زيارة بن سلمان لتركيا.. تحولات إقليمية واحتياجات دفاعية ومصالح اقتصادية

إسماعيل جمال 

يزور ولي العهد الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية محمد بن سلمان العاصمة التركية أنقرة، الأربعاء، لفتح صفحة جديدة في سجل العلاقات التي شهدت سنوات من الخلافات العميقة أدت إلى تراجع الثقة بين البلدين لمستويات منخفضة جداً وهو ما يعيق حتى الآن تحقيق اختراق أكبر وأسرع في مساعي إعادة تطبيع العلاقات في ظل خطوات بطيئة وحذرة لا سيما من الجانب السعودي.

ومن المتوقع أن يستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولي العهد السعودي في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة التي يزورها بن سلمان لأول مرة منذ سنوات بعدما تدهورت العلاقات بفعل اختلافات أيديلوجية وتنافس إقليمي وصولاً لجريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018 والتي أدت لقطيعة غير مسبوقة في العلاقات بين البلدين قبل أن تبدأ مساعي إعادة التطبيع.

هذه المساعي جاءت مدفوعة بتحولات دولية وإقليمية كبيرة شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة إلى جانب التحديات السياسية والدفاعية والاقتصادية التي مر بها البلدان مؤخراً لا سيما الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها تركيا وحاجتها للاستثمارات السعودية، والتحديات الدفاعية التي تمر بها السعودية وحاجتها الماسة لمنتجات الصناعات الدفاعية التركية وخاصة المسيرات التي ساهمت في تغيير مسار العديد من المعارك والحروب في العالم مؤخراً.

وعلى الرغم من الرغبة المتبادلة في تحقيق اختراق في العلاقات بين البلدين، إلا أن سنوات طويلة من الخلافات المعقدة والمتشعبة تبدو عائقاً أمام إعادة بناء الثقة التي فقدت طوال سنوات من التنافس السياسي والحرب الإعلامية بين البلدين، وهو ما جعل مسار تحسين العلاقات يبدو بطيئاً وصعباً وسط آمال بأن تشكل زيارة بن سلمان إلى أنقرة اختراقاً حقيقياً في المسار بعدما لم تنجح زيارة أردوغان إلى السعودية في تحقيق ذلك.

ومثلت التحولات الإقليمية الأخيرة الدافع الأبرز لدول المنطقة لإعادة حساباتها وإعادة رسم خريطة تحالفاتها في مرحلة “ما بعد الربيع العربي” ووصول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض التي فرضت تحديات على دول المنطقة وعلى رأسها تركيا والسعودية، إلى جانب التحديات التي أفرزتها الحرب الروسية على أوكرانيا، والأهم من ذلك التحديات التي ما زالت تواجهها السعودية نتيجة الحرب في اليمن.

وفي ظل توجه تركي جاد وحثيث من أجل العودة إلى “سياسة صفر مشاكل” نجحت أنقرة في إعادة تطبيع وتحسين علاقاتها مع الكثير من الدول ومنها الإمارات وإسرائيل مع تواصل مسار تحسين العلاقات مع مصر والعديد من الدول الأخرى، وهو ما يعتقد أنه دفع السعودية للتحرك لحجز مقعدها في خريطة التحالفات الجديدة حتى لا تتفرد أطراف إقليمية أخرى بتحالف جديد مع تركيا وذلك في ظل تكهنات متزايدة عن تنافس بين أبو ظبي والرياض على لعب دور أوسع في المنطقة رغم العلاقات الوثيقة بين زعيمي البلدين.

ويعتبر الاقتصاد أحد أبرز دوافع تركيا نحو مساعي العودة لسياسة صفر مشاكل، وبالتالي فإن أنقرة التي لا تخفي مبادرتها ورغبتها القوية في إعادة تحسين العلاقات مع السعودية، تأمل أن تثمر المساعي الحالية عن اتفاقيات اقتصادية كبيرة تجلب استثمارات سعودية تكون قادرة على تشكيل إضافة حقيقية للاقتصاد التركي لمساعدته على مواجهة التحديات المتزايدة التي أفرزها انتشار فيروس كورونا وتحديات سياسية واقتصادية مختلفة وذلك قبيل موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية الحاسمة في تركيا والمقررة منتصف العام المقبل.

في المقابل، يعتقد أن الاحتياجات الدفاعية للسعودية هي المحرك الأبرز للتجاوب مع مساعي إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، حيث ترغب المملكة في تنويع تحالفاتها وقدراتها الدفاعية والهجومية في ظل الخلافات مع الإدارة الأمريكية ودول غربية مختلفة وتعذر مساعيها لتحقيق تفوق حقيقي في الحرب المتواصلة باليمن منذ سنوات، وبالتالي يتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة التوقيع على اتفاقيات دفاعية هامة خاصة فيما يتعلق بشراء الرياض مسيرات تركية متقدمة من طراز بيرقدار أو أقنجي تركية الصنع وبأعداد كبيرة.

والجمعة الماضية، أكد أردوغان أن بن سلمان سيزور تركيا يوم الأربعاء حيث من المقرر أن يلتقيه في المجمع الرئاسي بأنقرة، لافتاً إلى أنه سيعقد لقاء ثنائيا مع ولي العهد السعودي، يعقبه اجتماع موسع بمشاركة مسؤولين من البلدين، وأشار إلى أنه سيبحث مع بن سلمان سبل الارتقاء بالعلاقات التركية السعودية إلى مستويات أعلى بكثير خلال الفترة المقبلة. في حين صرح “مسؤول تركي رفيع المستوى” لوكالة الصحافة الفرنسية أن الزيارة سيتخللها توقيع اتفاقات عدة بين البلدين.

وفي إطار خطوات بناء الثقة، أعلنت السعودية الاثنين رفع الحظر الذي كان مفروضا على سفر المواطنين السعوديين إلى تركيا “بناء على متابعة وضع فيروس كورونا”، وهو مبرر كان بمثابة غطاء للحظر السياسي الذي حاولت من خلاله السعودية الضغط على تركيا اقتصادياً حيث اتخذت إجراءات مشددة غير معلنة رسمياً أدت إلى خفض معدلات التبادل التجاري والسياحة إلى مستوى الصفر.

ومهد إعلان تركيا إغلاق ملف قضية محاكمة المتهمين بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول ونقل ملف المحاكمة إلى القضاء السعودي، لخطوات أسرع في مسار تحسين العلاقات بين أنقرة والرياض وتكلل ذلك بزيارة أردوغان إلى جدة، إلا أن التقدم الأبرز يتوقع أن يعلن عنه خلال زيارة بن سلمان المتوقعة إلى أنقرة من خلال التوقيع على حزمة من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين.

 

المصدر:  “القدس العربي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى