استعان بقذائف كورية شمالية ويعتمد على سجناء ولم تنفعه ميزانيته التي تزيد على 250 مليار دولار. بمناسبة مرور 200 يوم على بدء الحرب الروسية شارك الرئيس فولوديمير زيلينسكي القوات الأوكرانية على الجبهة، وقال إنها “حررت المئات من مدننا وبلداتنا، وأخيراً بالاكليا وإيزيوم وكوبيانسك”، حيث كان الجيش قد استعاد السيطرة على هذه المناطق الاستراتيجية.
رئيس أركان الجيش فاليري زالوجني أعلن أخيراً أن جنوده استعادوا من القوات الروسية مناطق يتجاوز مجموع مساحتها ثلاثة آلاف كيلومتر مربع هذا الشهر، في إطار هجوم مضاد يتركز في شمال شرقي البلاد.
بدورها أشارت الوحدة 130 في الجيش الأوكراني إلى أنها وصلت إلى الحدود الدولية مع روسيا في مدينة “غوبتوفكا”، عند الحدود الشمالية لمقاطعة خاركيف، وبثت صوراً لجنودها أمام المجلس المحلي للمدينة التي تعد معبراً حدودياً مع مقاطعة بلغورود الروسية، في تطور مهم منذ بداية الحرب.
وبينما كانت القوات الأوكرانية تحقق تقدماً كبيراً بجنوب البلاد مع تدفقها عبر الخطوط الروسية وتقدمها بسرعة على طول نهر دنيبرو مهددة خطوط الإمداد لآلاف من القوات الروسية في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول)، كان مجلس الاتحاد الروسي (الغرفة العليا بالبرلمان) يصوت صبيحة اليوم التالي بالإجماع على تشريع لضم مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا الأوكرانية، بعد إجراء مماثل في مجلس الدوما (مجلس النواب الروسي).
إزالة ستار الهيبة
في تقرير لـ”سي أن أن” الأميركية بثته في 14 سبتمبر (أيلول) الماضي بعنوان “سحب الستار الذي يحمي هيبة الجيش الروسي”. قالت الشبكة، إن الهجوم الأوكراني المضاد الأخير السريع والناجح، واستعادة كييف مئات الكيلو مترات كشف عورات الجيش الروسي، كما هز كرامة الجيش الكبير، وأدى إلى تعرية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأضافت الشبكة أنه يمكن القول، إن انسحاب روسيا من خاركيف عملية “إعادة تجميع” مخطط لها لم تجرؤ بعض وسائل الإعلام الحكومية على ذكرها، ويعتبر الانسحاب أكثر أهمية من الانهيار السابق للمواقع حول العاصمة الأوكرانية كييف، حيث تم حفر هذه الوحدات لعدة أشهر للدفاع عن مواقعها بشكل فعال.
وبحسب موقع “أوريكس” الاستخباراتي، مفتوح المصدر، فإن الجنود الروس تركوا وراءهم ما مجموعه 338 طائرة مقاتلة أو دبابة أو شاحنة. وبدا من الواضح أن الوحدات الروسية لم تنفذ انسحاباً حذراً حيث فر الجنود الروس هاربين مخلفين وراءهم مدرعات وإمدادات ذخيرة ثمينة متبقية، مما يدل على أن الأمر ليس كما قالت روسيا إنه “إعادة تموضع وانتشار”.
وبحسب تقرير “سي أن أن” فإن عدم قدرة موسكو على الحفاظ على قوة قريبة من أراضيها يكشف كثيراً عن الحالة الحقيقية لسلسلة التوريد والجيش الذي اعتقد أنه قادر على اجتياح أوكرانيا في غضون 72 ساعة فقط.
ويخلص التحليل إلى أن “ما تبقى من قوات موسكو الموسعة والمنهكة وضعيفة الإمداد والتجهيز في عمق أوكرانيا يمكن أن يواجه الحصار المميت نفسه كما فعلت سلسلة الإمداد حول خاركيف”. ولا يستبعد عودة أوكرانيا إلى الحدود التي استولت عليها روسيا عام 2014.
