للموسم الثالث على التوالي تنخفض إيرادات المياه الواصلة إلى نهري دجلة والفرات سواء من تركيا وإيران أو من الأمطار وذوبان الثلوج في قمم الجبال العراقية التي يبدو أنها كانت دون مستوى الطموح لتعزيز الخزين المائي للبلاد في الفترة المقبلة.
ويعتمد العراق في تغذية أنهاره سنوياً على المياه القادمة من تركيا وإيران خصوصاً في فصل الربيع فضلاً عن الأمطار والثلوج، إلا أن الموسم الحالي شهد انخفاضاً كبيراً وغير مسبوق منذ عدة سنوات، وهو ما بدى واضحاً في انحسار مساحة نهري دجلة والفرات داخل الأراضي العراقية وجفاف أنهر وبحيرات في محافظة ديالى مثل حمرين ونهر ديالى.
اختفاء حمرين
وأدى تراجع إيرادات المياه في ديالى البالغ عدد سكانها مليون و600 ألف شخص خلال العام الحالي المتمثلة بالسيول القادمة من إيران وقلة تساقط الأمطار بشكل كبير إلى انخفاض خزين بحيرة حمرين البالغ ملياري متر كعب إلى أكثر من 95 بالمئة، مما أثر سلباً على القطاع الزراعي وأجبر العديد على هجر مهنة الزراعة والتي يعتمد عليها أغلب السكان.
وقال عون ذياب مستشار وزير الموارد المائية العراقية إن “الخزين المائي المتاح هو أقل بكثير مما لدينا في العام العام الماضي لكونه انخفض بنسبة 50 بالمئة بسبب قلة الأمطار و الواردات القليلة من دول الجوار.
وأضاف في تصريحات صحافية أن “سنوات الجفاف المتعاقبة: 2020 و2021 و2022، كان لها تاثير قوي على وضع الإيرادات المائية في العراق”، لافتاً إلى أن هذا الأمر يعطي تحذيراً لكيفية استخدام المياه خلال الصيف القادم و خلال الموسم الشتوي.
ضياع 11 مليار متر مكعب
من جانبه قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية علي راضي إن الوزارة حذرت في دراستها الاستراتيجية للأعوام 2014-2035 من خسارة العراق لأكثر من 11 مليار متر مكعب من مجموع الإيرادات التي تصل للبلاد.
وأضاف أن عام 2019 شهد سنة فيضانية رطبة وبلغ معدل الإيرادات 140 بالمئة من المعدل المتوقع، مبيناً أن هذه الإيرادات المائية أدت في حينها إلى ارتفاع منسوب الخزين بشكل كبير جداً ما أدى إلى تلافي الشح المائي في السنوات الحالية.
وأوضح راضي أن هناك عوامل أخرى تسببت بانخفاض إيرادات المياه، منها التوسع السكاني الكبير على الأنهار خاصة لدول المنبع بالإضافة إلى التوسع في إنشاء السدود الخزنية الكبيرة ومشاريع الري واستغلال الأراضي، مؤكداً أنها أدت إلى زيادة استهلاك المياه وبنسب كبيرة ما أثر على نوعية المياه الواردة إلى العراق.
وخلال السنوات الماضية دعت الحكومات العراقية مراراً وتكراراً كل من إيران وتركيا للتفاوض من أجل إيجاد حلول لموضوع تقاسم المياه بين الأطراف الثلاثة سواء بما يتعلق بنهري دجلة والفرات أو إرجاع مسار نهر الكارون إلى وضعه الطبيعي ليغذي شط العرب، إلا أنها لم تفلح في تحقيق نتائج إيجابية تذكر.
فعلى الرغم من كون العراق شريكاً تجارياً مهماً لإيران وتركيا ويعد من المستوردين الكبار للمواد المصنعة في الدولتين، فضلاً عن تعاقده مع شركاتهما لتنفيذ مشاريع في مختلف المجالات، لكن الجانبين كانا يسيران في اتجاه معاكس لهذا التقارب العراقي حيث اتخذا سلسلة من الإجراءات المستمرة التي زادت من خفض إيرادات المياه إلى البلاد بشكل كبير.
