ما هو شكل التغيير المحتمل قريباً في المشهد السياسي الأردني وحصراً تحت بند «الحريات العامة»؟ سؤال تم تجديد طرحه بكثافة في المسار الأردني الداخلي بعد التقرير الأخير المثير لمنظمة «هيومن رايتس وتش» والذي حمل ولأول مرة تفاصيل ما يجري أثناء حالات الاعتقال السياسي والاحترازي وتكميم الأفواه، كما حمل ولأول مرة أيضاً عنواناً من النوع المزعج والمقلق للسلطات وهو «حكومة تسحق الحيز المدني».
عمليا لم ترد الحكومة رسمياً على ما يسميه موظفون فيها مبالغات ودراميات المنظمات الدولية. لكن الرد لم يظهر ليس فقط من باب الترفع البيروقراطي ولكن لأن الحكومات بالعادة لا تسيطر على مساحات الملف والاحتراز الأمني أو لأن الوزراء من المعنيين بالرد والتعليق بمن فيهم وزيرا الخارجية والإعلام لا يوجد لديهم ما يقولونه في السياق.
تلك طبعاً واحدة من الإشكالات المسكوت عنها حيث ان ذراع الدولة الرسمي وهو المركز الوطني لحقوق الإنسان هو المعني بالرد والشرح والتبني والنقد، لكن هذا المركز غارق الآن في مشكلاته والمجموعات التي تديره مشتبكة في عملية تلاوم وتبادل الاتهامات، فيما لا تبدو مراكز القرار مهتمة حقا لا بمساعدة مركزها المعني بملف حقوق الإنسان ولا حتى بإنقاذه.
في مقاربة الناشط الحقوقي والقانوني عاصم العمري والتي سمعتها «القدس العربي» مباشرة عدة مرات، مضحك ومثير للسخرية أحيانا الحرص على نفي الحالة الواقعية حيث تكميم الأفواه منهجي اليوم ولا يعبر عن حالات فردية هنا أو هناك وحيث تعسف في استخدام صلاحيات القانون والتشريعات المتاحة لم يعد برأي العمري خافيا لأي مراقب انه يطال بتوسع أصحاب الرأي أحيانا.
منظمات حقوق الإنسان الدولية تحديداً بدأت تتحرش بتفاصيل الملف الحرياتي في الحالة الأردنية، فإحدى تلك المنظمات قبل 10 أسابيع توسعت في الحديث عن مفهوم الاعتقال الاحترازي خارج سياق القانون ومنظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الأخير بدأت تعرض تفاصيل ما يحصل مع الموقوفين والمعتقلين السياسيين داخل المراكز الأمنية ولا تقف عند حدود النقد العام المباح لا بل بدأت تسمي المراكز الأمنية أيضا.
الإنطباع كبير ليس فقط عند العمري ونشطاء ملف الحريات ولكن عند وزراء بارزين في الحكومة معنيين بإدامة المساعدات وتنويع الاستثمارات بان مثل تلك التقارير مؤذية جدا وللغاية مع الأصدقاء والحلفاء. لا بل تبدو كلفتها مجانية بعض الأحيان ويزداد الأمر تعقيدا مع المشكلات والتحديات التي تبرز في إطار الإقرار العلني بترهل الإدارة العامة وهو إقرار مارسه بشفافية وجرأة مخيفة سياسيا مؤخرا رئيس الوزراء السابق عبد الرؤوف الروابدة في محاضرة مثيرة جدا أعلن فيها بان الإدارة العامة في البلاد انهارت، وشرح الأسباب والحيثيات بصفته أكثر أعضاء رؤساء الوزراء السابقين خبرة في الملف الإداري.
يمكن القول ان الروابدة يبالغ في التحذير لكن من الصعب القول بان منظمات دولية يعتد بها لديها أسباب للتحرش في الأردن حصرا دون غيره، فيما الشعور العام يزيد بان الوطني لحقوق الإنسان لا يقوم بواجبه لا بل تنهشه الفوضى الداخلية في الوقت الذي يعتبر فيه التوقيف والاعتقال وأحيانا تطبيق بنود قانوني العقوبات والجرائم الإلكترونية بتعسف هو السيناريو الوحيد المتاح أمام أجهزة أمنية وظيفتها تعويض الفاقد السياسي والبيروقراطي والبقاء في حالة سيطرة على النظام العام وبأكثر الطرق اختصارا.
الأمن بطبيعة الحال يتحرك بأي فراغ وليس من واجبه تفعيل السياسي والحقوقي أو حراسة الحيز البيروقراطي، لكن ذلك وان كان مفهوما بيروقراطيا برأي الخبراء وفي بعض التفاصيل وعلى أساس نظرية الفراغ، ينبغي أن لا يشكل منهجية وحيدة في العمل والاشتباك تعزز الحريات السالبة وتساهم في تشويه سمعة البلاد الحقوقية في الخارج ومجانا.
ويثبت تلك الفرضية أن غالبية الاعتقالات الاحترازية التي تتحول إلى مادة دسمة تربك سفراء الخارج وأحيانا وزراء الاقتصاد والمال والاستثمار في الداخل تشمل أشخاصا يمكن التفاهم معهم مثل نشطاء الحراك التعليمي أو يمكن التوقف عند تقديم خدمات مجانية لهم بالاعتقال ثم الإفراج عنهم مثل رموز الحراك الشعبي، أو تشمل أصحاب رأي توجد عشرات الطرق لمفاوضتهم أو الضغط عليهم أو تصويب مواقفهم أو هضمها.
بكل حال تلك النمطية من الاعتقالات بدأت تضرب مساحة الحريات العامة والإعلامية والفردية في الأردن مجاناً، مع أنها بقيت طوال الوقت بالنسبة للمؤسسات وللمرجعيات مسألة فيها أولوية، لان الاستمرار بسياسات وإجراءات تضر بالحريات العامة يمكن ان يؤدي إلى مزيد من التدخلات التي يمكن الاستغناء عنها لجهة دول صديقة أو مانحة، يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور أنور الخفش ان مسألة الحريات من أهم معاييرها في النهاية وفي الخلاصة.
المصدر: ـ «القدس العربي»