تصاعدت التحذيرات من خطة تغيير ديموغرافي أخرى تنفذها الميليشيات المرتبطة بايران في ريف حمص الشمالي، مع ازدياد شراء العقارات في الارياف المحيطة ببلدة تلبيسة، وتتنوع بين أراض زراعية ومنازل ومحال تجارية، وبينها مدمرة، إما بقوة السلاح او عن طريق الترغيب بأسعار مرتفعة، استغلالاً لحاجة السكان المحليين وفقرهم نتيجة الاوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
ونشطت أخيراً بشكل لافت حركة البيع والشراء للعقارات لصالح ضباط تابعين للنظام السوري او لصالح تجار عقارات ممن عادوا الى ريف حمص عقب سيطرة النظام السوري عليه منتصف العام 2018.
وبرز من هؤلاء الضباط، رباح العلي، وهو من مرتبات الانشاءات العسكرية، ويتحدر العلي من قرية المختارية المحاذية لمدينة تلبيسة في ريف حمص، ويساعده تاجر عقارات يدعى ناصر النواف. ويكمن دور الاخير في ايجاد الزبائن الراغبين في البيع، سواء ممن بقوا في الريف عقب سيطرة النظام او ممن غادروا أو هجّروا باتجاه الشمال السوري.
ويقول ناشطون معارضون إنه في حال وجدت قطعة أرض أو محل تجاري أو منزل في مكان مميز، يهدد ناصر النواف مالكي العقار بالملاحقة الأمنية في حال كانوا داخل ريف حمص، أو بالمصادرة إذا كانوا خارجه لدفعه الى بيعه.
ويشارك في العملية أيضاً المهندس عبد الرحمن الخطيب، الذي ترأس منصب رئيس شعبة “الهلال الأحمر” في مدينة تلبيسة طيلة الأعوام الثمانية الماضية. ومن المعروف لدى سكان ريف حمص أو ممن فضل البقاء في الريف على التهجير، العلاقة المتينة التي تربط رباح العلي بالميليشيات الإيرانية المتمركزة في قرى المختارية والنجمة وملوك وعتون، وهي قرى ذات غالبية شيعية وملاصقة لمدينة تلبيسة بريف حمص.
تغيير ديموغرافي
يقول محمد طه وهو من سكان مدينة تلبيسة الآن ومطّلع على عمليات البيع والشراء في الريف، إن جمعيتي “جهاد البناء” و”المهدي” الايرانيتين، طلبتا من عدد من التجار المرتبطين بها “شراء المنازل والمحال التجارية والاراضي، وهما تتكفلان بدفع الثمن”، مضيفاً في تصريحات لـ”المدن” أن اكثر الاماكن المستهدفة بالشراء “تلك القريبة من القرى ذات الغالبية الشيعية او العلوية في محيط تلبيسة”، موضحاً أن عدداً من سماسرة قريتي المختارية والنجمة “قاموا بشراء عدد كبير من العقارات سواء منازل أو محال تجارية أو أراض زراعية من الناحية الجنوبية لمدينة تلبيسة المواجهة لبلدتي النجمة والمختارية”.
من جانبه يقول المهندس غزوان علوش من سكان ريف حمص لـ”المدن” إن المغريات التي تُقدّم للأهالي لإقناعهم ببيع ممتلكاتهم “مرتفعة جداً”، مضيفاً أن “ما تسعى إليه ميليشيات إيران هو الوصول إلى أكبر قدر ممكن من مساحة البلدات والمناطق التي تكون تحت سيطرتها المطلقة دون أي منازع لها، وذلك وفق عقود تنظم في دوائر مديريات البلدية التابعة للنظام والتي افتتحت مؤخرا في مدن وأرياف استعاد النظام السيطرة عليها”.
وعن أسباب دفع الإيرانيين لشراء تلك الأبنية المدمرة، يقول علوش إن الربح المادي “ليس هدف الإيرانيين الأساسي أو المرتبطين بهم من عمليات الشراء تلك، بل تسعى الميليشيات الايرانية إلى توسيع نفوذها والسيطرة على أكبر قدر ممكن من مساحات تلك المناطق وامتلاكها وجلب عائلات شيعية لإسكانها فيها”.