محطات التحلية
بدوره قال النائب السابق عن محافظة البصرة وائل عبد اللطيف أن حل أزمة المياه يكمن في إنشاء محطات تحلية المياه لمحافظة البصرة التي لا يصلها سوى المياه المالحة والملوثة.
وقال “إن محاصيل الحنطة والشعير تلفت لعدم وجود المياه، لكون المياه المتوفرة هي مياه عالية الملوحة”، لافتاً إلى أن البصرة أكثر المحافظات تضرراً باعتبارها آخر محافظة يصلها المياه وما يصلها فقط مياه الصرف الصحي والمياه الملوثة بمخلفات المصانع والمستشفيات.
أزمة دولية
وأوضح عبد اللطيف أن أزمة المياه في العراق هي أزمة دولية وتحتاج إلى مفاوض واثق من نفسه، مشيراً إلى أن بقاء الأوضاع على حالها من دون إيجاد حلول لحقوق العراق المائية سيعني تحول نهري دجلة والفرات إلى أنهر صغيرة وإلغاء مفهوم بلاد وادي الرافدين.
وترجع تسمية وادي الرافدين نسبة إلى وجود نهرين كبيرين في العراق وحجم الأراضي الزراعية التي تروى من هذين النهرين.
مشروع بتمويل بريطاني
وتابع أن الحل لأزمة المياه في محافظة البصرة هو بتحلية المياه والذي تبنت مشروعه سابقاً شركة بريطانية تقوم بسحب مياه البحر وتحليتها وإيصالها إلى كل بيت في البصرة، مبيناً أن هذا الحل هو الوحيد حالياً لأزمة المياه وتم طرحه العام الماضي لكن لم يتم تبنيه حتى الآن.
وكانت هيئة النزاهة العراقية حمّلت وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة مسؤولية تأخير تنفيذ مشروع محطة تحلية مياه البحر في محافظة البصرة.
وذكرت دائرة الوقاية في الهيئة في تقرير لها سلم إلى رئاسة الوزراء العراقية أن هناك تأخيرٍ واضحٍ من قبل الوزارة بخصوص الاستفادة من مبلغ القرض البريطاني البالغ قيمته 10 مليارات جنيه استرليني المخصص لإنشاء مشروع محطة تحلية مياه البصرة، مبينة أن الوزارة لم تتمكن من إبرام عقد مع أي شركة تخصصية لها باع وأعمال مماثلة في مجال تحلية مياه البحر، بذريعة التزامها بالتعاقد مع الشركات البريطانية حصراً.
وحث التقرير على ضرورة استثمار الوقت وتلافي المهدور منه لإنجاز هذا المشروع المهم (الاستراتيجي) الذي يخدم محافظة البصرة على وجه الخصوص ومحافظات الجنوب والفرات الأوسط بشكل عام وكذلك العاصمة بغداد، فضلاً عن كونه يضمن الأمن المائي للبلد، في ما لو تنصلت دول الجوار المسيطرة على منابع دجلة والفرات عن التزاماتها فيما يتعلق بالإطلاقات المائية.
وأشار التقرير إلى أن المشروع المزمع إنشاؤه يؤمن طاقة مائية تصل إلى مليون مترٍ مكعب في الساعة، وبالتالي فإنه يعد من أهم المشاريع الاستراتيجية التي كان من المفترض أن تذلل جميع العقبات التي تحول دون الإسراع في إنجازها.
الضغط على أنقرة
من جهته شدد رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية حسن التميمي على ضرورة الضغط على دول المنبع لضمان حصة العراق من المياه.
وأضاف التميمي أن “على وزارة المائية العمل من أجل ضمان حصة العراق من المياه والضغط على دول المنبع لا سيما بعد انخفاض منسوب دجلة والفرات وانخفاض معدلات الأمطار والثلوج”، داعياً الحكومة العراقية ومجلس النواب العراقي إلى الضغط على الجانب التركي لإعطاء حصة البلاد من المياه.
