خلقت فكرة اختراع أول تقنية مائية.. من طاقة النور والنار والهوا اللي بروح الخشب وتحت قوة تدفق ماء العاصي تفتحت زهرة الحياة المقدسة وصارت ” نواعير حماة “..
اللي بعدها صامدة من آلاف السنين..عم تلملم صدى هدير المي مع صوت الكون بعنينها اللي كله شجن وأنين وذكريات الزمان .. بيجسدها شباب بطقوس “النكس من فوق الناعورة ” اللي بتغويهن ليطلعوا عا دراج الحجر ويتمسكوا بوشاحاتها ليوصلوا ﻷعلى نقطة فيها وهي عم تدور ويقفزوا ليغوصوا بالعاصي كحالة من التمازج بين أرواحهن و روح النهر ونواعيره….
هالطقس خلاني فوت عالتاريخ العتيق و فتش عا حكاية الناعورة (القارقفونو).. اسمعوا شو بتقول الحكاية :
بتقول كتب التاريخ انو الثورة الزراعية صارت باﻷلف التاسع ق.م باكتشاف اﻹنسان للزراعة بمنطقة الجزيرة الفراتية.وصار بحاجة للمياه للسقاية ..وبيحكوا المؤرخين انو السوريين برعوا بكل نواحي العلوم وابتكروا طرق و أساليب متعددة بتتعلق بالزراعة والري والسقاية (من 6500 ق.م) بدأ السوري يستخدم وسائل الري الصناعية فابتكر السدود والسواقي والقنوات وأعظم ابتكار كان النواعير.. فبدأ بجر الماء عبر سواقي وأقنية مبنية من الحجر والفخار متل قناة ماري الشهيرة (قناة ربة الينبوع) ممتدة من نقطة التقاء الخابور بالفرات بمدينة ترقا اﻷثرية حتى مدينة ماري من 2900 ق.م…. وقناة العاشق (حكيتلكن عنها) من سلمية ﻷفاميا…
وكمان في قناة من قاسيون عبر القلمون لمدينة تدمر ( من اﻷلف اﻷول ق.م )…
أما السدود (حواجز الماء) فكانت على نهر دجلة والفرات متل السدود السومرية بالعراق ..وسد قادش (قطينة) عالعاصي بسوريا.. وطبعا السواقي كانت موجودة بكل مكان عاﻷنهار..أما أعظم ابتكار فكان النواعير المخصصة لرفع مياه العاصي لﻷراضي بحماة..
بالقرن ال18 ق.م (1800 ق.م) وجدت لوحة من الفخار بالقرب من الفرات بتظهر فيها طريقة استخدام الماء للري بالشادوف (الميزان) وبالدولاب البسيط وبالنواعير المتنوعة بأحجامها..
غالبية المؤرخين بيعتبروا انو نواعير حماة بسوريا اللي وجدت آثارها من آلاف السنين هي اﻷقدم وانو سوريا هي الموطن اﻷول للنواعير بالعالم (كشفت حفريات القلعة القديمة بحماة على انو أهلها عرفوا أساليب قديمة للري من أكثر من 3000 سنة ق.م ..وغالبا انو هالوسيلة للري كانت على شكل الناعورة الحالي).. وطبعا بالعراق بأعالي الفرات موجود آثار لنواعير بأشكال مختلفة بمنطقة اﻷنبار ..حريصة..الحديثة..عانا..راوه..
وبمصر بمدينة الفيوم عالنيل موجود سواقي (نواعير صغيرة)..
وبدمشق القديمة على نهر بردى (بر_آدد = ابن حدد) اللي بيعبر المدينة ومياهه بتبرم (بتدور) دولاب صغير فبيتحرك مسنن .وهالمسنن بتحرك واحد تاني لينقل الحركة لمسنن عمودي بيحمل صناديق خشبية لترفع المي من النهر للبساتين والبيوت…وبعدين صار نظام الناعورة اللي هوالفكرة اﻷرقى بعملية رفع المياه الجارية باﻷنهار والدوران للدواليب بالقوة المائية..
