يبدو جليًا وبحسب كثير من الاستقراءات البحثية والتحليلات على الساحة الدولية والاقليمية وبعد كل التغييرات الجيواستراتجية والتحركات السياسية الجديدة والتغير الكامل في المواقف السياسية لكثير من الدول بأن المصلحة هي الأساس والركيزة الأولى التي تبحث عنها دائمًا الأمم الساعية لنهضتها وتطوراتها.
لاشيء يبقى جامدًا أو ثابتًا في السياسة باعتبار أنها فن الحكم وأن السياسي هو الذي يعرف هذا الفن كما عرف سقراط السياسة بمفهومها المطلق ويظهر بوضوح عند الإغريق أن السياسة هي فن تتفاوت فيها مهارات الأشخاص وإتقانهم لهذا الفن فمنهم السياسي غير الجيد الذي لا يتقن هذا الفن ومنهم من يتقنه تارة وتارة أخرى لا يجيد هذا الفن ومنهم السياسي البارع الجيد الذي يمتلك مهارات هذا الفن ويتقنه مرارًا وتكرارًا.
ويندرج أيضًا فن الخداع كأسلوب للمراوغة والمكر أو حتى المساومة ليتوافق مع أهداف الدول ومصالحها في رفعة شأن بلادها لكن وبكثير من الحالات تتبع بعض الدول السياسة النفعية أو ما يعرف بالبراغماتية المفرطة التي تتهرب من قيود القيم والثوابت فيغدو كنمط سلوكي نفعي محض يحاول الإبحار في فضائه الخاص المصلحي بحثًا عن مكاسب آنية وضرورات مرحلية تجعله يتخلى عن قضايا جوهرية ومسائل لا يمكن التخلي عنها أو اللعب بها.
ومفهوم المصلحة هو المسوغ الرئيس الذي يبرر انقلاب الموقف وتحول الخطاب السياسي جذريًا وانعطاف البوصلة المدافعة عن حقوق الشعوب الثائرة المنتفضة على جلاديها وعن قضايا محورية لا يمكن الانفكاك عنها أو المراوغة بها.
ومن منطق المصلحة العامة وهي حق مشروع لهذه الدول في البحث عن منفعتها ومصلحة بلادها بالدرجة الأولى خصوصًا، وأن تلك الدول انبرت وبخطى متسارعة ببناء صرح جديد لنهضتها وولادة قوة إقليمية جديدة لا يستهان بها، لكن وفي ظل تلك التخليات والمفاجئات السياسية المستمرة وهرولة الدول نحو مكاسبها، تعاني القضية السورية أكثر ويصارع الشعب الثائر في رحلته التحررية من سلطة الاستبداد في دمشق نتيجة لأسباب عديدة منها انكفاء العالم والعرب بالخصوص عن محنة الشعب المكلوم وذلك لأسباب كثيرة يطول شرحها ومنها تشظي الشارع الثوري السوري مع كثرة المتشائمين والسابحين في فضاءات الدول الأخرى.
والآن وبعد 11 سنة من النضال الثوري المتوقد وكل التضحيات المقدمة وفي ظل تزايد الارتماءات الدولية في حضن النظام السوري البائد ومحاولات التطبيع، لذلك حق علينا أن نعيد ترتيب صفوف البيت الداخلي ونقد الذات والتفكير مليًا بمستقبل هذا الشعب والوطن وإعادة رسم خارطة جديدة تنشلنا من هذا الواقع المتعثر والمسار الأعوج ومحاولة البحث جديًا عن مصلحتنا كسوريين كما يبحث الآخرون عن مصالحهم، وإلا سنبقى تائهين في نفق ضيق ومظلم وضحية مشاريع دولية وتوافقات لا ناقة لنا بها ولا جمل.