المتحدثون بلسان الجمهور العربي في إسرائيل، إعلامياً وسياسياً، يرفضون بشدة وبحق الاتهامات الأبوية التي يطلقها أنصار اليسار – وسط على هذا الجمهور، وهي أن فلول “القائمة المشتركة” ساعدت في إسقاط حكومة التغيير، وأن المواطنين العرب لم يأتوا إلى مراكز الاقتراع بشكل جماعي لعرقلة عودة نتنياهو إلى الحكم. ولكن رد الجمهور العربي العلني على هذه الاتهامات، كما يتضح من الخطاب السياسي بعد الانتخابات، هو رد غير فعال للأسف، ولا يحوي في طياته بشرى إيجابية فيما يتعلق بوضع الأقلية العربية – الفلسطينية في إسرائيل.
الخط السياسي الأساسي الذي يميز الخطاب المدني – القومي في أوساط العرب بعد الانتخابات يقول بأنه يجب تأسيس شراكة حقيقية بين الجمهورين العربي، واليهودي المؤيد لليسار – وسط، لإقامة سور منيع ضد موجة الفاشية القومية المتطرفة – الدينية اليهودية في الدولة. وللمضي بذلك، يتواصل الادعاء، يجب على معسكر الوسط – يسار بأن ترتبط هذه الشراكة بتنازلات من ناحيته في كل ما يتعلق بعلامات تفوق اليهود في الدولة.
ولكن هذا الطلب من قبل الجمهور العربي – الفلسطيني من اليسار – وسط، يعاني من انقطاع عن الواقع بمعان أساسية. المعنى الأول الحقيقة الأساسية، وهي أنه رغم مركزية العرق في تاريخ الدول القومية، فإن النظام السياسي متعدد القوميات في التشكيلة الاجتماعية يظهر أن المكون المهم الذي يمثل الأغلبية كان على حق انطلاقاً من رغبة إيثارية في التنازل عن امتيازاته لصالح الأقلية. وهذا لا يتوقع حدوثه في إسرائيل التي يعدّ فيها -باستثناء أقلية هامشية في أوساط الأغلبية اليهودية- المواطنون اليهود، بما في ذلك مصوتو الوسط – يسار، غير متحمسين للموافقة على إشراك حقيقي لممثلي الأقلية العربية – الفلسطينية في السيادة الحاكمة في الدولة.
المعنى الثاني والأهم أنه وبغض النظر عن الطريقة التي ينظر فيها لمطالبة الشخصيات العامة والإعلاميين والمثقفين العرب الفلسطينيين في إسرائيل من اليسار الإسرائيلي إعادة التفكير في الهيكل الهرمي للعلاقات بين اليهود والعرب، فإن الصورة التي تظهر في ادعاءاتهم هي صورة أقلية ضعيفة تطرق أبواب المواطنة المتساوية التي مفاتيحها محفوظة في جيب الأغلبية اليهودية المسيطرة. ولكن هذه الصورة تخطئ في رؤية الواقع في أحد الجوانب الجوهرية – في الواقع الأغلبية اليهودية في إسرائيل هي متجانسة وقمعية، لكن الأقلية العربية – الفلسطينية ليست أقلية ضعيفة. بالعكس، يدور الحديث عن أقلية لها إمكانية كامنة انتخابية ضخمة. ولا يقل عن ذلك أهمية، أقلية قومية متفاخرة لديها وعي قومي مميز، وشعور بالعلاقة القومية العميقة مع الوطن، وذاكرة قومية جماعية مؤلمة وموحدة.
مؤخراً، رغم نباح كلب الحراسة الإثنوقراطية الإسرائيلية في الأمم المتحدة، جلعاد أردان، صادقت الجمعية العمومية في الأمم المتحدة على مشروع قرار فلسطيني، وهو عقد اجتماع مركزي لإحياء الذكرى الـ 75 للنكبة في قاعة الجمعية العمومية في نيويورك في 15 أيار 2023. بهذا، أعطي اعتراف دولي واسع ليوم ذكرى مأساة وطنية للشعب الفلسطيني، وهذا ليس إشارة ضعف وطنية فلسطينية، إذا أخذنا في الحسبان قوة الإرهاب الدبلوماسي الإسرائيلي الذي لا يتوقف والذي يطمح إلى أن يعرض بصورة غريبة بدرجة معينة مجرد وجود شعب فلسطيني حي وله ذاكرة على اعتبار أنه تجسيد للاسامية.
هذه البيانات تكفي كي تشكل أساساً ناجعاً لتنظيم سياسي للممثلين العرب الإسرائيليين – الفلسطينيين في إطار حزب وطني ديمقراطي واحد، وبعد ذلك من خلال موقع قوة سياسية تناسب وضع أقلية قومية قوية ومتماسكة، هذا الحزب، الذي يمكن أن يصل إلى 20 مقعداً أو أكثر في الكنيست بعد تصويت جماهيري، سيكون قادراً على طرح شروطه من أجل شراكة حقيقية مع أحزاب الأغلبية اليهودية بطريقة فعالة، الأمر الذي سيؤتي بثمار عملية.
إحدى الوسائل الأكثر نجاعة لسيطرة إسرائيل على مصير ومستقبل الفلسطينيين هي مقاربة “فرق تسد”، التي في أساسها توجه إلى الشرذمة المكانية – المؤسساتية للشعب الفلسطيني في وطنه، بين الأجزاء الموجودة في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس وإسرائيل. ولكن بقدر ما تتعلق الأمور بالفلسطينيين الإسرائيليين، لم تفرض عليهم دولة إسرائيل الانقسام الداخلي، بل إن ممثلي الجمهور الفلسطيني – الإسرائيلي أنفسهم هم الذين يرفضون التوصل إلى الاتفاق الداخلي الوطني المأمول.
إن مثل هذا الاتفاق حيوي ليس فقط من أجل الدفع قدماً بحقوقهم المدنية وحقوقهم كأقلية قومية، بل أيضاً من أجل تعزيز مكافحة الاحتلال والأبرتهايد خلف الخط الأخضر. لأن أي هزة، مهما صغرت، للعرق اليهودي في دولة إسرائيل يمكن أن تضعف آلية قمع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
بقي الأمل في أن تدرك الزعامة العامة لمواطني إسرائيل الفلسطينيين في المستقبل المنظور أن تنظيماً سياسياً موحداً من خلال الاعتراف بالقوة المدنية للقومية العربية – الفلسطينية في إسرائيل هو الطريق العملية الوحيدة لمحاربة نظام تفوق اليهود في الفضاء بين النهر والبحر.
المصدر: هآرتس /القدس العربي