هلأ علماء التاريخ ماقدروا يحددوا التاريخ الحقيقي للنواعير ..قال ﻷنو مافي اثباتات ودلائل مادية ﻷنها كانت تصنع من الخشب ..لكن بحماة موجودة اثباتات ودلائل مادية على قدم وجودها (طبعا غير الناعورة الخشبية اللي من أول ما اخترعوها وهنن بيجددوها بشكل مستمر كل سنتين ليحافظوا على وجودها ) ..في الجزء الحجري من الناعورة اللي هو الكتلتين الحجريتين المثلثة والبرج..والحجرية اللي هي عبارة عن قناطر متعددة مبني فوقها القنوات اللي كان يتسرب فيها الماء من الناعورة ..وهاﻵثار المادية هي الباقية كشاهد على وجود النواعير بكل مناطق حماة من آلاف السنين…وحددوا انو تاريخ هالقناطر بيرجع ﻷكثر 2700 ق.م.. (( فيا سوريين أرجوكن لا بقى تقولوا انو القناطر والقنوات رومانية ﻷنها ببساطة موجودة قبل الرومان ب 2400سنة ق.م بس!!!))..
وقرروا باﻵخر انو نواعير حماة بترجع ﻷيام اﻵراميين ﻷنو في بآثار سورية منحوتات ولوحات فسيفسائية أثرية بتصور النواعير متل كشوفات اﻵثار قرب قلعة شيزر اللي كان فيها أقدم وأضخم ناعورة (تعوا وشوشكن كلمة : دمروها العثمانيين قال ﻷنو بيسكن فيها جني)..
والمهندس الروماني (ماركوس فيروفيوس بوليو) قال بكتاباته القديمة :”ان النواعير اخترعت قبل الرومان بكثير..وهي اختراع سوري قديم جدا جدا..ﻷنه لم يكتشف بروما أي أثر لوجود نواعير قديمة مثل نواعير حماة “
وفي أقدم لوحة فسيفساء وجدت بين أطلال أفاميا اﻷثرية بشارع اﻷعمدة على بعد 55كم من حماة بيرجع تاريخها ل 469 ق.م بتصور نواعير عم تدور والمي عم يتطاير حواليها..موجودة اللوحة بحديقة المتحف الوطني بدمشق…
والمؤرخ اﻷلماني (سوبران هايم) قال : “إن الصليبيين قد اقتبسوا صنع النواعير من بلاد الشام فأنشأوا قرب فرانكفورت نواعير تشبه نواعير حماة”..طبعا صورة طبق اﻷصل حتى انهن أخدوا معهن من حماة عمال حرفيين ومعلمين بصناعة النواعير..وبقيوا بألمانيا من وقتها…ويمكن يطلعلكن قرايب بفرانكفورت يا أهل حماة…
كأنو استرسلت بالتاريخ كتير؟ بس معلش هيدي معلومات مهمة وكتير ضروري انو نعرفها بحكاية الناعورة ….
فالنواعير الحقيقية اللي بدأوا عندها المؤرخين بالبحث ورجعوا الها هي نواعير حماة اللي ثبت باﻷدلة بأنها اﻷقدم واﻷكبر والفريدة من نوعها مو بس بسوريا إنما بالعالم بأسره..
والناعورة هالتحفة الفنية أصل تسميتها لغويا من فعل نعر = بمعنى أحدث صوت فيه نعير وهو صوت يصدر من أقصى اﻷنف..فسميت ناعورة لصوتها…وبالعراق اسمها ناعور..وبمصر اسمها سواقي..
أما اسمها القديم اﻷصلي (قبل التعريب ) فهو (قارقفونو =قرقفونو)..من قرقفتو ..قرقفتي من فعل قرف (كسر) ويعني صوت الخشب لحظة كسره ..ومنها طلع اسم الناعورة ..(قارقفونو ) وبتعني صوت الخشب المكسور المقروف أثناء تدويره (برمه) ولحظة ملامسته للمياه الجارية..
(لهلأ منستعمل هالكلمة بلهجتنا بحمص وحماة : يقرفك انشالله .. يعني يصير صوتك متل صوت الخشب ..)..
وطبعا من صوت الناعورة ميزوا الحموية من 20 – ل 170 نغمة قدروا من خلالها يعرفوا مقدار كمية تدفق الماء من العاصي (يعني متل عداد قياس التدفق بعصرنا)..
والناعورة بالتعريف هي احدى وسائل الري المبتكرة وهي عبارة عن آلات مائية خشبية دائرية (دواليب) موجودة على نهر العاصي بحماة …وهي ذات حركة دائمة.. بتدور بفعل القوة المائية وبتنقل الماء اثناء دورانها ..بتنقلب وبتغطس صناديقها الفاضية بالنهر وبترتفع مليانة بالماء وبتصبه بقناة مرفوعة على قناطر حجرية ومنها بتوصل للبساتين واﻷراضي..فوظيفة الناعورة هو حمل الماء لمستوى أعلى من مستوى نهر العاصي (المنخفض مجراه بحماة عن مستوى الحوض ب 75 م.).. وهالطريقة ملائمة لهالإنخفاض الكبير للإستفادة من مياه العاصي..والناعورة كانت أفضل وسيلة للري توصل الها اﻹنسان السوري من آلاف السنين..(بتتذكروا حكيتلكن بحكاية نهر العاصي المتمرد عن اسطورة مارسياس كامبوس وعقاب اﻵلهة الو وللشهود وفكرة اختراع الناعورة)….
وهالناعورة بتروي 500 دونم وبيوصل قطرها ل25 م ..وبتدور دورة كاملة كل 20 ثانية بتعطي خلالها 2400 لتر من الماء..وهيك تفوقت على آلات عصرنا اللي بتشتغل بالنفط والكهربا وبالجهد البشري…
وانشاء الناعورة بتشمل جزأين من البناء :_ بنائي حجري _وانشائي خشبي… وقبل انشاء أي ناعورة ووضعها قيد العمل بيتم باﻷول تعيين الموقع اللي رح تتوضع فيه بعدين بيقطعوا مياه النهر عن الموقع بعرض النهر عن طريق بناء سد أمام مكان الناعورة لحجز المياه وإجبارها عالتدفق بسرعة بانحدار خاص بالناعورة نحو فتحات (بوابات صغيرة محددة اسمها البيب) .. وبفعل المياه المتدفقة وبقوة اﻹرتطام بالفراشات بتدور الناعورة…وبعد بناء السد بيبدأوا بأعمال بناء الجزء الحجري اللازم للناعورة وبيشمل بناء كتلتين من الحجر الضخم.. (طبعا هالتقنية من صنع سد وركائز وكتل حجرية وقناطر اقتبسها أبولودور الدمشقي المهندس العظيم من موطنه اﻷصلي سوريا ليعمر جسر الدانوب برومانيا حسب كلام المؤرخ الروماني جوفيال عن أعمال أبولودور )..
والكتلتين هنن :_الكتلة المثلثة اللي رح تحمل القلب (محور الناعورة) اللي رح تدور حوله..والكتلة التانية _كتلة البرج اللي رح تحمل الساقية وبتتصل بالحجرية (القناة المحمولة على قناطر)..وبين هالكتلتين بيتركوا فراغ مناسب لنصب الناعورة فيه.. وطبعا لتضل دايرة وتقوم بعملها بشكل مقبول.. وبيلزم توقيفها مرة كل سنتين ﻹجراء عملية الصيانة اللي اسمها القشط وبتتضمن تبديل بعض القطع أو تصليحها وبتصير بعد مايوقفوا الناعورة عن الدوران وبفصل الربيع..وهاد كان الجزء البنائي الحجري …
أما الجزء الخشبي للناعورة قبل ما احكي عنه لازم تعرفوا شغلة انو الحموية الرائعين بيعتبروا وبيقدروا الناعورة ككائن حي بشري الو قلب بيحس ومشاعر ولسان بيحكي وصوت بينوح وبيغني..وصدر وكنف وايدين بتشتغل…
