يلجأ النظام السوري إلى اعتماد سياسة حرمان وتجويع المدنيين، وقد تكرّر الأمر في الكثير من المناطق التي حاصرها لسنوات كما في الغوطة الشرقية بريف دمشق وريف حمص الشمالي، وحتى مخيم الركبان (على الحدود السورية الأردنية في منطقة الركبان). ويلجأ إلى تضييق الخناق على سكان حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، وهما الحيّان الوحيدان الخاضعان لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
ويحدث التضييق على السكان من خلال منع وصول الأدوية ومصادرة الأموال والأغذية والممتلكات الشخصية وحتى اعتقال أشخاص تحت أي تهمة كانت. وتتولى “الفرقة الرابعة” عملية حصار المدنيين في الحيين والتضييق عليهم، وقد شددت منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2022 من إجراءات الحصار بشكل غير مسبوق وكثفت عدد الحواجز التابعة لها في المنطقة.
وانتقل بعض السكان مؤخراً إلى السكن في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة شمال شرق سورية بعد مغادرة حي الشيخ مقصود، من بينهم ناصر هندي. ويوضح لـ “العربي الجديد” أنه “غادر الحي قبل أيام من التضييق الأخير من قبل الفرقة الرابعة”، قائلاً: “أعمل في الصيانة والميكانيك وعملي يتطلب التنقل للحصول على بعض قطع الغيار للسيارات. في كل مرة كنت أغادر الحي متوجهاً إلى أي حي آخر بمدينة حلب أتعرض لكافة أنواع الإهانات من عناصر قوات النظام. ودائماً يأخذون مني قطع غيار أو يطلبون إتاوات لقاء السماح بتمريرها، وهذا يتكرر دائماً، عدا عن الإتاوات الإجبارية من دون أي سبب بحال الدخول أو الخروج من الحي”.
ويُتابع هندي: “قاربت الخمسين من العمر ولم أعد قادراً على تحمل كل هذا. والعمل لم يعد مجدياً في الحي كون لا فائدة منه. فأي دخل الآن يذهب إتاوات لعناصر الحواجز تحت التهديد والإهانة. حالياً، أحاول الاستقرار في مدينة القامشلي أو في مدينة أخرى قد أستطيع البدء بعمل فيها بمجالي. الظروف سيئة لكنها ليست أشد سوءاً من الوضع في الحي”.
ويطوق عناصر الفرقة الرابعة حيي الأشرفية والشيخ مقصود بحواجز ونقاط تفتيش بالإضافة إلى منطقة الشهباء، واستقدمت الفرقة أيضاً حاجزاً أمنياً جديداً ونشرت 15 حاجزاً إضافياً منذ 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في إطار ممارسات تشديد الحصار، بالإضافة إلى إتاوات تفرضها على السكان. وتمنع دخول أي نوع من أنواع المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والمحروقات، كما تقوم بفرض الإتاوات المالية على المدنيين، ومصادرة المبالغ المالية وخصوصاً التي تزيد عن 150 ألف ليرة سورية (20 دولارا) لدى المدنيين والتجار، وقد احتجزوا العديد من الأشخاص كان بحوزتهم مبالغ مالية أكثر.
وفي مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أضاف الأمن وعناصره المنتشرون على الحواجز مواد جديدة على قائمة الممنوعات، كالطحين والمواد الغذائية والأدوية، كما منعت تمرير الوقود. ويقول محمد الجولي من سكان الشيخ مقصود، خلال حديثه لـ “العربي الجديد”، إن “الكميات الواردة من الطحين والمواد الغذائية والمحروقات التي تدخل إلى مناطق الشهباء عبر مناطق سيطرة النظام، انخفضت إلى أقل من 15 في المائة خلال الشهرين الماضيين، وانقطعت بشكل شبه كامل نتيجة منعها من قبل حواجز الفرقة الرابعة والأمن العسكري”. يضيف أن “مخزون الأدوية والمواد الغذائية والمحروقات في أسواق تل رفعت، وبلدات أحرض وتل قراح وفافين ودير جمال والقرى المحيطة تشهد تناقصاً تدريجياً. وأسعار المتوفر منها مرتفعة كون النظام يفرض ضرائب على الكميات الواردة، ولا يستطيع الأهالي شراءها بسبب سوء أحوالهم المعيشية”.
ويؤكد أحمد المقيم في حي الأشرفية، لـ “العربي الجديد”، أن “الحياة ازدادت صعوبة بعد تدخل الفرقة الرابعة في حصار الحيين، فعناصر الفرقة توقف السكان في طوابير وتدقق بشدة في بطاقاتهم الشخصية سواء خلال الدخول أو الخروج، ويتخلل ذلك توجيه شتائم وإهانات لهم سواء كانوا نساء أو مسنين من دون تمييز”.
من جهته، يوضح أحمد: “العام الماضي، كان الحصول على الخبز صعباً، ووضعنا مشابه لوضع بقية سكان أحياء مدينة حلب. لكن في الفترة الحالية، وبعد التضييق الشديد، أصبح الحصول على الخبز صعباً للغاية. الأدوية حالياً شبه مفقودة والمواد الغذائية أيضاً. وتلك التي تدخل عبر وسائل التهريب سعرها مرتفع بشكل كبير. يحاولون أن يضعونا في سجن كبير يمكنهم التحكم بنا فيه وذلك في المأكل والمشرب وتوفير الأدوية”.
ويضيف: “في الوقت الحالي، تتحكم الفرقة الرابعة في كل شيء. في السابق، لم أكن أفكر بمغادرة بيتي في الحي، لكن في الوقت الحالي، لم يعد هناك ما يشجع أبداً على البقاء فيه. ما فائدة البيت الذي لا يوجد فيه طعام أو وقود تدفئة. في الفترة المقبلة، سأحزم أغراضي وأغادر الحي مع عائلتي. لم تعد الحياة تطاق هنا”.
يتابع أحمد: “كنت أعمل في ورشة لصناعة الملابس في الحي، والآن توقفت تماماً. ما من كهرباء أو وقود لتشغيل الآلات. ويمنعون أيضاً دخول الأقمشة للورشة. نحن الآن بلا عمل وبلا طعام وبلا دواء والكهرباء مقطوعة قبل ذلك، لم يعد هناك حياة أبداً هنا”.
وبدأت الفرقة الرابعة التابعة لجيش النظام السوري بحصار حيي الشيخ مقصود والأشرفية فعلياً منذ مارس/ آذار 2020. وبدأت إجراءات الحصار بتقنين كميات المواد الغذائية الداخلة للحيين، وكانت في بعض الأوقات تمنع دخول المواد الغذائية والأدوية بشكل نهائي عبر الحواجز التابعة لها، وهو إجراء متبع في الوقت الحالي منها في الحصار. وقبل تدخل الفرقة الرابعة في تلك الفترة، كانت قوات تابعة لأمن الدولة تطبق حصاراً لفترات محدودة وبعدها تسمح بمرور المواد من دون حصار دائم. وتشير الإحصائيات المحلية إلى وجود نحو 25 ألف مدني في الحيين.
المصدر: العربي الجديد