إذا أردنا أن نكتب عن الأديب السوري فاضل السباعي فمن أين نبدأ.. هل نبدأ من نشأته وتحصيله العلمي، أم نبدأ من كونه قاصاً، أديباً روائياً مهماً في عالمه العربي؟ أم من تقاطعات بناء فنه الساخر.. أسئلة كثيرة تصعد إلى مخيلة المرء وهو يحاول الإحاطة بأوراق منثورة أمامه هدفها تناول الأديب الكبير فاضل السباعي فهذا الرجل الذي أقلع طائراً من حلب الشهباء، وامتطى صهوة جواده ليعبر باتجاه العاصمة دمشق، عاصمة الأمويين، وقبلة العرب.
هذا الطائر المسافر أبداً والذي ولد في حلب عام /1929/ وتعلم في مدارسها حتى نهاية التعليم الثانوي، ثم راح إلى القاهرة ليتخرج من جامعتها عام /1954/ بإجازة في الحقوق.. ليعمل محامياً بعد ذلك في مدينة حلب، ثم طائراً إلى دمشق عام /1966/ عاملاً في المكتب المركزي للإحصاء ثم مديراً للشؤون الثقافية في جامعة دمشق، ثم ليترك وظائف الدولة والحكومة عام /1988/ متفرغاً للأدب والكتابة فقط.
السباعي وخلال مسيرته الأدبية أضاف الكثير للحركة الثقافية والأدبية فأصدر عدة روايات منها : (ثريا) عام /1962/ وبعدها (ثم أزهر الحزن) عام /1963/ التي لاقت صدىً كبيراً في حينها، ثم (الظمأ والينبوع) عـام /1964/ و (رياح كانون) عام /1968/ كما أصدر الكثير من المجموعات القصصية منها (الشوق واللقاء) عام /1958/، و(حياة جديدة) عام /1959/ و(مواطن أمام القضاء) عـام /1959/ ، و(الليلة الأخيرة) عام /1961/، و(نجوم لا تحصى) عام /1962/، ثم (حزن حتى الموت) عام /1975/، و(الابتسام في الأيام الصعبة) عام /1983/، و( الألم على نار هادئة) عام /1985، و(اعترافات ناس طيبين) عام /1990/ .
وفي الواقع فقد لقيت روايات السباعي اهتماماً كبيراً وقدراً مهما من النقد في سورية وخارجها، وبكل أسف فقد كان الاهتمام الأكبر خارج وطنه الصغير سورية.. ومن أهم من وقفوا عند أدبه ونقدوه كان الدكتور سمر روحي الفيصل، الدكتور حلمي محمد القاعود، الدكتور حسام الخطيب، نبيل سليمان، محمد كامل الخطيب، كما أثارت روايته (الظمأ والينبوع) ضجة نقدية خاصة إبان صدورها.
وقد وصف الدكتور منذر عياشي فاضل السباعي بقوله (فاضل السباعي زارع للأمل في النفوس البشرية وسط زحام الحياة!).. وللسباعي إسهامات كثيرة في التاريخ وأدب الرحلات والأعلام ولهذا التنوع دلالاته الإيجابية ومنها أنه أي السباعي قد أخلص حياته كلها للإبداع، ويقال بأن معظم ما لاقاه من نقدِ قاسِ في حياته مرده إلى الخلاف الإيديولوجي وليس إلى المستوى الفني للقصة أو الرواية، حيث كانوا ينتقدون المنبت الطبقي للسباعي، أو هم ينتقدون عنايته وتكلفه بالأناقة في إصدار كتبه.. ويحكى أن الكثير من الأدباء الشبان في حلب ومن أتى بعده من الأجيال، كانوا قد تتلمذوا على إسهاماته في الأعلام، فهو من قدم إلى سلسلة أبطال العرب التي عادة ما يقرأها اليافع، نذكر منها: عقبة بن نافع، طارق بن زياد، عمر المختار، موسى بن نصير، عمرو بن العاص، غومة المحمودي، عبد الكريم الخطابي، وكذلك ساهم في سلسلة نوابغ العرب التي قدم لها عبد الرحمن الكواكبي، سليمان البارودي، عبد الحميد بن باديس.
للسباعي كتاب مهم عن البطل إبراهيم هنانو وثورته في جبل الزاوية ضد الفرنسيين ثم محاكمته.
يتحدث الدكتور والناقد عمر الدقاق عن السباعي وأدبه قائلاً (يحرص فاضل السباعي على أن يتخذ أبطاله ويستمد حوادث روايته من صميم الحياة، حياة الناس العاديين، ويبدو من ناحية أخرى، حريصاً على التحليل والاستبطان متوخياً أناقة التعبير وجمال الأداء، يحدوه إلى ذلك نزوع واضح إلى التجويد، والتنقيح والمعاودة).
والحقيقة فإن السباعي قد عرفه القراء أديباً روائياً أكثر منه قاصاً، علماً بأن قصصه القصيرة باتت تزين الدوريات العربية عموماً، ويقول البعض بأن سبب شهرة السباعي كروائي كانت منذ روايته (ثم أزهر الحزن) هذه الرواية التي تناولت تجربة الوحدة المهمة في تاريخ سورية ومصر، كما أن هذه الرواية تم تمثيلها في الإذاعة السورية ثم قدمت في عمل تلفزيوني من إخراج علاء الدين كوكش.
فاضل السباعي كان همه الأول الإنسان وسعادته وكذلك حريته وجملة همومه اليومية والمعاشية، وخاصة طبقة المحرومين.. ومع ذلك فلم يسلم السباعي من نقد وصل حد الشتائم، وهو ما فعله بحقه الأديب حسيب كيالي فقد شتم السباعي وأدبه وأناقته، وكذلك فعل آخرون.. والواقع فإن أعمال فاضل السباعي تتميز بأناقة لغوية لا تتوفر في أعمال سواه من المبدعين، فهو يميل كما يقال: إلى اللغة المترفة، ويرى البعض أن هذا لا يسيء للنص عند السباعي بل يرفعه إلى الأعلى فهو ليس مقصوداً من أجل التجويد اللغوي بل هو سمة متميزة من سمات السباعي.
يقول بعض النقاد (إن في قصص السباعي ميل إلى الغرائبية المستوحاة من الواقع الحلمي بين الحقيقة والخيال، فهو يسير بشخصيته حسب الآلية التي يرسمها عمق تفكير الرؤية عنده، وحين تمعن النظر في رسم حالة شموخه تجده لا يخرج عن أسلوب الرواية في سياق وطرح ومعالجة الفكرة المضمونة، وهي تندرج وفق معطيات الوطن للمواطن ومعطيات المواطن للوطن … من خلال إحساسه المرهف المشبع بالإنسانية، فأبطال قصصه يأتون من شريحة معينة، فئة مقهورة تعاني أزمات المواطن في وطنه، لهذا تجده يرسم المظهرين عبر مسارات فنية تعيش الحالة) كما أكدت سها جلال جودت في مقاربتها.
ويجمع النقاد على أن فاضل السباعي علامة روائية عربية سورية مهمة، وهو من أكثر الكتاب مثابرة وإصراراً، وقد كرس السباعي حياته لأدبه، كما استطاع السباعي أن يكرس نفسه روائياً عربياً من خلال استمرار وجوده في الدوريات العربية المتخصصة، وإذا كان البعض قد حاول أن يتنكر لأدبه في الداخل، إلا أن هناك من أنصفه في المحيط العربي مستقبلاً السباعي ومحتفِ به ثم ليعيد إنتاجه إلينا من جديد، وهو غير مهتم لهذا الأمر لأنه يعتقد أن ما يكتبه من إنتاج أدبي هو للمتلقي الحالي والقادم على السواء.
ولعل أسلوب فاضل السباعي هذا الأديب السوري الكبير، المتسم بالشفافية وبالبعد عن المباشرة السردية وبإغفاله متعمداً لبعدي الزمان والمكان، هو ما يجعل فكر القارئ ينحو باتجاه الخيال فيحلل الأحداث نظراً لترابطها الزمني في وحدة المكان، لذلك فقد قال النقاد عنه (إن قصصه التي امتلكت خصوصية كوميديا الموقف تمتاز بمقدرة فائقة على التركيز على شخصية البطل النفسية داخلياً وخارجياً).
المصدر: مصير
تاريخ النشر 18 /8/2018