أسابيع قليلة تفصل التونسيين عن التصويت على الدستور الجديد لبلدهم، بعدما انتهت “هيئة بلعيد” من وضع مسودته الأولى وسلّمتها يوم أمس الأثنين إلى الرئيس قيس سعيّد، ليبدي رأيه فيها على أن تنشر النسخة النهائية في موعد أقصاه 30 حزيران (يونيو) وفق ما جاء في المرسوم الرئاسي الخاص به.
واستقبل سعيّد العميد صادق بلعيد، الرئيس المنسّق للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، في قصر قرطاج، وتسلّم منه مشروع الدستور الذي تم إعداده في إطار الهيئة.
وفي بيان عن الرئاسة التونسية أن اللقاء “مثّل فرصة للتداول بشأن جملة من المفاهيم والأفكار الجديدة، فضلاً عن التطرق إلى مجريات الحوار في الفترة الماضية وما شهده من تبادل لوجهات نظر متعدّدة”.
وأضاف البيان: “أكّد رئيس الجمهورية، بهذه المناسبة، أن مشروع الدستور ليس نهائياً وأن بعض فصوله قابلة للمراجعة ومزيد التفكير”.
وتأتي عملية صوغ الدستور الجديد وسط تصاعد الأصوات المعارضة لاستفتاء 25 تموز (يوليو) المقبل، مع استمرار الحشد لمقاطعته باعتباره خطوة نحو تكريس “ديكتاتورية قيس سعيّد”.
والأحد نزل المئات من أنصار حزب “حركة النهضة” وعدد من الأحزاب المساندة له إلى شارع الحبيب بورقيبة للتعبير عن رفضهم للاستفتاء على الدستور، بعد يوم من مظاهرة مماثلة نظمها حزب “الدستوري الحر”.
تظاهرات سابقة في تونس.
والخميس نفّذ الاتحاد العام التونسي للشغل إضراباً عاماً في القطاع الحكومي قال إنه ليس مسيساً، لكن أمينه العام نور الدين الطبوبي وجه انتقادات حادة للمسودة المسربة من الدستور الجديد، قائلاً إنّه “إذا ثبت أنّ هذه التسريبات هي الوثيقة الرسمية فعلى الدنيا السلام”، لافتاً إلى أنّ الدستور” ليس موضوعاً انشائياً ولا بدّ أن يتضمن فقط عناوين رئيسية في شأن الحقوق الثابتة”.
نظام رئاسي
وتشير مصادر عدة إلى أن الدستور الجديد سيكون مزيجاً من دستور سنة 1959 ودستور 2014 مع بعض التعديلات.
ولطالما دعا الرئيس سعيّد إلى العودة إلى دستور 1959 وهو أول دستور لتونس بعد استقلالها وصيغ في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ثم تم التخلي عنه بعد ثورة 2011.
وينتظر أن يعطي الدستور الجديد صلاحيات أوسع للرئيس كاختيار رئيس الحكومة.
والنظام السياسي في تونس كان دوماً محل انتقاد واسع، ويقول كثير من الفاعلين في المشهد السياسي إنه ساهم بجزء كبير في
تأزيم الوضع في البلاد طيلة العشرية الأخيرة.
وقال بلعيد في تصريح للإعلام عقب جلستي الحوار نهاية الأسبوع إن الدستور الجديد سيكون “تونسياً صميماً”، معتبراً أن تونس “جرّبت النظام البرلماني لكنه فشل”.
ولفت إلى أن الدستور الجديد سيمنح الرئيس صلاحيات واسعة كاختيار رئيس الحكومة على عكس دستور 2014 الذي كان يمنح هذه الصلاحية للحزب الفائز بالانتخابات التشريعية.
أما البرلمان فستكون مهماته منحصرة في المراقبة والتشريع، بحسب المتحدث.
وقال عضو لجنة الحوار الوطني صلاح الداوي لـ”النهار العربي” إن “النظام السياسي سيكون رئاسياً – شعبياً، تونسي الروح والعقل”، لافتاً إلى أنه سيكون كذلك “نظاماً وظائفياً لخدمة الوطن والشعب وليس نظاماً سلطوياً”.
ويقول عضو لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية ورئيس حزب “التحالف من أجل تونس” المشارك في الحوار الوطني سرحان الناصري لـ”النهار العربي” إن النظام السياسي سيكون رئاسياً، مشيراً إلى أن الدستور الجديد “سيسعى لتجنب المطبّات التي وردت في دستوري 1959 و”2014، قائلاً “لقد حاولنا أن نتجنب من خلال عملنا كل الأخطاء التي وردت في الدستورين السابقين”.
النهوض الاقتصادي أولوية
ينتظر أن يخصص الباب الأول من الدستور الجديد بحسب ما كشف العميد بلعيد للنهوض الاقتصادي.
وأوضح أن “التركيز سيكون على بناء اقتصاد البلاد لتحسين الوضعية الاجتماعية للأغلبية الساحقة التي عانت الأمرين في العشرية الأخيرة التي أفلست خلالها البلاد، وأصبح المواطن غير قادر على تلبية حاجات أسرته أمام الارتفاع الجنوني للأسعار”.
وأضاف أن “الدستور الجديد سيتضمن باباً خاصاً هو الأول بعد التوطئة بعنوان أسس النهوض بالاقتصاد التونسي عكس دستور 2014 الذي لم يهتم بالمسائل الاجتماعية”.
وقال الناصري إن الدستور الجديد سيكون “استثنائياً وصالحاً للأجيال المقبلة لأنه سيهتم بالمشكلات الاقتصادية التي هي أولوية بالنسبة لجميع التونسيين”.
لكن تضمين الدستور المسائل الاقتصادية أثار جدالاً، فقد عارض عدد من أساتذة القانون الدستوري ذلك مؤكدين أن هذه المسائل المتغيرة بحسب السياقات المحلية والعالمية لا يمكن إدراجها في الدستور.
لا تراجع عن الحريات
في وقت تتعالى الأصوات المعارضة متهمة الرئيس سعيّد بالانفراد بالحكم والسعي للانقلاب على مكاسب الحريات التي جاء بها دستور 2014، يقول الناصري إن الدستور الجديد أفضل من دستور 2014، ويشدد على أنه لن يتم المس بهذه المكتسبات بل سيتم تعزيزها.
من جهته، قال عضو الهيئة الوطنية الاستشارية، أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، إن الدستور الجديد سيحافظ على الفصل 80 من دستور 2014، وهو الفصل الذي اعتمده الرئيس سعيد يوم 25 تموز الماضي لإقرار حالة التدابير الاستثنائية في البلاد.
جدال الهوية
جدال آخر أثارته خلال الأيام الأخيرة تصريحات للعميد بلعيد قال فيها إنه سيتم حذف الفصل الأول من دستور 2014 الذي ينص على أن “الإسلام دين الدولة”، مبرراً ذلك بالسعي للتصدي للأحزاب ذات المرجعيات الدينية، وفي هذا الصدد أوضح رئيس اللجنة الاستشارية والاقتصادية ابراهيم بودربالة أن مسألة الهوية وانتماء أغلبيّة الشعب التونسي ستحسم في التوطئة، لافتاً إلى أن “التوطئة جزء لا يتجزأ من كامل الدستور وسيتم من خلالها التنصيص على الهوية والدين ومكونات الشعب التونسي وعلى انتمائه للموروث الحضاري العربي الإسلامي”.
المصدر: النهار العربي