إنه نيسان/ إبريل شهر الأحواز المحتلة. يوم قضمت إيران في 22 منه إمارة عربية أحوازية دون أن ترف للغرب أو الشرق أي عين أو جفن، كما كان العرب في تلك المرحلة يغطون أيضًا في نوم عميق وما يزالون، وضمن حالة تشظٍ كبيرة، وانشغالات كثيرة، كما هي أحوالهم اليوم وفي آننا الحاضر.
منذ سبعة وتسعين عامًا تم احتلال إقليم الأحواز العربي الذي تبلغ مساحته 370.000 كم مربع، ويتجاوز عدد سكانه اليوم 12 مليونًا. وحيث تتغول الدولة الإيرانية على جل المحيط الإقليمي والعربي، فهي بذلك تحاول إعادة مجد الدولة الفارسية التي سادت عبر التاريخ ثم بادت، بعد الفتح الإسلامي العربي، وتحولت إلى جزء من الدولة الإسلامية الممتدة، وقد دخلت إيران/ فارس الإسلام لكنها بقيت تتحوقل، وتتطلع إلى فرصة تتمكن عبرها الخروج من كنف الدولة الإسلامية العربية، وإعادة بناء دولتها الامبراطورية الفارسية خارج نطاق العرب.
عندما انتصرت ثورة الشعوب في إيران عام 1979 منهية حكم الشاه، جاءتهم الفرصة من جديد فحوّل الإسلاميون الخمينيون البلاد من نظام ملكي متحالف مع الولايات المتحدة إلى نظام ثيوقراطي بامتياز، بمضمون قومي فارسي يتطلع إلى تصدير الثورة الخمينية وإعادة قيام الامبراطورية الفارسية الإيرانية التي تتمدد شرقًا وغربًا من أجل الوصول إلى مبتغاها وهو إقامة تلك الدولة الكبرى بطموحات وأطماع لم تعد خافية. فبدأت في حربها على العراق بين عام 1980 وعام 1988 التي انتهت إلى هزيمة إيرانية كبرى، وهو الذي أدى إلى تجرع كأس السم، كما سماها الخميني في ذلك الحين، وقبوله بوقف الحرب الخاسرة، ومن ثم العودة إلى الداخل والاشتغال على مداميك البناء الداخلي النووي، الذي أنتج ما أنتج من قدرات إيرانية، جعلت من الغرب يهرول نحو مفاوضات حثيثة لإعادة رسم ملامح وضع واتفاق نووي إقليمي يُحجِّم من دور إيران المتطلع نحو دول الإقليم، والتغول على كل المحيط العربي، وهو ما يُلحظ اليوم من وجود الإيرانيين في العراق منذ سقوط بغداد عام 2003، ومن ثم وجودهم الفاعل في لبنان عبر أداتهم حزب الله، ودخولهم الاحتلالي إلى سوريا إبان الثورة السورية عام 2011، وكذلك إلى اليمن عبر أدواتهم من الحوثيين، حيث أصبحت إيران هناك تهدد بشكل يومي أمن دول الخليج برمتها، وأولها المملكة العربية السعودية.
لكن يبقى الأكثر أهمية بالنسبة للإيرانيين هو فعلهم الوجودي المتمكن في سوريا، حيث يسيطرون ليس فقط على القرار العسكري للنظام السوري، بل كذلك على القرار السياسي الذي بات ألعوبة بيد الإيرانيين والروس على حد سواء. وهم إن كانوا قد تمكنوا من أن يجعلوا من الأحواز العربية جزءًا من الدولة الإيرانية (بحكم الصمت الدولي) ومحافظة داخل إيران يطلقون عليها تسمية (خوزستان) بدلًا من الاسم الحقيقي الأحواز، حتى تتم عملية شطب اسمها العربي، إلا أن وجودهم الاحتلالي داخل الجغرافيا السورية، هو محاولة قوية من أجل وصل طهران ببغداد بدمشق ثم بيروت عبر هيمنة إيرانية على الهلال برمته، وتهديد الآخرين لتكون لهم اليد الطولى في زعزعة أمن المنطقة، وحجز مكان لهم ضمن دول المنطقة الكبار، من أجل أطماع طالما حلموا بها.
