلات نظام الأسد من العقاب على جرائم الحرب العديدة التي ارتكبها بحق الشعب السوري”.
وتوصلت الجامعة العربية إلى قرار إنهاء تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية بالإجماع، وسبق ذلك حراك عربي لإعادة العلاقات الثنائية مع النظام أو الدخول بمسارات بمشاركته، معللة ذلك بضرورة التواصل مع دمشق لحل الأزمة السورية، غير أن هذه التحركات لم تحظَ برضى الغرب، الذي جعل العديد من الدول تبدي تحفظها عليه.
وعلاوة على “قانون قيصر”، الذي فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على النظام، والذي صدر في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، كان الرئيس جو بايدن قد وقع في ديسمبر الماضي، ميزانية وزارة الدفاع الأميركية لعام 2023 التي قدمها الكونغرس، وتضمّنت قانوناً لمحاربة الكبتاغون الذي يصنعه النظام السوري.
وجاء في القانون أن تجارة المخدرات المرتبطة بنظام الأسد تعتبر “تهديداً أمنياً عابراً”، ويطالب الوكالات الأميركية بوضع استراتيجية مكتوبة خلال مدة أقصاها 180 يوماً، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بنظام الأسد في سورية والدول المجاورة. ومن المقرر أن يدخل القانون حيز التنفيذ الفعلي في يونيو المقبل، بإجراءات قد يكون من بينها ضرب مصانع وطرق تهريب المخدرات بالوسائل العسكرية.
المصدر: العربي الجديد