السويداء: إبادة للأحراج بغياب السلطات… أو مشاركتها

ليث أبي نادر

بدأت عمليات إبادة الطبيعة في محافظة السويداء جنوبي سورية قبل خمس سنوات، مع تفاقم أزمات الخدمات العامة، وخفض مخصصات المواطنين من وقود التدفئة، وارتفاع أسعاره في السوق السوداء، وهو ما برر التحطيب، باعتباره البديل الوحيد للمازوت في محافظة تشهد شتاءً طويلاً وبارداً.

وتشكل أشجار السنديان نسبة 95 في المائة من الأحراج الطبيعية في السويداء المقدرة مساحتها بـ555 ألف هكتار، فيما تشمل النسبة الباقية أشجار البطم الأطلسي، واللوز البري، والزعرور، والإجاص، والسمّاق، والقيقب، والسويد الفلسطيني. كما تنتشر أشجار البطم المعمرة واللوز والزيتون البري في منطقة اللجاة.

وتبلغ مساحة غابة الكفر 165 هكتاراً، والرحى 193 هكتاراً، وتل عبد مار 320 هكتاراً، فيما تنتشر الغابات كزنار أخضر يحيط بالسدود والتجمعات السكانية، التي حافظت على خضارها قبل أن تغزوها آلات النشر وتبيدها بالكامل، تمهيداً لإعادتها إلى نقطة الصفر.

في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2016، تسللت مجموعة من الأشخاص ملثمين ليلاً إلى مقر الحراسة في أحراج سد العين التي تقع على الطريق بين السويداء وصلخد، وأجبرت الحراس على الفرار بعدما ضربوهم وهددوهم بالقتل، وحرقوا مقرهم، إثر تدخّلهم لمنع الاعتداء على الأحراج، وتنفيذ أعمال التحطيب الجائر.

وبعد كشف هوية بعضهم، أوقفت الشرطة ثلاثة من المهاجمين مع أدوات عمل كانت في حوزتهم، إضافة إلى سيارة مخصصة لنقل الحطب، وأودعتهم في السجن المدني بالسويداء.

وحين مثل المتهمون الثلاثة أمام القضاء في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2016، شهدت جلسة محاكمتهم مهاجمة حوالي ثلاثين مسلحاً ملثمين القصر العدلي، حيث أطلقوا النار بكثافة في الهواء، ثم اقتحم بعضهم القصر العدلي من دون أن يواجهوا أي مقاومة من الشرطة المكلفة بمهمة حماية المكان، فبادر القضاة إلى إطلاق المتهمين الثلاثة لمنع حصول اشتباك مسلح وحقن الدماء، قبل أن يخرجهم المسلحون من المكان.

وشكل هذا الحادث الامتحان الأكبر للقضاء الذي فشل في إدانة المتهمين، وبات مطية لكل من يملك القوة.

إلى ذلك، لم تسلم حديقة الفيحاء، رغم أنّها تقع على الطريق بين مدينة السويداء وبلدة قنوات، وتجاور مركزاً أمنياً، وتوجد على امتداد موقع عسكري ثابت، من عبث تجار التحطيب الذين لم تتوقف آلات النشر التي في حوزتهم عن العمل على قطع أشجار الأحراج والحقول المثمرة بالتفاح والزيتون، وصولاً إلى مزار المقداد المجاور للحديقة.

ويلفت الناشط البيئي نور الشعراني في حديثه لـ “العربي الجديد” إلى أن “عدداً كبيراً من الذين امتهنوا قطع الأشجار والاتجار بها تركوا منازلهم في الريف، وقطنوا في بلدة قنوات التي تحيط بها غابة تضم أشجار أحراج معمّرة، وتقع في جوار قرية سيع الأثرية، فيما لم يستطع أحد أن يضع حداً لأعمالهم المدمرة، حتى رجال الدين”.

وفي فبراير/ شباط الماضي، ضبطت مجموعة محلية من أهالي بلدة الكفر جنوبي السويداء أربعة شبان مسلحين وسيارة محملة بأشجار مقطوعة من “مطار الكفر”، وهو الاسم الذي يطلق على الأحراج في البلدة، وسلمتهم إلى الشرطة التي أفرجت عنهم في اليوم نفسه، بعدما تعهدوا خطياً بعدم تكرار ارتكاب جرم قطع الأشجار. لكن أهالي كثيرين ما زالوا يواصلون تشكيل مجموعات لحراسة الأشجار المثمرة، وأخرى في أحراج مجاورة، ما يعرض حياتهم لخطر الاقتتال مع الحطابين المسلحين.

في المقابل، تنفذ مديرية الزراعة وحماية الأحراج تدابير خجولة لمنع أعمال التحطيب، مثل إصدار عقوبات بالمخالفات، وأحياناً حجز كميات من الحطب. وتبرر هذه التدابير غير الكافية بالطبع بافتقادها سلطات مواجهة تجار الطبيعة، ومحاولتهم تجنب مواجهتهم في ظل عملهم بقوة السلاح.

يخبر محسن البربور، أحد سكان قرية أم الرمان التي تقع أقصى جنوب السويداء، “العربي الجديد”، بأن أحراج القرية التي تمتد على مسافة تزيد عن 325 هكتاراً تعرضت مرات لانتهاكات من عصابات الحطابين التي نسقت عملياتها مع حراس الأحراج، لذا اجتمع سكان القرية، وقرروا تنظيم دوريات دائمة ليلاً نهاراً لحماية المراكز المستهدفة، ومحاولة تعويض تخلي الدولة عن مهماتها في حماية الأحراج. وهم قبضوا على أفراد مخالفين كثير، وصادروا آليات في حوزتهم وسلموها إلى الشرطة، لكن زعامات تقليدية تدخلت لإطلاقهم، ما أجج الانتهاكات، وجعل الوضع كارثياً”.

ويشير إلى أن “أحراجاً تضم آلاف أشجار السرو والصنوبر معرضة لكي تصبح حطباً كغيرها من أحراج السويداء، لأن الشتاء قادم، ولا يوجد أي وسيلة للتدفئة إلا الشجر”.

ووسط هذه الحال، تنبّه شبان في السويداء إلى الكارثة الطبيعية والبيئية التي بدأت ترسم خرائط التصحر في المحافظة، بدءاً من عام 2016، فتصدوا لها من خلال تأسيس مجموعات مدنية تهدف الى نشر ثقافة الأشجار والتشجير، وتنفّذ حملات لغرس أشجار في مناطق متفرقة من المحافظة.

ورغم أنّ جهودهم فريدة ومجانية، واجه هؤلاء الشبان قرارات بمنع نشاطهم، أصدرتها مؤسسات تابعة للسلطة، في مقدمتها فرع حزب البعث في المحافظة الذي أصدر نهاية عام 2017 تعميماً بمنع تنفيذ حملات التشجير من دون مراجعة قيادات الحزب والتنسيق معها. وجمّد التعميم بعض حملات الغرس، قبل أن تعلن مجموعة “أبناء السنديان” في فبراير/ شباط 2019 عن حملة لتشجير مليون غرسة تبرع بها مغترب من أبناء المحافظة.

وحالياً تتنازع جماعات التحطيب على مناطق نفوذها أو محمياتها باستخدام السلاح، فيما بدأت المحافظة تخسر ضحايا نتيجة الاقتتال على ما تبقى من الأحراج، في وقت يعلم الأهالي أن الجرائم التي ارتكبت في مناطق حراج ظهر الجبل واللجاة نتجت عن المنافسة على أعمال التحطيب وعائداتها، والتي تحصل أيضاً بمشاركة مسؤولين وضباط في أجهزة الأمن. ولا يرى المواطنون أي حلول لوقف أنشطة تدمير الطبيعة، في ظل عدم توفر أولويات العيش من محروقات ومياه وكهرباء.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى