بين حين وآخر يجري إطلاق بالونات اختبار لمشاريع حلول للأزمة السورية، من تلك البالونات ما أشيع مؤخرًا حول وجود مشروع للتغيير السياسي في سورية يتم فيه استبدال المعارضة السياسية الممثلة بالإئتلاف بمجلس عسكري إنتقالي يضم ضباطًا من معسكر النظام ومعسكر المعارضة، يتولى قيادة مرحلة إنتقالية تقود إلى إحداث التغيير السياسي الذي يتطلع إليه الشعب، وفك حالة العزلة التي تعيشها سورية وصيانة السلم الأهلي ومنع انفلات الفوضى خلال المرحلة الإنتقالية. ويأتي هذا الطرح متزامنًا مع حالة الموت السريري التي تعيشها المفاوضات بين وفدي النظام والإئتلاف ووصولها لطريق مسدود .
كما يأتي الطرح السابق في ظل استفحال الأزمة المعيشية للمجتمع السوري ووصولها لأبعاد خطيرة غير مسبوقة تطال كافة فئات الشعب السوري دون استثناء، اللهم ماعدا طبقة محدودة من مليارديرية المافيات الذين انفصلوا في حياتهم تمامُا عن مجمل الشعب .
يأتي الضغط من الداخل وبسبب الأزمة المعيشية أساسًا لإجراء تغيير سياسي بعد أن بدأ يتضح الإرتباط الوثيق بين الأزمة المعيشية والتغيير السياسي، وبعد أن جرب النظام دون أي نجاح كل مافي وسعه لاحتواء تلك الأزمة الخانقة. ورغم القيود والمخاوف الأمنية وحملات التضليل وادعاءات محاربة الفساد وبث الآمال الكاذبة في انفراجات قادمة فقد بدأت تتبلور لدى المواطن قناعة عميقة بأن الأوضاع في سورية لايمكن أن تشهد انفراجات معيشية حقيقية دون تغيير سياسي جوهري قادر على إخراج البلاد من أزمتها الراهنة .
كالعادة تستبق القوى والدول الخارجية المآلات المحتملة للأزمات السائرة نحو التفجر بوضع الحلول المناسبة لمصالحها والتي يمكن أن تضبط سياق الأحداث وتعيد توجيهها مثلما حدث سابقًا عندما جرى دفع الحركة الشعبية السلمية العارمة في سورية عام 2011 نحو التحول لصراع مسلح أدى لتدمير البلاد وقتل مئات الألوف وتهجير الملايين وبقاء النظام .
واليوم يجري التلويح بورقة الحل عبر مجلس عسكري إنتقالي، كبالون اختبار، بغض النظر عن المصداقية في اعتماد مثل ذلك الحل من قبل الدول الكبرى أو من قبل الولايات المتحدة الأميركية على وجه التحديد وكما أشار لذلك التقرير الذي نشر بخصوص اجتماعات أجراها المجلس العسكري في باريس مع ممثلين عن الإدارة الأميركية .
وبغض النظر عن الشكوك العميقة في جدية ذلك الخبر وفي المؤهلات التي يمتلكها مثل ذلك المجلس، وفي الهدف الحقيقي للسياسة الأميركية في سورية في هذه المرحلة، فإن واجب القوى الوطنية الديمقراطية التأكيد على أن الحل لايمكن أن يأتي سوى بيد السوريين، وعبر خوض النضالات السلمية ونهوض الحركة الشعبية الديمقراطية، وتنظيم قوى الشعب السوري في المهاجر. وتلك هي الأداة الحقيقية للتغيير الذي يمكن أن يحقق هدف جميع فئات الشعب بإنهاء نظام الاستبداد، وإنهاء عزلة البلاد وفتح الطريق أمام حل الأزمة المعيشية وخلق الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والمهجَّرين وضمان وحدة واستقلال سورية .