والناعورة مكونة من أخشاب منوعة بطولها وعرضها ووظيفتها بترتبط جميعها بمحور سميك من خشب الجوز اسمه -القلب- وهو مركز الناعورة..ومرتكز على قاعدتين متوضعتين على قواعد حجرية قوية صلبة اسمهن -الكتفين- مصنوعين من خشب الجوز أو اﻵهين ..وبيشكلوا مساند (مخدات) تحت القلب..وعلى محيط القلب موجود قطع سميكة مصنوعة من خشب المشمش اسمها -الصدر-أو الصير بتتوضع عليهن -العتبات -أو اﻷعتاب هنن متل أشعة الشمس وعددن 16 عتبة مهما اختلف حجم الناعورة من ال 5 م -لل 25م…وموجودين بكل -دائرة-وطبعا لكل ناعورة في دائرتين مصنوعة من خشب الجوز..وبنهاية الناعورة في أخشاب معترضة هي اللي بتلتقي مع تيار الماء المتدفق اسمها -الوشاحات -أو الفراشات مصنوعة من خشب التوت وبتتدافع مع بعضها البعض فبتدور الناعورة على قلبها باستمرار..وبين الدائرة والوشاح في قطع مصنوعة من السنديان اسمها -اﻷطابيع- مع قطع من خشب التوت اسمها -الرادين-مدقوقة رؤوسها العليا ب- أسافين – خشبية صغيرة مدقوقة باﻷسفل الداخلي للدائرة العليأ للناعورة وبتتثبت الرادين من اﻷطراف اﻷربعة بقطع خشبية مصنوعة بدقة شديدة اسمها -القراعات- وبطرف الدائرة معلقة -الصناديق الخشببية- اللي بتجمع وبتحمل الماء من النهر عبر -المياذيب- ﻷعلى الناعورة لتصبه بالقناة .. وأسفل وأعلى الصندوق اسمه -القبون- أو الطبون ..والشكل الجانبي اسمه -الطبق-
ومنشان اعطاء الناعورة قوة دوران بيضيفوا قطع من خشب الجوز اسمها -الريش- أما -الجامعات- المصنوعة من الشوح فمخصصة كمان لزيادة قوة الدوران..والخشب الواصل بين الجامعات مع اللي حولها اسمه العضايض….أما اﻷبواب فمصنوعة من الشوح وهي عريضة بتتثبت الوحدة فوق وشاحين متقابلين وبتتحرك من دخول الناعورة الدايرة بالماء…
وأكبر ناعورة هي المأمورية وبيبلغ قطرها 24 م ووزنها 40 طن.. وبتتوزع النواعيرعلى مجرى العاصي من الرستن لمنطقة العشارنة وعدد مواقع النواعير بين 80 -100 موقع ..وببداية القرن ال20 كان عددن 105 نواعير منها 25 بمدينة حماة…واليوم ما بقي إﻻ 40 ناعورة موجودة 19 منها بحماة بتنتظم بخمس مجموعات :
-مجموعة البشريات (الجاجية) : البشريتان والعثمانيتان…
-مجموعة الجسريات (اليزبكية) :الجسرية..المأمورية.. المؤيدية.. والمسرودة..
-مجموعة الكيلانيات : الجعبرية (المرستانية).. الطوافرة.. الكيلانية (الباز).. الجعبرية الوسطى..
-مجموعة شمال القلعة : اليخضورية.. الدوالك.. الدهشة..
-مجموعة باب النهر : الدهبية (المحمدية).. القاق (البحصاصة).. والعونية والبركة اندثروا وماعاد موجودين…باﻹضافة لنواعير موجودة قرب حماة متل كازو الكبرى.. الخريسة.. الصخرية..الضاهرية … وخارج حماة على مجرى العاصي كان موجود 72 ناعورة وبيسموا اﻷراضي الموجودة فيها النواعير باسم (زور ).. متل زور العاشق.. زور غور العاصي.. زور الجنان..زور سريمين.. زور أرزة.. زور قمحانة.. زور حلفايا.. زور شيزر.. زور العقادة بمحردة…….الخ….
وبالنهاية بتمنى تقرأوا شو كتب الشعراء والمؤرخين والرحالة عن حماة ونواعيرها..ورح اختم الحكاية بمقولة المؤرخ الحموي أبو الفداء عن مدينته قال :
“حماة في الشام مدينة أزلية وهي من أنزه البلاد الشامية القديمة جدا والمصاحبة للزمان وبها نواعير على العاصي تسقي بساتينها ويدخل الماء إلى كثير من دورها..”
ومع كل حكاية ببحث فيها ﻹحكيلكن اياها بكتشف قديش السوريين هنن شعب رائع عظيم مبدع خلاق وصاحب فكر وعقل منفتح …أرجوكن لا تسمحوا لحدا تحت أي مسمى أو حجة أو عنوان انو يحبس ويحجب ويقوقع عقلكن وفكركن ..
المصدر: صفحة مازن عدي