صدرت الصحف السورية يوم 7 مايو، مثل هذا اليوم، عام 1962، بعناوين رئيسية عن هروب عبدالحميد السراج من سجن «المزة» بدمشق.. كتبت جريدة «الأيام» عنوانها الرئيسي: «فرار السراج»، وفى العنوان التالي له كتبت: «20 ألف ليرة لمن يدل عليه وعلى رئيس الحرس الذى هرب معه”.
لم يكن الخبر عاديا، فعبد الحميد السراج كان نائبا لرئيس الإقليم الشمالي «سورية» أثناء دولة الوحدة بين مصر وسورية عام 1958، وتم القبض عليه ووضعه في سجن المزة العسكري بعد الانقلاب على الوحدة يوم 28 سبتمبر 1961، وفيما كانت الصحف السورية تتحدث عن فراره ولا تعرف سرها، كانت صحيفة الأهرام في القاهرة تفك اللغز بخبر صغير، نشرته في صفحتها الأولى في ثلاثة سطور فقط يقول: «استقبل الرئيس جمال عبد الناصر أمس بمنزله بمنشية البكري السيد عبدالحميد السراج”.
كان «السراج» هو الذى قام مع الضابط السوري هيثم الأيوبي بتفجير خط أنابيب البترول الذى ينقل البترول العراقي إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، كنوع من التضامن مع مصر أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وكان الخبر الذى نشرته الأهرام عن وصوله إلى مصر يحمل وراءه أسرارا عملية كبيرة، يكشف وقائعها سامى شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبدالناصر في الكتاب الرابع من مذكراته «سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر»، مشيرا إلى أن الرئيس عبد الناصر وصلته معلومات مؤكدة تفيد بأن «السراج» يتعرض في سجن المزة بدمشق لأبشع أنواع التعذيب، وأن السيدة حرمه تكاد تفقد بصرها.
يضيف: «وفاء من عبد الناصر للدور البطولي الذى لعبه السراج في خدمة القضية القومية أثناء العدوان الثلاثي 1956، ودوره في المحافظة على دولة الوحدة، قرر أن نعمل على تهريبه من سجنه في دمشق وإحضاره إلى القاهرة، وطلب إعداد مشروع خطة لتهريبه». يؤكد «شرف» أنه تم إعداد الخطة في خلال أربعة أيام، مشيرا إلى اتصالات تمت مع شخصيات سورية وأردنية ولبنانية للتباحث بشأنها، ويذكر أنه خطتين تبادليتين للعملية، كان الاسم الكودى للأولى «س، ش» والثانية باسم «جمال»، ويضيف «شرف»: تم وضع الخطوط الرئيسية للخطتين بالتعاون مع فرق عمل ضم، منير حافظ مساعد سكرتير الرئيس للمعلومات، ومحمد المصري مساعد سكرتير الرئيس للمعلومات للشؤون العربية، ومحمد نسيم مندوب المخابرات في بيروت في تلك الفترة.
يذكر «شرف» أن الرئيس جمال عبد الناصر وافق على الخطة الثانية «جمال»، وتقوم على اختراق الأراضي السورية حتى لبنان ومنها إلى القاهرة جوا أو إلى الإسكندرية عن طريق البحر، وقامت الخطة على الاتفاق بخصوصها مع الزعيم اللبناني كمال جنبلاط رئيس الحزب التقدمي اللبناني، واللواء شوكت شقير رئيس الأركان السوري السابق، ومعروف سعد، والد أسامة سعد عضو مجلس النواب اللبناني عن صيدا حاليا.
يؤكد «شرف» أنه بعد موافقة الرئيس جمال عبد الناصر على الخطة قال له: يا سامى لك مطلق الحرية في التصرف تجاه أي موقف كيفما ترى سواء بالإلغاء أو بالتعديل أو بالتسريع أو بالإبطاء، ونصحه قائلا: ادخلوا البيوت من أبوابها، في توجيه منه بوضع القيادة اللبنانية في الصورة، اجتمع «شرف» مع فريق العمل، وتمت مناقشة الخطة بالتفصيل، ويذكر أنه كان في مقدمة الخطوات التنفيذية، الاتصال بالأصدقاء في سوريا للتحرك لتجنيد أحد المساعدين من الذين يتولون مهمة حراسة عبدالحميد السراج شخصيا، والحصول على كل تفاصيل مواعيد وأسلوب وتغيير النوبات، وتم تحديد أحد الحراس، ولحسن الحظ كانت جميع المواصفات تنطبق عليه بما فيها إيمانه القوي بالوحدة بين مصر وسوريا، كما لعب القدر وتوفيق من الله أن السراج نجح في نفس الوقت في اكتساب تأييده وربطه بصلة شخصية، حيث نجح في أن يكون وصلة صلة بينه وبين عائلته في دمشق، فتم بذلك وقوع الاختيار على هذا الحارس وهو منصور رواشدة، وتم تأمين اتصالين في وقت واحد الأول بمنصور رواشدة، والثاني بالسراج من خلاله.
يكشف «شرف» أنه تم عقد اجتماع بين المجموعة المنفذة للعملية وكمال جنبلاط، واللواء شوكت شقير، ومعروف سعد، والاتصال مع أصدقاء في الأجهزة الرسمية في بيروت في مقدمتهم سامى الخطيب، ويؤكد أنه تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الناصر «ادخلوا البيوت من أبوابها» اتصل بالرئيس اللبناني فؤاد شهاب لاطلاعه على الأمر، فماذا حدث؟
المصدر: اليوم السابع
711 3 دقائق