وأشار إلى أن العام الماضي لم تقلل المساحات الزراعية بنسبة 50 بالمئة بل أكثر من ذلك بسبب نقص المياه، لافتاً إلى أن الاتحاد ينتظر من وزارة الموارد المائية قرارها بشأن الخطة الزراعية الصيفية. وشدد التميمي على ضرورة اتباع الحلول والتقنيات الحديثة بالري الرش والتنقيط.
الحل في التحلية
بدوره قال المتخصص الدولي بالأمن الغذائي فاضل الزعبي أنه من الضروري لجوء العراق إلى مياه التحلية لمناطق الجنوب لأغراض الزراعة والشرب، والاعتماد على البذور التي تقاوم الملوحة العالية.
وأضاف الزعبي والذي كان يشغل منصب ممثلاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في العراق (الفاو) أن “دور العراق يعتمد على المياه العابرة للحدود، والدول التي فيها الأنهار سينخفض منسوب المياه فيها”، مبيناً أن هذه الدول بسبب هذا الانخفاض لا تعطي الحصة الكاملة بالتزامن مع شحة الأمطار مما سيؤثر على الخزين المائي والمياه الجوفية.
وأشار إلى أن أهم تلك الحلول تتمثل بمياه التحلية والتي لو بدأ العراق بإنشاء تلك المحطات قبل 15 سنة لكانت أرخص بكثير، لافتاً إلى أن هذه الحلول طرحت على الحكومة العراقية منذ عام 2007.
مياه الخليج
وتابع الزعبي أن بالإمكان تزويد المناطق الجنوبية بمياه التحلية من مياه الخليح وكذلك المناطق الشمالية والوسطى تعتمد على مياه الأنهار، مؤكداً أن المياه المحلاة ممكن أن تُحلى بدرجات مختلفة تكون إحدهما للشرب وأخرى للزراعة.
وأوضح أن بالإمكان استغلال ارتفاع أسعار النفط من أجل البدء بهذه المشاريع لا سيما وأن العراق بلد طاقة وليس له مشكلة في توفير الطاقة لتلك المحطات.
الترشيد والبذور
وهناك خطوات يجب الاعتماد عليها لتوفير المياه وهي استعمال الطرق الحديثة في السقي لتوفير المياه والاعتماد على بذور تتحمل درجة ملوحة عالية، لكون الكثير من البلدان بدأت بالزراعة بمثل هذا النوع من البذور ونجحت مثل الصين والسعودية بحسب الزعبي الذي أشار إلى أن هناك مزروعات ممكن أن تروى بالمياه المالحة مثل الشعير.
وينبع نهر الفرات من جبال طوروس في تركيا ليخترق الأراضي السورية ليدخل بعدها إلى الأراضي العراقية عند البوكمال في محافظة الأنبار ليلتقي بنهر دجلة ليكونا شط العرب.
ويبلغ طول نهر الفرات من منبعه في تركيا إلى حتى مصبه في شط العرب 2940 كم منها 1176 كم في تركيا و610 كم في سوريا و1160 كم في العراق، ويتراوح عرضه بين 200 إلى أكثر من 2000 متر عند المصب.
وينبع نهر دجلة من جبال طوروس جنوب شرق الأناضول في تركيا ويعبر الحدود السورية التركية، ويسير داخل أراضي سوريا بطول 50 كلم تقريباً، ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند قرية فيشخابور.
ويبلغ طول مجرى النهر حوالى 1.718 كم ينبع من تركيا ومعظم مجراه داخل الأراضي العراقية بطول يبلغ حوالى 1400 كم، وتصب خمسة روافد فيه بعد دخوله الأراضي العراقية وهي (الخابور والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم وديالى) وهذه الروافد تجلب إلى النهر ثلثي مياهه. أما الثلث الآخر فيأتي من تركيا.
المصدر: اندبندنت عربية