ابتسام تريسي روائية سورية متميزة، قرأت لها أغلب انتاجها الروائي، تنتمي للثورة السورية، وقد واكبتها في رواياتها. المعراج رواية تعتمد أسلوب السرد بلغة المتكلم، من يوسف الشخصية المركزية في الرواية. يبدأ الحدث الروائي من داخل فلسطين أيام الاحتلال الانكليزي، ومن قرية فيها اسمها عين كارم قريبة من القدس. ترصد الرواية حياة الطفل يوسف الذي دخل المدرسة الابتدائية، أمه صفية ترعاه وتهتم بشؤونه وتحمسه للالتحاق بالمدرسة والتفوق فيها، تسكن في حارته فاطمة الطفلة التي من عمره، يرافقها طريق المدرسة، يحس بتميّزه عن رفاقه بسبب صحبته لفاطمة، وبقية الأطفال يحسدونه على هذه الصحبة، فاطمة تراه رفيق طفولتها واللعب معها في الحارة. كبر يوسف وكبرت فاطمة، وفي الوقت الذي دخلا في سن النضج. تنقطع فاطمة عن المدرسة، يعلم يوسف من أمه أنها خطبت وسوف تتزوج. اكتشف يوسف أنه يحب فاطمة، حدث أمه أنه يحبها ويريد أن يتزوجها هو، تواجهه أمه بأنه لا يزال صغيرا وأن طريقه طويل، وعليه أن يدرس ويصبح طبيبا أولا، ثم ليفكر بالزواج. لم يقبل يوسف بهذا، عانى كثيرا، لكن فاطمة ستتزوج وتخرج من حياته، أما هو فلم يستطع نسيانها. فتنة جارتهم التي تزوجت من رجل يكبرها بعقود، عوضت عن زواجها السيء عبر انفتاحها في علاقاتها مع كثير من الرجال. التقت بيوسف في الجبل المطل على القرية، حيث كان يهرب من خيبته وخسارته لفاطمة، حدثته عن فاطمة وأنها راحت بحال سبيلها، وأنها مستعدة أن تعوضه بجسدها عن خسارة هذا الحب. كانت فتنة مدخله الى الجسد والجنس والمتعة، لكنها لم تستطع أن تنسيه فاطمة. ومرت الايام وحملت فاطمة جنينها، وعند ولادتها ماتت. شكل موتها ألما في حياة يوسف لم يستطع التحرر منه. وداوم على الذهاب للجبل والاعتكاف به. كانت تأتيه فتنة إلى هناك ويعاشرها جنسيا، ولكن لم يكن ليتحرر من حب فاطمة رغم موتها. استمر الحال حتى جاءت إلى الجبل امرأة وزوجها مع أغنامهم يرعون في جواره، أحس بأن المرأة واسمها خزامى هي مبتغاه وحبه الذي يفتقده، وهي بالمقابل أحبته وتعلقت به. وعاشا علاقات جسدية مفتوحة، لكن الراعية لم تستقر بالمكان، سرعان ماغادرت مع زوجها، وزرعت في نفسه غصة جديدة. كانت عائلة يوسف قد قررت تزويج يوسف من جميلة ابنة عمّه، وهو كان يرفض داخل نفسه، ولم يستطع أن يعلن ذلك، لكي لا يكسر كلمة والده أو يصنع حزازات في العائلة. كان الحل عنده أن يتهرّب من الزواج بدعوى أنه يريد متابعة دراسته الجامعية خارج المنطقة ومدارسها الآن. حصل على الشهادة الثانوية، بعث خطابا إلى جامعة بير زيت واخفى ذلك عن أهله، إلى أن جاء قبوله في الجامعة. وقبل ذهابه إلى الجامعة اجتمعت العائلة وعقدت قرانه على جميلة ابنة عمه، على يتزوجها بعد إتمام دراسته. واكتشف أن لا حل عنده. في هذه السنوات كانت الهجرات اليهودية الى فلسطين تزداد، وقام بعض الفلسطينيين بمواجهة اليهود بالسلاح منها ثورة ١٩٣٦م بقيادة القسام، واستمرت المناوشات بين العرب والصهاينة، كان يمنعها المستعمر الانكليزي، ولما غادر الانكليز في سنة النكبة ١٩٤٨م، كان الصهاينة جاهزين عسكريا لحرب واسعة على الفلسطينيين تدفعهم من خلالها إلى اللجوء خارج فلسطين، مذابح وتدمير قرى فوق رؤوس أهلها، واجه بعض الاهالي الصهاينة بسلاحهم الخفيف والقليل، لكن الغلبة كانت للصهاينة. كما انتصروا على جيوش عربية ضعيفة وهشّة. حصلت النكبة عام م،١٩٤٨ وبعدها هزيمة حزيران النكسة ١٩٦٧م، وأدت إلى لجوء آخر لأغلب العائلات الفلسطينية التي غادرت وفي أعناق نسائها مفاتيح بيوتهم، على أن العودة قريبة. غادرت عائلة يوسف الى مخيم قرب