جيش ضعيف ومنهك
كان مسؤول أميركي كشف في السادس من سبتمبر الماضي لصحيفة “نيويورك تايمز” ووكالة “أسوشيتد برس” أن وزارة الدفاع الروسية بصدد شراء ملايين الصواريخ والقذائف المدفعية من كوريا الشمالية لاستخدامها في الحرب.
وتكشف المعلومات الاستخباراتية الأميركية الأخيرة بلجوء روسيا لكوريا الشمالية وقبلها إيران للحصول على أسلحة عن مدى الفشل الذي تعرضت له موسكو في حربها الدائرة في أوكرانيا، ونجاح العقوبات الأميركية في إعاقة إمداداتها العسكرية هناك.
ويقول تقرير الشبكة الأميركية إنه “بغض النظر عن مدى المبالغة في تضخيم القوات الروسية خلال العقود الفوضوية للحرب الأميركية على الإرهاب، لكن الجيش الذي يحتاج إلى قذائف كورية شمالية والتعبئة الإجبارية والاعتماد على سجناء مدانين، هو في أحسن الأحوال بالحد الأدنى من القوة اللازمة لحماية نفسه”.
وفي السياق ذاته يرى المحلل الأمني والاستراتيجي الجنرال ناجي ملاعب في حديث مع “اندبندنت عربية”، أن ما منع الجيش الروسي من تحقيق النصر في أول أسبوع من العملية العسكرية هو اقتصاره في عملياته العسكرية بمنطقة دونباس فقط، مع سيطرة جوية وتكثيفه لقصف المستودعات والتجمعات وطرق الإمداد مقابل الصمود الذي حصل شمال العاصمة كييف.
وأضاف ملاعب “أما القتال الشرس الذي خاضه الروس فكان في مدينة ماريوبول، الذي قاد المعارك هناك الرئيس الشيشاني رمضان قديروف بعناصر متمرسة في القتال ولها تجربتها في الحرب السورية وخبرة بقتال المدن”.
وأوضح “عملياً عندما انتهى موضوع ماريوبول وارتاح الجيش الروسي كان الجيش الأوكراني يتجهز ويعيد تدريبه على أحدث الأسلحة. وخضع الجيش الأوكراني منذ عام 2014 حتى عام الحالي 2022 لتدريبات قوية سواء في واشنطن أو ألمانيا مع قوات حلف الناتو”.
وأشار إلى أنه “باعتراف جنرال أميركي لوكالة ’رويترز’ هذا التدريب مكن الجيش الأوكراني من التعامل مع أسلحة حديثة مزوداً باستخبارات قوية وبقيادة وسيطرة ومعلومات زودت بها القيادة الأوكرانية، وغرف عمليات ما زالت تعمل ليلاً ونهاراً، مما يعني أن فشل ما راهن عليه الروس من انهيار داخل الجيش الأوكراني، وعلى عكس كل التوقعات صمد وازداد صلابة”.
“ضعف” الجيش الروسي في حرب المدن
عن عديد الجيشين الروسي والأوكراني يقول ملاعب “يمتلك اليوم الجيش الأوكراني 400 ألف مقاتل نظامي و300 ألف متطوع، في المقابل عانى الروس كثيراً من إصابات كبيرة بصفوفهم، خصوصاً الهجوم الأخير بالشرق والجنوب حيث يقاتل بمعدل ثمانية مقاتلين أوكران مقابل مقاتل روسي واحد، هذا الضعف في عناصر المشاة الروسية لم يكن موجوداً عند بداية الحرب حيث اعتمد الروس على السيطرة الجوية والمدفعية والصواريخ”.
وأضاف “إذا عدنا إلى تجربة داعش في سوريا سنجد أن التحالف الدولي لم ينجح، على الرغم من كل إمكاناته في التقدم واحتواء وتحرير المناطق المحتلة من قبل التنظيم، إلا عندما جهز قوى مدربة من قوات السورية الديمقراطية ومن الحشد الشعبي من قبل الحكومة العراقية حتى استطاع تحقيق النصر”.
