أكّد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق أنّ الحل السياسي هو الوحيد للأزمة في سورية، كما جاء في بيان لقاء جدّة في ليلة يوم الجمعة، 14/4/2023. عُقِدت الجلسة لمناقشة عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وكان وزير خارجية النظام قد زار السعودية قبل يومين من الاجتماع، لمناقشة هذه القضية. ويقول الردّ العربي أعلاه، بوضوحٍ شديد: لا إمكانية لعودة حقيقية للنظام إلى الجامعة قبل الحل السياسي. وبدا هذا القول أنه جاء على خلفية موقفٍ مصريٍّ، أكّده وزير الخارجية سامح شكري، حينما زار نظيره السوري، فيصل المقداد، القاهرة، قبل أيام، حيث قال إن قرار مجلس الأمن 2254 هو أساس حلّ الأزمة في سورية وللتطبيع مع النظام. واستبقت تقارير صحافية اجتماع جدة، بالقول بوجود خمس دول عربية ترفض عودة النظام إلى الجامعة قبل الحل السياسي.
تترافق المواقف هذه مع رفضٍ أميركي وأوروبي للتطبيع الكامل مع النظام قبل تطبيق القرار 2254. وأيضاً، صدر عن روسيا وتركيا رفضاً لشروط وضعها النظام، قبل اللقاء الرباعي في موسكو في أول الشهر المقبل (مايو/ أيار). وبالتالي، كل أشكال التطبيع الأولي، مع النظام، ونقصد الإمارات والسعودية وتركيا والأردن ومصر بالتحديد، ليست في وارد التقدم فيها قبل الانتقال إلى الحلّ السياسي. المقصد هنا أنّ مواقف النظام المنطلقة من رؤية إيرانية، تهميش الحلّ السياسي، أو التأجيل فيه في سورية، ريثما تتغيّر المواقف الدولية، ويتضح أفق التقارب بين إيران والسعودية، ليس مدخلاً سليماً لعودة النظام إلى الجامعة، أو للتطبيع الكامل. هناك تقارير عن مفاوضات بين الأميركان ووفد من النظام السوري في عمّان، ويشترط وفد النظام إخراج القوات الأميركية، قبل إطلاق سراح معتقلين أميركيين في سجونه، وأيضاً رفضها الأميركان، وأكّدوا الحل السياسي مدخلاً للحلّ، ولخروج القوات الأميركية.
تقول المعلومات أعلاه إنّ النظام وصل إلى الحائط المسدود، ولن يُعوّم عربياً وإقليمياً، وربما فقط سيحقّق علاقات دبلوماسية أوليّة. كان بيان جدّة واضحاً للغاية، بأنّ الحلّ السياسي هو المدخل الوحيد لبقية الحلول؛ الاقتصادية، وعودة اللاجئين، ولإعادة الإعمار، وللتطبيع الكامل. .. إذاً، ما كرّرته أميركا وأوروبا والمعارضة السورية، ولسنوات طويلة، أعلنه لقاء جدّة بشكلٍ جماعيٍّ.
ماذا سيفعل النظام، وقد اقتربت إيران من السعودية؟ يتركّز مسار التقارب هذا في اليمن. والآن، أصبح بعد لقاء جدّة يقتضي التسارع به في سورية، فهل توافق إيران على الحل السياسي في سورية، وهل سيكون لقاء موسكو المقبل مناسبة لتدارس موضوع الحلّ السياسي، وليس فقط مسألة التطبيع بين تركيا والنظام؟ يبدو أن رفض تركيا شروط النظام، كما صرّح وزير خارجيتها، مولود جاووش أوغلو، أخيراً، يصبُّ في إطار أن الحل السياسي هو المدخل للتطبيع مع النظام، ولعودة اللاجئين، وربما لمناقشة كل مشكلات الوضع السوري، بما فيه الوجودان الإيراني والأميركي.
