غيّرت روسيا منذ بداية العام الحالي من طريقة التعاطي الخاصة بها مع الضربات الإسرائيلية على سوريا، وفي الوقت الذي أبدت، الخميس، اعتراضا على قصف مواقع بريف دمشق، أقدمت قبل ذلك بأسابيع على ثلاثة تحركات، اعتبرها محللون روس وإسرائيليون مؤشرا على “تغير في اللهجة”.
وإلى جانب البيان الذي أصدرته “الخارجية الروسية” ووصفت فيه الضربات بأنها “تثير قلقا عميقا وانتهاكا صارخا لسيادة سوريا” كانت موسكو قد سيّرت في السادس والعشرين من يناير الماضي أول دورية جوية مشتركة على طول مرتفعات الجولان.
وقبل ذلك بأسبوعين سّيرت دوريات مشتركة في ميناء اللاذقية السوري، بعد تعرضه لضربات إسرائيلية، لتقدم مؤخرا وفي أثناء الضربات التي استهدفت مواقع في ريف دمشق، فجر الأربعاء، على تنفيذ “عمليات تشويش” انطلاقا من قاعدة حميميم، وهو ما تحدثت عنه هيئة البث الإسرائيلي (كان)، وأكده مراقبون إسرائيليون.
ومنذ عام 2016 تستهدف إسرائيل، بطريقة تبتعد عن التبني، مواقع عسكرية في عموم المناطق السورية التي تخضع لسيطرة النظام السوري، من الجنوب وصولا إلى الشمال والشرق والغرب.
ويصر الجيش الإسرائيلي على مواصلة ضرباته الصاروخية والجوية داخل سوريا، ويقول إنها لمنع إعادة التموضع الإيراني في المنطقة، مضيفا في تصريحات سابقة لمسؤوليه أن عملياته في سوريا يتم تنسيقها ضمن إطار “الخط الساخن” الذي أنشأه مع موسكو، منذ عام 2018.
وهذا الخط الساخن سبق وأن أكدته موسكو أيضا، بينما اتجهت قبل أكثر من عام لسياسة تمثلت بالإعلان عن “تصدي الدفاعات الجوية للصواريخ الإسرائيلية”، ومن ثم اتجهت إلى تحركات أوسع من ذلك، وباتت ملاحظة أكثر، بعد الدخول بعام 2022.
“لهجة جديدة”
رغم التحركات الروسية المذكورة التي بلغ عددها مع بيان الخارجية أربعة، إلا أن إسرائيل لم تتوقف عن استهدافاتها للمواقع العسكرية في سوريا، والتي تقول إنها تضم عناصر لميليشيات إيرانية وأخرى تدعمها طهران.
وبعد الدورية الجوية الروسية على طول مرتفعات الجولان نفذت إسرائيل بعد أيام قليلة ضربات جوية على مواقع في منطقة القطيفة بريف دمشق، وذهبت مؤخرا إلى استهداف مواقع في محيط العاصمة، على الرغم من التقارير التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية بخصوص “عمليات التشويش من حميميم”.
ويرى المحلل الإسرائيلي، يوآف شتيرن أن “العلاقات ما بين روسيا وإسرائيل هي جزء من المعادلة الأكبر”.
ويستبعد أن تكون تحركات موسكو حيال الضربات مرتبطة فقط بالملف السوري، مضيفا في حديث لموقع “الحرة”: “الموضوع ليس إسرائيل وضرباتها على سوريا. روسيا ترى في إسرائيل جزء من الكتلة التي تقف أمامها، سواء أردات الأخيرة أم لم ترد”.
ويشير شتيرن إلى أن موسكو “تحاول الضغط” من خلال عمليات “التشويش” والسماح لعمليات القصف التي تتم من داخل الأراضي السورية اتجاه إسرائيل، موضحا: “الهدف هو التصعيد، ويرتبط بالمواجهة التي تحدث في شرق أوروبا، بين روسيا من جهة والغرب من جهة أخرى”.
من جهته يؤكد المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر أن هناك تغيرا طرأ على طريقة التعاطي الروسية مع الضربات الإسرائيلية في سوريا، واصفا ذلك بأنه “تغير في اللهجة”.
ولا يشمل هذا التغير سوريا ككل، بل ينسحب إلى “كل ما يخص القضايا والصراعات الدولية الأخيرة، على رأسها المشكلة الأوكرانية”، بحسب الشاعر.
ويقول في حديث لموقع “الحرة”: “روسيا بدأت تستخدم لهجة جديدة، تتميز أكثر بالصراحة، كونها لم تلقى أي تجاوب من الأطراف الأخرى عن طريق الحوار. هذه اللهجة عبّر عنها أيضا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف وبيان فلاديمير بوتين في أثناء مؤتمره الصحفي مع ماكرون”.
“لا خلاف بل رسائل”
في غضون ذلك وبخصوص التطورات الأخيرة التي حصلت في أعقاب قصف مواقع في ريف دمشق، تحدثت “هيئة البث الإسرائلية” أن الجيش الروسي شغل أنظمة دفاع إلكترونية في قاعدة حميميم، بالتزامن مع الغارة الإسرائيلية، الأمر الذي تسبب في تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في المنطقة.