وقال المحلل الأمني، إن الجيش الروسي دخل الحرب بـ190 ألف جندي وكان يحضر على الحدود 180 ألفاً آخرين، لكنه كان يتحاشى دخول المدن والقتال المباشر، لأن ذلك يستنزفه واعتمدت استراتيجيته على عدم دخول المدن بل تطويقها وفرض حصار عليها، هذه المدن كانت تعتبر ملاذاً للجيش الأوكراني حيث يستعيد تدريبه وتنظيمه.
من اللافت هنا تصريح للرئيس الشيشاني منذ نحو الشهر أنه سيعيد إرسال قواته إلى المعركة ومن الواضح أنه وبعد معركة “ماريوبول” سحب الشيشانيون قواتهم وهي القوى المدربة، وقد يعيد الرئيس الشيشاني إرسالها.
التعبئة العامة
كان الرئيس الشيشاني قد أعلن، الإثنين الثالث من أكتوبر، أنه سيرسل أولاده الثلاثة الذين تبلغ أعمارهم 14 و15 و16 سنة، قريباً إلى الجبهة الأوكرانية، ليقاتلوا مع القوات الروسية.
وأعلن الرئيس الروسي التعبئة العامة العسكرية جزئياً في سبتمبر (أيلول) الماضي. وقال في خطاب موجه للشعب “نواجه اليوم القوات الأوكرانية والماكينة الكبرى للناتو بالتالي يجب أخذ القرار لحماية أرضنا ووطننا وسيادتنا”. وأضاف بوتين، أن “المواطنين الروس المجندين سيحصلون على وضع خاص وامتيازات عسكرية”.
يقول الباحث الأمني، إن القيادة الروسية حاولت زيادة عديد الجيش النظامي إلى مليونين ضمن هذا الاستنفار الجديد لقوات الاحتياط 120 ألفاً. ويعتبر أن هذا العدد لا يزال قليلاً “على اعتبار أن روسيا لديها حدود واسعة ويجب أن تبقى على أهبة الاستعداد مقابل الحدود الصينية ومنغوليا وإيران، فإنه من غير المنطقي أن تستعين بكل جيشها في المعارك مع أوكرانيا، لذلك جاء استدعاء قوات الاحتياط 300 ألف من المقاتلين المحترفين، ومع هذا لن يكفي لتحقيق تقدم، ما دام الجيش الأوكراني يقاتل على أرضه لتحريرها، ذلك أن هؤلاء المقاتلين بحاجة إلى إعادة تدريب، وربما أشهر للعودة إلى ساحات القتال.
ويضيف ملاعب أن عامل الوقت ليس في صالح روسيا بل أوكرانيا، حيث إن هذه الأخيرة تزداد قوة وتسلحاً بينما القوى الروسية تعاني سوء تنظيم وإدخال عناصر لا تمتلك الخبرة الكافية، كما أن عديد مشاة الجيش الأوكراني تتفوق على نظيرها الروسي.
ويتابع “أن حصر المعارك في مناطق صغيرة لا يعني أن ذلك لا يحتاج لقوى كبيرة بل إن روسيا ستعود للاعتماد على مزيد من آلتها التدميرية بواسطة الصواريخ، محاولة إحراز نصر ما، ربما بقصف العاصمة كييف وشلها أو اللجوء إلى أسلوب أخطر كما حصل في معركة أوديسا لحرمان أوكرانيا من ساحلها.
الانتصار من خلال الهزيمة
كان موقع “ناشونال إنترست” قد نشر تحليلاً في الثاني من أكتوبر الحالي، لدان غوري نائب رئيس معهد “ليكسينغتون” لأبحاث السياسة العامة الأميركي. وقال إن استمرار أوكرانيا والغرب في التصعيد سيدفع روسيا إلى استخدام السلاح النووي، كما توعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً.
ورأى غوري في مقالته أن الخطوات التي قام بها بوتين أخيراً من إعلان للتعبئة الجزئية وإجراء استفتاءات بمناطق أوكرانية وضمها إلى روسيا بوادر على عزمه استخدام السلاح النووي ضد أوكرانيا.