جنين، حيث يتزوج ابنة عمه جميلة مرغما، بعد أن أتم دراسته وأصبح طبيبا، عاش معها وعاشرها وأنجب منها اربع بنات، لكنّ روحه بقيت معلقة في الراعية خزامى التي غادرت دون عودة. عمل طبيبا في المشفى الاميري في الكويت، وهناك التقى بعائدة. كانت عائدة ممرضة حيث يعمل في المشفى، اهتمت به، أدركت أزمته مع زوجته، كانت بالنسبة له واحة في صحراء حياته. عمل في الكويت ، جمع المال و اشترى العقارات والأراضي في الأردن وفي البلاد. مع ذلك بقي يوسف مفتقدا لذاك الحب الذي سكن روحه ونفسه. قرر يوسف أن يتابع ما تأمره به نفسه، باحثا عن حب يفتقده ويملك عليه نفسه وروحه. ها هو يتنقل في بلاد الدنيا متتبعا نداء قلبه. يصل الى اليابان ويتعرف على أشكال من الحب والتعلق المُعجز، ذلك الذي يبني بيته ويعيش حياته مع حبيبته المتوفية منذ سنوات بعيدة، وكأنها معه تعيش في بيته وداخل نفسه. أما في الهند فقد وصل الى أسرة مكونة من أم وابنتها. روحه تعلقت بالأم التي بقيت مخلصة لذكرى زوجها، والبنت التي تعلقت به إلى درجة الجنون، عاشرته جسديا، أرادت الزواج منه، لكنه غادرها هاربا، تركها وراءه، وترك ذكرى معلمه الذي كان يعتقد أن تسامي الروح في علاقتها مع المطلق أقوى وأفضل من الارتباط بملذات الدنيا العابرة، لكنه انهزم امام حبه للمرأة التي عاش يوسف في كنفها، لم يحتمل انقلاب معتقداته، انتحر تاركا يوسف مع غصّة. التقى يوسف في رحلته مع جمال علي الصديق السوري (والد محمد علي ذهب إلى السفر برلك وحارب في جناق قلعة ولم يعد، لكن ابنه سمع أنه تزوج امرأة تركية في الأناضول وجاء بحثا عنه) تتبع أثره من تركيا إلى سوريا إلى مصر إلى فلسطين
الذي يبحث عن والده الذي غادر مصر الى فلسطين ايام حرب ١٩٧٣ ولم يعد. رافقه تجواله وصلا سويّة الى اسطنبول، وفيها أيضا التقى بدرية التي وجدها نسخة عن خزامى التي يبحث عنها والتي يجدها دوما مجسدة بأنثى حيث ينتقل في حله وترحاله. كان يعاشر جنسيا البعض منهنّ والبعض يستعصين عليه، سرعان ما يغادرنه أو يغادرهنّ متابعا نداء روحه. من اسطنبول توجه الى حلب، هناك استقرت روحه على فرح اليهودية، التي اهتمت به وأظهرت أنها تبادله الحب، والتي اكتشف عبرها طقوس قتل إنسان غير يهودي ليأخذوا من دمه لصناعة فطير صهيون، يغادرها وهو خائف ومستاء. ثم يغادر مع صديقه جمال علي الى دمشق، في دمشق تعرفت روحه على نفيسة خانم ووجد بها حبه الذي يبحث عنه، عاش بعض الوقت في بيتها الدمشقي الجميل، لكنه غادرها ليتابع نداء قلبه، متوجها جنوبا الى العريش. في طريقه يلتقي بتكيّة صوفية ودراويش، يجد فيها شيخه ايام الكتاب في عين كارم، الشيخ عمر ويعرف أنه هو شيخ التكيّة، يستعيد طفولته، يذكر شيخه بنفسه، ويتذكره. ثم يتابع طريقه الى غزة متوغلا في صحراء سيناء، وصل إلى مضارب بدو رحّل. عندهم التقى مرة اخرى بالممرضة عائدة، وكانت له مفاجأة سارة، كانت تنوي مثله العودة الى البلاد عن طريق غزة، رافقته في رحلته مع البدو الذين يقومون بالتهريب بين (اسرائيل) ومصر وليبيا، يهربون الجِمال والمخدرات والبشر. سلموا أنفسهم للمهرب الذي كان نفسه زوج خزامى حبيبته، لكنه لم يجدها معه ابدا. استطاع يوسف أخيرا أن يصل إلى البلاد وأن يصل إلى عين كارم، ويتفقد بيوتها ومراتع طفولته. هذا بيتهم ، هذا الجامع الذي تحول إلى بقالية، هذا بيت مهدم وبني مكانه عمارة، تجديد كبير في المدينة لكنها خاوية من أهلها، مليئة بالغرباء اليهود، لمح في البلدة فرح اليهودية الحلبية، التي رفضت أن تتزوج من يعقوب الامريكي وتغادر معه الى أمريكا. هاهي تعيش في عين كارم في بيت لم يكن لها يوما ؟!!.
تنتهي الرواية عند قبر ليوسف كتب عليه أنه شهيد وتاريخ استشهاده هو تاريخ توقيع السادات رئيس مصر الأسبق اتفاقية الصلح مع العدو الصهيوني عام ١٩٧٩م.
في تحليل الرواية نقول:
٠ نحن أمام رواية كتبتها ابتسام تريسي عام ٢٠٠٧م ابنة سورية التي و ككل العرب والسوريين يرون أن قضية فلسطين هي في القلب داخل نفوسهم، وأن مسؤولية تحرير فلسطين هي مسؤولية عربية كما هي فلسطينية، والرواية نُشرت بعد خمسين عاما عن اعلان دولة (اسرائيل) على جزء من أرض فلسطين. تريد أن تقول أن فلسطين لنا ، لن ننسى ولن نتنازل عن حقنا في تحريرها.
٠ في نهاية الرواية رمز عبر شاهدة قبر يوسف، أن تأبيد خسارة فلسطين واستقرار الصهاينة فيها، حصل عندما وقع السادات صلحه مع العدو الصهيوني، وخرجت مصر من معركة تحرير فلسطين.
٠ في الرواية مستويين للمعاش داخل وجدان بطلها، فيها بعض من نداء الروح، وبعض من حب متغلغل بالنفس تزيده الايام عمقا وتجذرا. فيها بعض تصوف، وبعض تعلق في المطلق الله الذي يحكمنا كلنا كيفما عشنا وكيفما توجهنا. ولذلك يظهر أن حب يوسف لخزامى حب يحاول أن يجد تحققه في كل امرأة يلتقي بها، لكنه يتابع بحثه لكي يجدها ولن يجدها… هكذا دائرة الحب الكامل لا تكتمل.
٠ المرأة في الرواية هي السر الذي تكتمل روعة الوجود الانساني من خلال وجودها، هي محركة طاقة الوجود الانساني، هي نوره النابع من القلب والموجّهة لطاقة الحياة.
٠ في الرواية رسالة متضمنة أن ابن فلسطين اللاجئ المبعد عن وطنه، تجده أينما توجه ومهما طال به الزمان ستبقى بوصلة قلبه وروحه وعقله فلسطين، بلاده المفتقدة، جنته التي طرد منها ويحلم دائما للعودة إليها.
٠ اخيرا وبعد ما يزيد عن عقد من زمان كتابة الرواية، نحن الان في ٢٠٢٠م، ها نحن السوريين اللاجئين المبعدين عن بلادنا، بعد أن اندلعت ثورة الشعب السوري عام ٢٠١١م ضد الاستبداد والقهر والاستغلال، وكيف واجهنا النظام القاتل، بعضنا زرع بها شهيدا، وبعضنا غادرها ليحافظ على الحياة، ونكرر نحن السوريين رحلة الفلسطيني في حلمه للعودة الى فلسطين، سنعود إلى بلادنا مهجة القلب ومهوى الروح. ونكتشف ان الاستعمار والاستبداد صنوان لهدر انسانية الانسان. واننا سنعود يوما نحن السوريين لبناء حياتنا الحرة الكريمة العادلة الديمقراطية.
ولو بعد حين.