أثار رئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، زوبعة من الانتقادات والاتهامات الموجهة لقوى المعارضة السياسية، على خلفية التصريحات التي أدلى بها مؤخراً التي رحب فيها بالتقارب التركي مع النظام في سوريا، معتبراً أنها خطوة مهمة نحو حل سياسي للأزمة السورية.
وقال في تصريحات لموقع “TRT HABER” التركي، إن الحكومة المؤقتة رحبت بالاجتماع الثلاثي الذي عُقد في موسكو بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري، واعتبرته خطوة مهمة نحو الحل السياسي في سوريا.
واعتبر مصطفى في تصريحه، أن تركيا “تتصرف بما يتماشى مع توقعات الشعب السوري” معرباً عن اعتقاده بأن “عملية التقارب لن تسفر عن نتائج تخالف توقعات الشعب السوري والمعارضة السورية”. وأضاف: “بالنسبة للاجتماع الثلاثي في موسكو، فقد تم التأكيد لنا دائماً أن هذه المحادثات لن تتم أبداً بما يتجاوز توقعات الشعب السوري والمعارضة السورية. نحن نعلم هذا بالفعل، لذلك في الواقع نحاول التوصل إلى توافق، ونؤمن بالفعل بالحل السياسي”.
موجة غضب
وحذر من الخطر الذي تشكله التنظيمات الإرهابية ” شمال سوريا” والتي تهدف إلى تأسيس حكم كردي انفصالي، مشدداً على ضرورة حل هذه التنظيمات “عسكرياً أو دبلوماسياً” كما شدد على “دعم تركيا في محاربة الإرهاب”.
تصريحات رئيس الحكومة المؤقتة، أثارت موجة غضب واسعة بين السوريين، وشرعت الباب أمام موجة من التساؤلات حول قدرة الائتلاف على الاعتراض على المستجدات في الموقف التركي؟ وهل يمكن التقارب مع النظام السوري دون محاسبته؟ ولماذا التقارب خيانة لأهداف الثورة؟ وهل إمكانية العيش المشترك بين السوريين مازالت ورادة؟
الكاتب والمحلل السياسي، المحامي سليمان دحلا اعتبر أن مؤسسات المعارضة بشكلها الحالي ليست سوى أدوات للسياسة التركية التي عودتنا على التقلبات الحادة وفقًا للغة المصالح. ورأى دحلا لـ “القدس العربي” أن تصريحات المصطفى تزيد الهواجس وتؤكدها أكثر مما تقدم تطمينات من خلال عبارات عامة ضبابية مثل “عدم تجاوز توقعات الشعب السوري” وهو الذي قال كلمته في ساحات التظاهر متجاوزًا كل تلك الأجسام والأشخاص.
وحول الحل السياسي قال: “الحل السياسي الذي نؤمن به هو ذاك الذي يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية وفق ما جاء في بيان جينيف لعام 2012 والذي أكده القرار 2118 لعام 2013 ثم تضمنه القرار 2254 والذي لا ينبغي الإشارة إليه منفرداً ومنفصلاً عن المرجعيات السابقة، وهو ما يعني خروج بشار الأسد من المشهد السياسي تمهيدا لمحاكمته وليس ذاك الذي انزلقت إليه المعارضة وفق مسار استانة الذي يسير بالقرار 2254 وفق الحل الروسي بما يعني أن المعارضة ومعها تركيا منخرطة فعلياً في هذا الاتجاه الذي يفضي بالضرورة إلى شرعنة الأسد وإعفائه من المسؤولية عن الجرائم بل مكافأته عليها”.
وفي رأي المتحدث فإنه لم يعد من المقبول ترك مصير الشعب السوري بيد “موظفي الدول تحت مسمى معارضة لأنهم أحرص على تحقيق مصالح مشغليهم منه على تحقيق تطلعات وطموحات الشعب السوري وحفظ حقوقه”.
واعتبر المتحدث أن المصالحة الوطنية بين أبناء الشعب السوري ضرورة لا بد منها لكل السوريين ولكن شروطها الموضوعية لن تكون ممكنة ما دام النظام الأسدي موجوداً ولا يمكن لمن ارتكب كل ذلك الحجم من الإجرام بحق الوطن والشعب أن يكون طرفاً في المصالحة الوطنية فضلاً عن أن يكون جزءًا من السلطة فكيف يمكن تصور ترؤسه لعملية انتقال سياسي.
ويرى معارضون سوريون أن الائتلاف المعارض “لن يتمكن في صيغته الحالية من الاعتراض على المستجدات في الموقف التركي”. وهو ما ورد في مقال رأي لرئيس المجلس الوطني السوري السابق عبد الباسط سيدا، في “القدس العربي” حيث اعتبر أن قوى المعارضة السياسية والهيئات التابعة لها، على الأقل شكليا، مثل الحكومة المؤقتة والفصائل المسلحة. والأمر كذلك بالنسبة إلى المنصات والهيئات الأخرى التي باتت عملياً مجرد امتدادات لسياسات الدول التي تتواجد فيها، جميعهاً لن تتمكن من الاعتراض على السياسة التركية “لذلك ينبغي التركيز على السوريين المناهضين لسلطة الاستبداد والفساد والإفساد في الداخل السوري في جميع المناطق السورية”.
وتقاطع ذلك مع رأي الباحث والأكاديمي السوري د. محمود الحمزة لـ “القدس العربي” الذي قال أن الشعب السوري قد قال كلمته عبر التظاهرات الغاضبة، ولهذه التظاهرات “دور حاسم في فرملة الاندفاع التركي نحو المصالحة، ورفض المحاولات الاستراتيجية لإعادة تأهيل نظام قاتل والاعتراف بشرعيته”. وقال الحمزة “تصريحات عبد الرحمن مصطفى الموكّل من قبل تركيا، تصب في دعم السياسة التركية والمواقف التركية بخصوص المصالحة مع النظام، فهو يتحدث كمواطن تركي أو كمؤيد بشكل مطلق للسياسة التركية”.
«الشعب يرفض المصالحة»
بينما الشعب السوري وجماهير الثورة والشرائح الاجتماعية المختلفة في مناطق الشمال عبروا وفق وصفه “عن رأيهم بصراحة فهؤلاء هم الشعب السوري، وهم من رفض المصالحة، وانتقد أي ضغط على المعارضة السورية لإجبارها على المصالحة”.
وأبدى المتحدث اعتقاده بأن الدولة التركية، تستطيع أن تمارس السياسة التي تراها مناسبة في حماية أمنها القومي وغير ذلك، وهذا حق سيادي، لن نتدخل فيه، وليس من حقنا أن نتدخل فيه كسوريين، ولكن “من حقنا وواجبنا أن نقول أن قضية الشعب السوري يقررها السوريون والمصالحة بين المعارضة والنظام هو شأن سوري بحت، ولا يمكن أن نفرّط بدماء مليون شهيد ولا نفرط بكل تضحيات الشعب السوري، والمآسي التي عانى منها وقدمها في سبيل حريته وكرامته، وهذه من المسلمات ومن يتنازل عنها فإن موقفه الوطني موضع تساؤل”.
«تابعون لدول خارجية»
ولم يظهر حمزة استغراباً من تصريحات رئيس الحكومة المؤقتة، عازياً السبب إلى أن مصطفى “لا يستطيع أن يخرج عن التعليمات التي تأتيه من تركيا، أسوة بالائتلاف وهيئة التفاوض فهم تابعون للدول الخارجية ولا يمثلون الشعب السوري لا من قريب ولا من بعيد”. أما حول موضوع المصالحة مع النظام، فقد أعرب المتحدث عن رغبته ورغبة كل الشعب السوري بالحل السياسي فقط، حيث قال “نحن لسنا ضد الحل السياسي، ونريد مفاوضات وحوار جدي مع النظام في سبيل تطبيق قرار مجلس الأمن، من أجل تغيير سياسيي شامل في البلاد، وليس من أجل إبقاء بشار الأسد في الحكم لأنه جزء رئيسي من المشكلة في سوريا فبقاؤه يعني عدم الاستقرار واستمرار الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان والفساد والمخدرات وغير ذلك”.
لذلك اعتبر أن مسألة العيش المشترك هو موضوع مسلّم فيه، لكن ليس قبل تطبيق العدالة الانتقالية بحق كل من ارتكب جرائم بحق السوريين وتقديمه للمحاكمة سواء من النظام أو المعارضة. ودعا المتحدث إلى العيش المشترك كما كان السوريون سابقاً، وقال “لكن هذا لا يعني السكوت عن جرائم البعض مهما كان انتماؤه بغض النظر عن الطائفة والقومية وهذه مقدمة لاستعادة العيش المشترك ونشر الروح الوطنية بين السوريين”. وأضاف “كما يجب أن يكون هناك دولة عصرية ديموقراطية ودولة قانون” معبراً عن أسفه ممن يحاول أن “يقفز ليصالح الأسد الذي أزهق دماء السوريين على مدى 50 سنة، ودمر بلداً أصبحت مستباحة ومحتلة”.
واعتبر المتحدث أن التقارب مع النظام هو خيانة لمبادئ الثورة، وقال “نحن لا ندعو للتقارب مع النظام بل ندعو للتفاوض على المرحلة الجديدة، وعلى تطبيق قرار مجلس الأمن لنبدأ مرحلة انتقالية فيها نقل سلطة وتغير سياسي ديمقراطي شامل، هذا ما يجب التفاوض عليه وليس البقاء بشار الأسد والحفاظ على أجهزته الأمنية وكبار الضباط التابعين له الذين ارتكبوا جرائم حرب وقتلوا وهجروا السوريين”.
المصدر: «القدس العربي»