وأوضح الكاتب أن بوتين، بعد فشله في القيام بانقلاب في أوكرانيا وحملته اللاحقة للسيطرة على أراض في شرق وجنوب البلاد، توصل إلى طريقة للانتصار من خلال الظهور وكأنه يخسر، وأن استمرار القوات الأوكرانية المسلحة بالأسلحة الغربية في هجومها المضاد، سيشكل تهديداً للأراضي الروسية التي ضمتها موسكو حديثاً، الأمر الذي سيحمل بوتين على القيام بما حذر من أنه سيقدم عليه وهو استخدام السلاح النووي.
ويؤكد الكاتب أنه بغض النظر عما إذا كان بوتين سيستخدم السلاح النووي ضد هدف في أوكرانيا أو سيستخدمه لاستعراض القوة فحسب، فإن ذلك سيؤدي لا محالة إلى تقويض الدعم الغربي لكييف إذ من شبه المؤكد ألا ترد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بالمثل. وقد يؤدي ذلك إلى انهيار الناتو مما يعني أن بوتين قد ينتصر من خلال الخسارة.
ورغم تأكيده خطورة الوضع يرى ملاعب أنه يجب علينا الانتظار بما سيخرج عن اجتماع وزراء دفاع حلف الناتو في 12 و13 الشهر الحالي، لا سيما أنه بعد ضم المقاطعات الأربعة إلى روسيا سيعتبر أن أي اعتداء عليها اعتداء على روسيا.
ويعتقد المحلل الاستراتيجي أنه سيكون هناك خطوات من قبل “الناتو” للرد على خطوة الضم، وهي المزيد من القتال واستخدام أسلحة جديدة علماً أن الروس لم يستخدموا كامل أسلحتهم، لكن يؤكد ملاعب “أنهم لن يصلوا لاستخدام النووي”.
وأشار إلى أنه “إذا بقيت استراتيجيتهم هي التصعيد مقابل التصعيد، أي تصعيد الغرب ضد الجيش الروسي، ستصعد روسيا دورها وهذا ما سينتج عنه استنزاف أكثر للقوى الروسية”.
الفساد وسوء التنظيم
كانت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية قد نشرت تقريراً في أبريل (نيسان) الماضي بعنوان “ما مدى فساد الجيش الروسي؟”.
وقالت، إن ميزانية الدفاع الروسية التي تزيد على 250 مليار دولار، تبلغ نحو ثلاثة أضعاف ميزانية بريطانيا أو فرنسا، لكن كثيراً منها يبدد أو يسرق.
وتعتبر المجلة أنه كان من المفترض أن تظهر قوة الجيش الروسي الحديث للعالم أن الرئيس بوتين أعاد بلاده إلى العظمة بعد الإذلال الذي أصابها بانهيار الاتحاد السوفياتي، لكن بدلاً من ذلك كشف التقدم الضعيف والخسائر الفادحة في أوكرانيا عن عيوب عميقة داخل روسيا.
ورأت المجلة أنه بالنسبة لأولئك الذين هددهم عدوان بوتين، فإن تراجع الجيش أمر يبعث على الارتياح، لكن لسوء الحظ فإنه يترك أيضاً لروسيا سلاحاً نووياً لإثبات وجودها.
وعن هذا يقول ملاعب، إنه بمجرد أن يعمد الرئيس الروسي إلى استبدال المسؤول عن اللوجيستيات في الجيش يعني أنه يعاني فساداً، وهذا يعد اعترافاً بأن إدارة المعركة لم تكن سليمة، وسيئة التنظيم.
وكانت روسيا قد أعلنت عن إعفاء جنرال الجيش دميتري بولغاكوف من مهامه كنائب لوزير الدفاع بسبب نقله إلى منصب آخر.
ويرى ملاعب أن الرتل العسكري الذي حاول الروس إبرازه إعلامياً، من تسعة كيلو مترات من الآليات وأتى من الشمال باتجاه العاصمة كييف ولم يستطع دخولها، يعتبر فشلاً ذريعاً للقيادة الروسية، ذلك أن الرتل أعمى، مما يعني إذا ضربت مقدمته ومؤخرته، يمكن اصطياده كاملاً بواسطة المسيرات أو بواسطة صواريخ “جافلين”.
المصدر: اندبندنت عربية