يتابع مراقبون مواقف «هيئة تحرير الشام» المتعلقة بطبيعة تعاملها مع اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الموقّع في موسكو، فعلى عكس الاتفاقات السابقة يبدو موقف الهيئة من الاتفاق الحالي متوازناً إلى حدٍّ ما، فلم ترفضه كما أنها لم تقبل به، وأشادت بدور الحكومة التركيّة في حقن دماء المدنـيين.
علاقة المصلحة المتبادلة
ويرى الباحث محمد الحوراني، أن علاقة الهيئة مع تركيا أشبه بعلاقة المصلحة المتبادلة، «فعلى الرغم من قيام أنقرة بتصنيف جبهة النصرة، وهيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ معاً كمنظّمات إرهابيّة، لكنّها في الوقت نفسه تتساهل معها في إدلب نظراً للدور الذي تلعبه الهيئة، إضافة إلى تغيّر موقف الأخيرة من الجيش الوطني السوري وموافقتها على دخول أرتاله إلى إدلب للمشاركة في المعارك الأخيرة، وعلى هذا يمكن القول إنّ العلاقة الجدليّة بين الهيئة وأنقرة ستستمر بهدف منع الاحتكاك بين الطرفين. أي أنّ أنقرة قد تلجأ إلى إعادة تسويق الهيئة ككيان سياسي مقابل عدم اعتراض الأخيرة على الوجود التركي في إدلب».
ويقول الباحث في حديث لـ»القدس العربي»، حسب دراسة أعدها معهد «Clingendael» للدراسات الدوليّة في هولندا: إنّ المخابرات التركيّة تعمل على استغلال براغماتيّة بعض قيادات الهيئة بهدف فصلها عن القيادات المتشددة تمهيداً لتعديل بنيتها وإزالة صفة «الإرهاب» عنها، وتشير الدلائل إلى أنّ حل هيئة تحرير الشام لن يكون حلاًّ للمشاكل المستعصية في إدلب خاصّةً أن الخلافات بين الفصائل قد تندلع في أي لحظة، إلاّ أنّ ذلك لا يعني عدم وجود بديل، والبديل هو تشكيل حكومة وحدة وطنيّة جامعة».
حول الموقف الأمريكي من «تحرير الشام»، يضيف الباحث «قرأنا جميعاً تصريح المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري بخصوص موقف بلاده من هيئة تحرير الشام، والذي ذكر فيه أنّه وعلى الرغم من أنّ بلاده ما زالت تصنّف جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام على قائمة الإرهاب، إلاّ أنّ الأخيرة ركزت منذ زمنٍ على قتال الأسد، كما أنّ الهيئة تُعَرِّف عن نفسها بأنّها معارضة وطنيّة تضم مقاتلين وليس إرهابيين، لكنّهم- أي الأمريكيين- لم يقبلوا بهذا الوصف، علماً بأنّ الهيئة لا تشكّل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، ويُقال هنا بأنّ جيفري عقد اجتماعاتٍ «سريّة» مع قيادات الهيئة بحضور مندوبين عن المخابرات التركيّة دون وجود أي تفاصيل إضافيّة عن فحوى الاجتماع». معتبراً أنّ واشنطن ستعمل أو قد تعمل على تعويم الهيئة بالتعاون مع الأتراك في إطار خطّتها في إدلب، وما عدا ذلك لا يبدو أنّ هناك شكلاً من أشكال التعاون بين واشنطن والهيئة.
ويعتقد الباحث أن متشددي الهيئة انفصلوا عنها بسبب مواقف الجولاني البراغماتيّة، وابتعاده عن الفكر الجهادي، وقد نرى ازدياداً في حركة الانتقال من الهيئة إلى تنظيم حرّاس الدين في قادم الأيّام تأثّراً بفشلها في صد النظام واضطرارها إلى الاستعانة بالجيش التركي وحلفائه لإيقاف زحف النظام.
وفي السياق ذاته، يذهب الباحث في مركز «جسور» للدراسات مجد كيلاني، إلى أن «هيئة تحرير الشام» تبدي التزاماً كبيراً، فهي ابتعدت بشكل كبير عن أيديولوجيتها المتطرفة بعد تحجيم أغلب الأصوات الشاذة داخلها، كما أصبحت أداة ضبط بيد تركيا تقوم بتنفيذ الالتزامات المترتبة عليها كافة، وأحياناً تقوم بمهام بالوكالة.
ويقول الباحث في حديث لـ»القدس العربي»: إن «علاقة تحرير الشام بحراس الدين هي علاقة خفية، الهدف منها ضبط هيئة تحرير الشام تصرفات تنظيم حراس الدين داخلياً على مستوى الجزء المحرر، أو من ناحية منعهم من القيام بأي استفزازات للجانب التركي، من حيث خرق الاتفاق أو أي أمر قد يصدر عن حراس الدين قد لا يصب في مصلحة الثورة عموماً، ويضر بمصالح الجانب التركي بشكل خاص».
موضحاً أنه لا يوجد انشقاقات داخل تحرير الشام، «إنما هناك إحجام عن العمل معها، والتعامل معها، وهنا نتكلم حول الجانب العسكري، حيث لم يعد هناك ثقة بفصيل هيئة تحرير الشام الذي قدم نفسه كدرع للمناطق المحررة، وقضى على أغلب الفصائل بحجة إدخال الروس وإجراء تسويات وعمليات المصالحة كما حصل في درعا والغوطة، حيث أن أغلب عناصره فضلت الالتزام بعدم القتال، كما أن الدعوات التيتم توجيهها للالتحاق بمعسكراتها مؤخراً لم تلق رواجاً، باختصار الدخول التركي أفقد الهيئة قيمتها».
الموقف الأمريكي
ويؤكد الصحافي عمر حسن أن لا أحد داخل الهيئة أو خارجها يتوقع حل الهيئة نفسها ضمن الهيكليات الحالية في المنطقة، وإن كان سيحصل هكذا مشروع فهو مرهون بإطار أوسع من الفصائل، ولا دلائل حتى الآن عليه في المدى المنظور.
ويقول لـ «القدس العربي»: إن الموقف الأمريكي يعطي مقاربة جديدة تراعي أن معظم مقاتلي الهيئة من الكوادر السورية، ولذلك يتم فصلها عن القاعدة رغم النقاط المشتركة مع معظم الفصائل الإسلامية، إلا أن المقياس الأمريكي هو في عداء هذه الفصائل للأمن القومي الأمريكي ومشروعها العابر للحدود، والهيئة في السنة الأخيرة أرسلت رسائل بخصوص عدم السماح بهذين المشروعين داخلها، مما اعتبر جزءً من إعادة تأهيل لها دولياً.
إلا أن القيادي في «تحرير الشام» الملقب بـ»أبو عباس الشامي» ينفي أن تقوم الهيئة بحل نفسها، معتبراً أن ذلك يأتي في إطار الحرب الإعلامية ضد الهيئة.
ويقول لـ «القدس العربي إن: «تحرير الشام تمثل مشروع ثورة أهل الشام، ولن يكون هناك بديلاً لها، إلا إذا اندمج الجميع بمشروع واحد كما تطالب الهيئة، فتحرير الشام مشروعها هو الذي يمثل الثورة باعتباره وسطاً بين الغلو والتفريط».
المصدر: «القدس العربي»