تأتي المواقف أعلاه بسياق جديد في المنطقة، يؤكّد ضرورة التوافق بين دولها على إدارة المشكلات، وتصفيرها كذلك، وهذا لا يمكن الوصول إليه، قبل المباشرة في الحلول السياسية في اليمن وسورية ولبنان وليبيا. لن تتراجع أجواء التقارب في المنطقة، وهي ضرورية بسبب أزمات الدول الإقليمية كذلك. وكما رَفضت تركيا اشتراطات النظام، لن يسير التطبيع مع الدول العربية من دون المباشرة في تحقيق بيان جدّة، وليس تدوير الزوايا واستهلاك الوقت في زيارات مكوكية لوفود النظام إلى عمّان والقاهرة والسعودية وأبوظبي وموسكو.
الآن، بغضّ النظر عن عودة النظام إلى جامعة الدول العربية في قمة الرياض، أو لا، فإن البند الأول في لقاء الجامعة، إن تمّت العودة، سيكون بخصوص الحل السياسي في سورية. النظام، الذي اعتقد أن الحل السياسي أصبح خلف ظهره، سيراه أمامه في أي اجتماع، كما يبدو، في الرياض أو موسكو وسواهما. تؤكّد القرارات الدولية، وأهمها القرار 2254، أن الحلّ السياسي هو المدخل للأزمة السورية، وهذا أكثر ما يخيف النظام، فهو غير قابل للإصلاح، وبنيته رفضت ذلك منذ 2011، ولكن السير بعلاقاتٍ قوية بين السعودية وإيران، وموسكو وأنقرة لا يمكنها الاستمرار بلقاءات أستانة مثلاً، أو تجاهل الحل السياسي، فهل اقترب هذا الحل؟
يستطيع النظام أن يتلكّأ، وأن تناور إيران في اليمن في الوقت الراهن. ولقاء جدّة إعلان عربي واضح، إلى كل من الصين وروسيا وأميركا وأوروبا وتركيا وإيران، أن لا إمكانية لتعويم النظام السوري قبل البدء بالحل السياسي. كان لقاء جدّة واضحاً بأن الأزمات السورية غير قابلة للحل قبل الحل السياسي. إذاً، انتهت أوهام النظام وإيران، أن السعودية والدول المجتمعة في جدّة قد تسعى لحل مشكلة اليمن أولاً، والبدء بعلاقات اقتصادية ودبلوماسية مع سورية، ولاحقاً العلاقات السياسية الكاملة. لا. هذا باب أُغلقَ. سوريّاً، صدرت بياناتٌ من الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة، ومن لجنة التفاوض، أصرّت على الحل السياسي، وكذلك خرجت مظاهراتٌ واسعة في “المحرّر” أكدت ذلك، ورفض التطبيع. والاستنتاج هنا أنّ هناك إصراراً تركياً، وعربياً، على أن لا تطبيع قبل ذلك الحل.
إذا كان النظام قادراً على الاستمرار بالتأجيل واللفّ والدوران من قبل، فإنّ التقارب الإيراني السعودي ونتائج لقاء جدّة، والرفض التركي للاشتراطات المسبقة، والإصرار الأميركي على عدم التطبيع قبل الحل السياسي، تقول له إنّه لا إمكانية للتعويم، والخيار الوحيد هو القرار 2254. فهل تعطي المعارضة السورية أهمية كبرى لهذه النتائج؛ البيانات السابقة، والمظاهرات تقول بصحّة هذه المواقف. والآن، هل تطوّر الدول العربية فكرتها عن الحلّ السياسي، وعن دورٍ قياديٍّ، وتضع آلياتٍ واضحة للدور القيادي هذا، وتوحّد الجهود من أجل الحلّ السياسي، وهو ما تضمنّه بيان جدّة؟
أصبحت اللقاءات التي كان يجريها النظام السوري مع هذه الدولة أو تلك تنطلق، مستقبلاً، مما ورد في لقاء جدّة إذاً. هذا يعني دفعة كبيرة إلى الأمام باتجاه حل المشكلة السورية. لم تعد خبرات النظام السوري في التأجيل في مصلحته، في ظل المتغيّرات الدولية والعربية والإقليمية، وهناك حاجة روسيا المأزومة في حربها بأوكرانيا إلى تركيا. وبالتالي، أصبحت خياراتُه ضيّقة للغاية، فهل يوضع الحلّ السياسي قريباً على طاولة التفاوض. هذا هو الأمل بالعمل.
المصدر: العربي الجديد