وأضاف علوش أن المناطق التي تُباع “لن يسمح لأحد ممن سكنها سابقاً أن يعود إليها لأنها ستتحول إلى مناطق تتبع لميليشيات إيران على اختلاف مسمياتها، وبدأت فعلاً بإسكان عوائل في بعض الممتلكات تكراراً لما حصل في مدينة القصير ضمن خطة تغيير ديموغرافي شاملة تسعى لها إيران”.
ورأى علوش أن هذا السيناريو “بات يتكرر في جميع المناطق في سوريا وليس في ريف حمص الشمالي فقط”، مشيراً الى ان “مدينة القصير كانت أولى المناطق التي رُسِمَت لها خطة تغيير ديموغرافي، وتحولت الى مدينة تحوي بداخلها مئات العائلات لمقاتلي حزب الله اللبناني في سوريا”، كما ان “أهم الأحياء والأماكن في دمشق، باتت سكناً لعوائل إيرانية بعد شرائهم لها بتسهيلات من الحكومة”، وتُضاف الى أحياء في مدينة حلب حيث “تم شراء معظمها من قبل مستثمرين إيرانيين وأصبحت الآن سكناً لعوائل عناصر إيرانية فاعلة في المدينة وبعض الأرياف المحيطة بها”.
ضوء أخضر نظامي لميليشيات ايران
لا تعتمد الميليشيات الإيرانية أو الجمعيات الشيعية الإيرانية على طريقة الشراء المباشر، بل تستعين بسماسرة من أبناء المنطقة، يتوزعون في العديد من مناطقها ولهم معرفة كبيرة بتفاصيل كل منطقة.
وتتم عمليات الشراء بتسهيلات من قبل مؤسسات النظام التي تمنح الموافقات الأمنية لهم خلال فترة زمنية لا تتجاوز أياماً معدودة، في حين تستغرق مثل هذه الإجراءات أحياناً بضعة أشهر، وربما تتجاوز العام الكامل حتى يتم الحصول عليها في أي عملية شراء وبيع عقارات لأبناء المنطقة.
مصدر محلي في مدينة تلدو في ريف حمص طلب عدم الكشف عن هويته، قال لـ”المدن” إن “سماسرة محليين تابعين للحرس الثوري الإيراني من قرى النجمة والمختارية والغور الغربية وملوك، ينشطون الآن في عمليات شراء العقارات والمنازل المدمرة وأراضي النازحين في المدينة بهدف السيطرة عليها بشكل كامل على حساب باقي الميليشيات الأخرى الموجودة داخلها، كالميليشيات التي شكلتها قاعدة حميميم وتتألف من مقاتلين فضلوا البقاء في الريف على التهجير”.
تحذيرات من البيع
في مقابل هذا النشاط المتنامي، وجه عدد من ناشطي ريف حمص الشمالي ممن تم تهجيرهم الى الشمال السوري، مناشدات لسكان الريف للتوقف عن بيع عقاراتهم للميليشيات الايرانية أو للسماسرة المرتبطين بها، ودعوا الناس لمنع مساعدة النظام والميليشيات الايرانية في إكمال مخططاتهم في السيطرة على أكبر قدر ممكن من مدن وبلدات ريف حمص الشمالي.
وقال الناشط محمد نور اليونس الذي يتحدر من مدينة تلبيسة لـ”المدن” إن الدعوات التي أطلقها الناشطون مع الأسف “لم تلق آذاناً صاغية من قبل السكان المحليين أو المهجرين”. وعزا السبب إلى “الفقر الشديد الذي يعاني منه سكان الريف الشمالي لحمص وضغط السماسرة على أصحاب الأرزاق لبيعها بأسعار متفاوتة”، لافتاً الى ان “عمليات البيع لا تزال مستمرة”.
وأكد اليونس أن سكان الريف “أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما الموت جوعاً أو بيع عقاراتهم بغضّ النظر عن الجهة التي تريد الشراء”. وقال إن ذلك يُضاف الى “عجز الأهالي عن ترميم منازلهم المدمرة أو إعادة إعمارها من جديد”.
المصدر: المدن