وأشارت “كان 11” إلى أن هذا “التشويش” أدى إلى تعطيل حركة هبوط الطائرات في إسرائيل، وقالت إن إسرائيل بعثت رسالة إلى الروس مفادها أن استخدام الأنظمة يضر بها، لكن الروس اعتبروا أن هذه الأنظمة تهدف إلى حماية جنودهم.
ولا ينم ذلك عن “خلاف” بين الجانبين، بحسب الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، نوار شعبان، والذي يرى بأن موسكو “بحاجة لرسم خارطة للمواقع التي تريد استهدافها إسرائيل”.
ويقول شعبان لموقع “الحرة”: “لا يوجد خلاف عميق بين روسيا وإسرائيل. الموضوع أشبه بوضع النقاط على الحروف، وتوضيح المواقع التي يمكن ضربها”.
وهذا ما يؤكده المحلل الإسرائيلي، يوآف شتيرن، بقوله: “ليس هناك موضوع خلاف جديد أو عدم قبول موسكو للسياسية الإسرائيلية اتجاه سوريا. الموضوع يعود إلى المواجهات الروسية مع دول الغرب”.
ويوضح شتيرن أن روسيا تضغط في الوقت الحالي من شمال أوروبا عبورا من أوكرانيا ووصولا إلى الشرق الأوسط”.
ويتابع المحلل السياسي: “لهذا السبب هناك إمكانية أن تتحلحل الأمور بعد انتهاء التوتر في أوروبا بشكل عام. بعد ذلك سنرى قبول روسي بما تريده إسرائيل بأنها تريد حماية أمنها القومي من الوجود الإيراني”.
“كشف تدريجي”
وقبل نهاية عام 2021 كان المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، قال إنه “من المستحيل إغلاق هذه القضية”، في تعليقه عن الضربات الإسرائيلية المتكررة في البلاد.
وأضاف، في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”: “الإسرائيليون يصرون على ما يسمونه حق الدفاع عن النفس وحماية الأمن القومي. هم يقولون إنهم يستهدفون أهدافا إيرانية. لنقل ذلك بصراحة”.
وتعتبر مسألة التواجد الإيراني في سوريا أحد المسائل العالقة، والتي لطالما اعتبرها النظام السوري “شرعية”، كون القوات الإيرانية دخلت إلى البلاد “بطلب من الحكومة السورية”.
ونادرا ما تخرج تصريحات توضح ماهية العلاقة بين حلفاء رئيس النظام، بشار الأسد (إيران، وروسيا)، وبينما تشير العديد من التقارير المحلية والغربية عن وجود “صدع غير معلن” بينهما، إلا أن ذلك لم يثبت بمواقف رسمية لمسؤولي البلدين.
كما لم يثبت حتى الآن أي ربط رسمي بين تحركات موسكو في سوريا ونظيرتها على الحدود الأوكرانية، فيما لا توجد أي بوادر للحل السلمي بخصوص الأخيرة حتى يومنا هذا، حيث ما يزال التصعيد سيد الموقف.
ويقرأ ناصر زهير الباحث في العلاقات الدولية بمركز جنيف للدراسات السياسية تحركات روسيا اتجاه إسرائيل بأنها “متعلقة بالأزمة الأوكرانية”، قائلا إنها “تحاول إرسال رسائل بأنها تستطيع الضغط، والإمساك بزمام المبادرة في أكثر من ملف”.
ويضيف الباحث في حديث لموقع “الحرة”: “روسيا تحاول الدفع بإسرائيل للضغط على أمريكا في الموضوع الأوكراني، أول القول إنها قادرة على تسيير أكثر من ملف”.
ويوضح زهير أن “العلاقة بين روسيا وإسرائيل أكبر من هذه الخلافات، والأولى لن تمنع إسرائيل بشكل أو بآخر بل التضييق عليها. من مصلحة موسكو استمرار الضربات، لأن تقوية النفوذ الإيراني على الأرض يعني تقليص نفوذ روسيا بشكل أو بآخر”.
أما المحلل السياسي، رامي الشاعر فقد تحدث عن عدة نقاط تقف وراء تغير طريقة التعاطي الروسية، من بينها أن موسكو تريد أن تقول إن “استمرار التعدي على سوريا سيجر إلى تدخل طرف ثالث وهي إيران”، كما أن “تصرفات إسرائيل تشكل خطرا على أجواء الملاحة الجوية في سوريا ولبنان والأردن وغيرها..”.
ويضيف المحلل: “روسيا ترى أيضا في الاعتداءات الإسرائيلية أنها تهدف إلى دعم موقف واشنطن في عدم الاعتراف بالسيادة السورية الحالية، ودعم سياسة العقوبات والحصار الاقتصادي على سوريا”، متحدثا عما وصفه بـ”الكشف التدريجي للموقف” الذي ستتخذه موسكو في المرحلة المقبلة.
المصدر: الحرة. نت