يواصل الائتلاف الوطني السوري المعارض تحركاته على الساحة الدولية، للاستفادة من أجواء المواقف الدولية الرافضة للغزو الروسي لأوكرانيا، ليطالب بتسلّم مقعد سورية في الأمم المتحدة، بدلاً من نظام بشار الأسد الذي كان من بين خمسة أصوات صوّتت ضد القرار الأخير للجمعية العمومية للأمم المتحدة المتعلق بإدانة الحرب الروسية في أوكرانيا. غير أن هذا المسعى يبقى صعب التحقيق، في ظل عدم حصول سابقة مشابهة مسبقاً وتراجع الاهتمام الدولي بالملف السوري.
وحث الائتلاف بعد اجتماع لهيئته السياسية، أمس الأول الجمعة، الأمم المتحدة، على نزع الشرعية الدولية عن نظام الأسد وطرد ممثله منها، و”منح مقعد سورية للائتلاف الوطني الممثل الشرعي للشعب السوري”، وفق ما جاء في الموقع الرسمي للائتلاف. ورأت الهيئة السياسية “أن نظام الأسد يشغل بشكل غير شرعي مقعد سورية في الأمم المتحدة، وينفذ الأوامر التي يمليها عليه (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، وهو ما يؤكد استخدامه المقعد لغايات ضيّقة تخدم إجرام النظام وروسيا فقط”.
وأكدت أن تصويت نظام الأسد في الجمعية العمومية ضد القرار الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، “لا يمثل سورية التي وقف شعبها مع الشعب الأوكراني الصديق، كما أنه يؤكد تبعية نظام الأسد لنظام بوتين”. واتخذت الهيئة السياسية قراراً بالتواصل مع الأمم المتحدة من “أجل استعادة المقعد السوري وإعطائه لصاحبه الحقيقي وهو الشعب السوري”.
استغلال الأوضاع الدولية للضغط على النظام
وقال أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف، عبد المجيد بركات، لـ”العربي الجديد”، إن النظام الذي يحتل مقعد سورية في الأمم المتحدة يمارس جميع أنواع الإجرام والتخريب في المنطقة ويهدد السلم الإقليمي والدولي. وأضاف أن الائتلاف يعتزم التحرك على الساحة الدولية لانتزاع مقعد سورية في الأمم المتحدة من يد النظام الذي لا يمثل الشعب السوري.
من جهته، قال عضو الائتلاف أحمد رمضان، لـ”العربي الجديد”، إن “الفرصة مناسبة الآن لضغط دولي من أجل تحقيق تقدم في تطبيق القرار 2254، في ضوء انشغال روسيا وهي الحامي الأساسي لنظام الأسد، بأزمتها في أوكرانيا وصراعها مع الولايات المتحدة والغرب”. وأضاف أن التحرك على الساحة الدولية “يرمي إلى استثمار اللحظة السياسية الراهنة وتحقيق اختراق تأخر كثيراً منذ بيان جنيف 1 في 2012”.
ورأى رمضان أن “النظام السوري يدرك أنه في وضع حرج، وأن داعميه في أزمة، سواء روسيا المثقلة بالأزمات، أو إيران التي تسعى إلى عدم ارتكاب أخطاء وهي على وشك تقرير مصير اتفاقها مع واشنطن بشأن برنامجها النووي”. وتابع: “هذا ما دفع النظام أخيراً إلى إبلاغ الطرف الأممي بمجموعة اقتراحات ملفتة للانتباه، منها دعوته إلى رعاية أممية لمفاوضات بينه وبين الإدارة الذاتية شرق سورية، وأخرى لمفاوضات مع تركيا، واستعداده لتقديم تنازلات مقابل رفع متدرج للعقوبات المفروضة عليه، وجاءت تلك المقترحات من مكتب بشار الأسد مباشرة”.
وأشار رمضان إلى أنه لدى المعارضة وفود تشارك في الاجتماعات الدولية، وتعتزم التوجه بخطاب إلى الأمم المتحدة لطلب تجميد تمثيل النظام في الأمم المتحدة، واعتبار ما يصدر عنه لا يمثل الشعب السوري.
وأعلن أن الائتلاف سيقدّم طلب اعتماد رسمياً لمقعد سورية في الأمم المتحدة، إلى جانب إدانة تصويت النظام لصالح روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الغزو الروسي لأوكرانيا. كما كشف عن وجود “تنسيق رفيع المستوى بين الحكومة الأوكرانية والائتلاف الوطني بشأن الموقف السياسي، فالشعبان السوري والأوكراني يخوضان معركة مشتركة ضد عدو واحد”.
مهمة صعبة في الأمم المتحدة
لكن مهمة المعارضة في هذا السياق تبدو صعبة التحقيق. وعلى الرغم من أن المادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أنه “إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ هذا الميثاق، جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن”، إلا أن ذلك لم يحدث مطلقاً.
وعن إمكان وقف عضوية دولة ما، تنص المادة 5 على أنه “يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قِبلَه عملاً من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناء على توصية مجلس الأمن. ولمجلس الأمن أن يرد لذلك العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا”.
ورأى المحامي محمود حمام، في حديث مع “العربي الجديد”، أن محاولة المعارضة طرد النظام من مقعد سورية في الأمم المتحدة، هي معركة إعلامية لفضح النظام، أكثر منها معركة قانونية. وأشار إلى أنه لا توجد سابقة لدى الأمم المتحدة بطرد دولة مهما كانت مارقة من عضوية الأمم المتحدة.
إلا أنه لفت إلى أن القانون الدولي هو قانون مرن ومتغيّر، حسب الظروف الدولية والمتغيرات السياسية، وهو ما تعوّل عليه المعارضة، مستدركاً أن هذا الموضوع عملياً صعب التحقق. وبما يخص شغل مقعد سورية في جامعة الدول العربية، أشار حمام إلى أنه حصلت سابقة بإعطاء المعارضة مقعد النظام في الجامعة، ولكن لم تستغلها المعارضة، ومن الصعب أن تتكرر.
كما استبعد الحقوقي السوري أنور البني أن تنجح جهود الائتلاف الرامية لأن يكون ممثلاً لسورية بديلاً عن النظام، قائلاً في حديث مع “العربي الجديد” إن أقصى ما يمكن الوصول إليه هو تعليق عضوية سورية في الأمم المتحدة.
لكن نقيب “المحامين السوريين الأحرار” سليمان قرفان، رأى في حديث مع “العربي الجديد”، أن الائتلاف يستطيع عن طريق إحدى الدول الصديقة تقديم مشروع لطرد النظام من الأمم المتحدة ويبقى مقعد سورية شاغراً، أو أن يتم الاعتراف بالائتلاف كممثل مشروع للشعب السوري إلى جانب حكومة النظام.
ولا يتوقع قرفان نجاح جهود الائتلاف على هذا الصعيد في الوقت الراهن، لأن الائتلاف لا يحظى برأيه باحترام كافٍ في المجتمع الدولي، و”عليه أولاً إعادة هيكلة نفسه، وإعادة تأهيل نفسه سياسياً وقانونياً”. وأضاف أن اليوم أنسب وقت للإقدام على هذه الخطوة في ضوء الحرب في أوكرانيا التي قد توفر تعاطفاً وتأييداً لقضية الشعب السوري.
من جهته، رأى الصحافي شادي عبدالله، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه بعد قرار جامعة الدول العربية بتعليق عضوية النظام فيها عام 2012، كان يجب على المجموعة العربية، ومجموعة أصدقاء الشعب السوري، أن يدفعا باتجاه رفع الشرعية الدولية عن نظام الأسد في الأمم المتحدة، وكان هذا ممكناً في ذلك الوقت قبل ظهور التنظيمات المتطرفة في سورية.
واعتبر عبدالله أن الوضع اليوم بات أكثر تعقيداً، بسبب تراجع التأييد الدولي للمعارضة، لكنه لفت إلى أن هناك طرقاً عدة يمكن اتّباعها، وهي مرهونة بجدية المجتمع الدولي برفع الغطاء الشرعي عن نظام الأسد، وتحتاج إلى خطة عمل قانونية ودبلوماسية محكمة تقودها المعارضة السورية وحلفاؤها للوصول إلى ذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تحركات متجددة للمعارضة السورية
وتأتي هذه التطورات في ظل تحركات متجددة للمعارضة الدولية على الساحة الدولية. ويعتزم وفد من الائتلاف الوطني برئاسة رئيسه سالم المسلط، زيارة القاهرة اليوم الأحد للاجتماع مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
وذكرت الدائرة الإعلامية في الائتلاف أن المسلط سيبحث خلال الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام، “تفعيل الدور العربي في العملية السياسية بما يحقق الانتقال السياسي في سورية وفق بيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها 2118 و2254”. وقال المسلط قبل سفره إلى القاهرة: “نتطلع إلى دور عربي فاعل في سورية وأن تلتزم الجامعة العربية بمسؤوليتها تجاه الشعب السوري”. ورأى أن أي عملية تطبيع مع نظام الأسد غير مقبولة، خصوصاً أن الأسباب التي أدت إلى طرد نظام الأسد من الجامعة العربية لا تزال قائمة.
كما زار وفد من الائتلاف برئاسة نائب رئيسه عبد الأحد اسطيفو، العاصمة الفرنسية باريس الخميس الماضي، وأجرى مباحثات مع مسؤولين في الخارجية الفرنسية تناولت بحسب بيان للائتلاف “العدوان الروسي على أوكرانيا وتداعياته على السياسة العالمية، خصوصاً القضية السورية”. وأكد اسطيفو ضرورة تغيير سياسة الغرب تجاه الملف السوري، وإعطائه أهمية أكبر، على اعتبار أن التراخي بالتعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سورية أدى إلى قيامه بغزو أوكرانيا.
وخلافاً لهذه الأجواء التي توحي بتصعيد الضغط على النظام، ذكرت السفارة الأميركية في دمشق أن القائمة بأعمال مساعد وزير الخارجية يائيل لامبرت، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسن، ناقشا الجمعة سبل المضي قدماً في حل سياسي للصراع السوري. وذكرت السفارة أن الجانبين بحثا “تنفيذ جميع جوانب قرار مجلس الأمن رقم 2254″، وذلك بعد أيام قليلة على نشر السفارة تغريدة توعدت فيها بأن الشهر الحالي سيكون شهراً لمحاسبة النظام على جرائمه بحق الشعب السوري.
وكان ممثلو 11 دولة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، قد اجتمعوا الخميس في العاصمة الأميركية واشنطن لمناقشة الدفع بتسوية سياسية في سورية. وقال الممثلون عن الدول العربية والغربية، إنهم رحبوا بالإحاطة التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية خلال الاجتماع، بما في ذلك مبادرة “خطوة بخطوة”.
وفي تعليقه على هذه القرارات، قال العميد عوض العلي، القيادي في المعارضة السورية، والذي استقال أخيراً من اللجنة الدستورية السورية، إن نتائج هذا الاجتماع “لا تحمل جديداً خلافاً لتوقعاتنا في ظل الظروف الراهنة”. واستغرب العلي، في تصريح مع “العربي الجديد”، ألا يضم اجتماعاً يناقش قضايا تخص مصير الشعب السوري أي ممثل عن هذا الشعب.
المصدر: العربي الجديد