من هنا فقد كان ما يربط الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة، بثورة الأحوازيين المستمرة الكثير الكثير، في مواجهة الطغيان الكبير من دولة الملالي الإيرانية، ومما يجعل الثورتين في حالة استمرار لا ينقطع من أجل الاستقلال، ودحر الوجود الاحتلالي الكولونيالي الإيراني الذي يهدد وجود الأحوازيين بمجمله، كما يهدد وجود سوريا كلها إذا لم تتمكن قوى الثورة والمعارضة السورية من استهداف الوجود الإيراني في سوريا، وهو الذي أعاد قيامة النظام السوري من خلال ميليشياته الطائفية والحرس الثوري الإيراني على الأراضي السورية حيث ينوف عدد مقاتلي هذه الميليشيات على 100 ألف عنصر، يعيثون فسادًا وإفسادًا واشتغالًا على التغيير الديمغرافي على الأرض السورية.
وما يجب ملاحظته أن المشكلات في الواقع السوري المعارض، والواقع الأحوازي المناهض للوجود الإيراني على أرض الأحواز تتشابه من حيث الأمراض وحالات التقارب التي بات من الضروري الاشتغال عليها حثيثًا كي تتمكن قوى الثورتين في سوريا والأحواز من كنس الاحتلال الإيراني وإعادة رسم ملامح وضع سوري وأحوازي أكثر قدرة على الوجود الوطني الذي يبني نفسه ويقيم دولة القانون المتحرر من كل أشكال الاحتلال. ويمكن إيراد العديد من النقط المتشابهة لدى السوريين والأحوازيين في معاركهم ضد الوجود الإيراني الاحتلالي، نذكر منها:
- حالة التشظي والانقسام الأفقي والشاقولي داخل كيانات قوى الثورة والمعارضة السورية والأحوازية، حيث يقيم الأحوازيون المجلس الوطني الأحوازي منذ سنوات وهو يحاول لملمة الصفوف الأحوازية المناهضة للإيرانيين دون قدرة على ذلك، فلم يمتلك المجلس الوطني الأحوازي الإمكانية بعد لحشد سوى الجزء اليسير من قوى الثورة الأحوازية داخله، وما زال الكثير من الفصائل والأحزاب الأحوازية خارج نطاق المجلس الوطني، بل حتى خارج إمكانية التنسيق المشترك لقلع الاحتلال الإيراني، وهم بذلك يتشابهون كثيرًا مع الحال السوري الأكثر تذررًا وتشظيًا، وما شهدناه مؤخرًا في جسم الائتلاف (من إصلاحات مفترضة) يشير إلى ذلك بكل وضوح.
- التخلي الغربي والإقليمي عن دعم الثورة الأحوازية حيث يحجم الكثير من النظام الرسمي العربي عن دعم الأحوازيين وتترك انتفاضاتهم المتلاحقة دون دعم عربي أو إسلامي، بل تذهب بعض الدول العربية إلى دعم قوى معارضة إيرانية أخرى غير عربية وغير أحوازية، ويتخلون نهائيًا عن دعم الأحوازيين، وهي حالة شبيهة أيضًا بما جرى للثورة السورية التي شهدت مؤخرًا الكثير من التخلي والخذلان العربي والعالمي، حتى راح البعض يتهافت لإقامة علاقات مع النظام السوري.
- تراجع كلي في وجود القضية الأحوازية على أجندات الدول الكبرى، وانحسار أممي كبير عن إعادة طرح القضية الأحوازية عالميًا وأمميًا كقضية استقلال وحق تقرير مصير، في وقت يدرك فيه الجميع أن إيران تحتل دولة إقليمية عربية ممتدة على جل الطرف الآخر من الخليج العربي. وهذا الواقع يشبه إلى حد كبير الواقع السوري الذي بات تموضعه على أجندات الدول الكبرى متراجعًا ومختزلًا قياسًا على ما كان عليه الوضع إبان انطلاق الثورة السورية عام 2011.
كل هذه المعطيات أوجدت حالة من التساوق والتعاون والمصير المشترك بين السوريين والأحوازيين، وهي التي يجب أن تستمر كذلك، ولتكن أكثر متانة لأن العدو واحد والمحتل مشترك، ومن ثم فإن آليات الانتفاض والتعامل مع هذا العدو يفترض أن تكون متقاربة من بعضها، لأن النصر فيما لو حصل، سيكون منعكسا بالضرورة على واقع الأحواز أو سوريا بكل تأكيد. وهو ما يفترض أيضًا المزيد من التنسيق بين قوى الثورتين على طريق كنس الاحتلال الإيراني الذي بات يشكل خطرًا على الإقليم برمته، وليس فقط على الواقعين السوري والأحوازي، وهو ما لم يدركه الكثير من أركان النظام الرسمي العربي، عبر عدم وجود أي مشروع عربي رسمي قوي، يواجه المشروع الإيراني الذي أضحى يهدد في أخطاره الجميع بلا استثناء.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا