بغض النظر عن اختلاف الآراء حول تقييم التاريخ المشترك الطويل بيننا – نحن السوريين- وبين الإخوة الأتراك الذين يستضيفون اليوم، ومنذ ما يقارب الثمانية أعوام، نحو أربعة ملايين سوري إضافة إلى مسائل أخرى، فرضتها ظروف السوريين الاستثنائية، وحالات الجوار، والحدود الطويلة المشتركة بين الطرفين، وأعني بذلك نشوء علاقات بين نخب تركية سياسية وإدارية وثقافية، وما يماثلها من نخب في الداخل السوري الذي يزيد عدد سكانه أو يقل قليلاً عما هو موجود داخل تركيا اليوم. وعلى الرغم من أنَّ أحداً لا يعلم مآل هذه الاستضافة، ولا مستقبل تلك العلاقة إلا أنَّ أفق جيل الشباب، واليافعين منهم على وجه الخصوص، ناهيكم بمواليد تركيا، وبالأطفال الذين تعلموا ويتعلمون اليوم في مدارسها، ويكوّنون معارف وصداقات مع أترابهم الأتراك، فالغالب أن حياتهم هذه سوف تشكل مع الأيام نوعاً من الانتماء الجديد للبلد الذي تربوا في ربوعه.
أردت من هذه المقدمة الدخول إلى رحاب الاجتماع الذي جرى بين الجالية السورية وبين مدير مؤسسة “وقف بلبل زادة” السيد “تورغاي ألدمير” يوم الثلاثاء 14 كانون الأول/ ديسمبر 2021 بمقر الوقف في منطقة “يوز بيش إيفلار” بهدف إجراء حوار حول مسألة الاندماج، ومحاولة لتفهّم مشكلات السوريين، وخلق تقارب بين الشعبين التركي والسوري أكثر فأكثر! والحقيقة أن الاجتماع، وبالحوارات التي دارت خلاله، جرى في السياق ذاته، وأعطى صورة إيجابية عما هو متكوِّن في ذهنية الطرفين.
وقد طرحت قضايا كثيرة مهمة، لا يتسع المجال للدخول في تفاصيلها، ولا للتعرض إلى الكلمات التي غلب عليها الطابع البروتوكولي أو تلك التي عادت إلى التاريخ البعيد. ولكن لابد من الإشارة إلى ما تفضل به السيد “تورغاي ألدمير” الذي افتتح الجلسة وأوجز الحديث عن العلاقة التاريخية بين الشعبين، التي تتجدد اليوم مؤكدة أن المستقبل مشترك أيضاً إذ تفرضه اليوم عوامل الحاضر أكثر من ذلك الماضي البعيد الذي غدا بكليته في ذمة التاريخ، وطرح عدداً من الأسئلة فاتحاً، من خلالها، باب الحوار للحاضرين.
ولعلّ ما يستوجب ذكره، وربما الأكثر أهمية في هذا المجال، هو أن تركيا كانت في أعين الثورة السورية لدى قيامها، وربما قبل ذلك، حلماً في بناء دولة نامية تحتذى على غير صعيد. إذ هي دولة تقوم على أسس عَلمانية، ووفق مبادئ الديمقراطية التي تمنح تداولاً للسلطة، وتسمح باستعادة السياسة بأحزابها، وإعلامها، وانتخاباتها البرلمانية، والرئاسية، الأمر الذي يجعلها منطلقاً لتنمية البلاد السورية التي أوقفها الاستبداد العسكري والأمني، على مدى خمسين عاماً، فغدت أشبه بمستنقع تعيش فيه، وتتعيش منه طحالب الفساد والمفسدين. وهذا ما أشار إليه الأستاذ “حسن النيفي” إذ قال: “إننا نتطلع إلى دولة تشابه تركيا في نموها السياسي، والاقتصادي، وفي تقدمها الاجتماعي. دولة عَلمانية يحكمها القانون بعيداً عن أيَّ معتقد كان، دولة تقوم على أسس من الديمقراطية لا تميز فيها بين مواطن وآخر.” وبرز في الاجتماع تخوف من إعادة تأهيل الأسد وعودة النظام، وهذا يعني الإبقاء على حالة التشتت، والضياع الذي يعيشه الشعب السوري. لذلك تمنى الأستاذ “أيمن أبو هاشم” على الأصدقاء الأتراك “التمسك بموقفهم تجاه حل للمسألة السورية يحقق للسوريين عودتهم الآمنة، وبناء حلمهم في دولة لكل السوريين. وأكَّد أهمية أن يلعب الإخوة الأتراك دوراً أكثر إيجابية في تعزيز دور مجالس المدن والبلدات للتغلب على ما يحدث أحياناً من تجاوز يسيء إلى السوريين!” وتحدث عدد من النساء ومنهن السيدة سميرة البهو التي أشارت إلى بعض هموم السوريين ومنها مشكلة إذن السفر الذي يسبب متاعب جمة، فالسوريون موجودون في معظم المدن السورية وتقتضي الضرورة أحياناً القيام بزيارة أب أو أم أو أخ أو ابن فلا بد من تسهيل شروطه إن تعذّر إلغاؤه كلياً. واقترحت من جهة ثانية، على وزارة التربية التركية إدخال اللغة العربية لغة ثانية في المدارس التركية وجامعاتها. لما لها من دور مهم في مسألة الاندماج التي يجري الحديث عنها. فهذا الأمر يخص السوريين والأتراك على السواء.
وتحدث عدد من الإخوة الأتراك عما يقدمونه من مساعدات لمجالس المدن في الشمال السوري مثل مدن الباب وجرابلس وعفرين والمدن الصغيرة التابعة لها وما أنجز من خدمات كإيصال الكهرباء وإنشاء مراكز ثقافية.
وكان المهندس علاء الدين حسو قد قدم في بداية الاجتماع الدكتور مصطفى الحسين رئيس الجالية السورية في غازي عينتاب الذي رحب بالحضور وقدَّم السيد “تورغاي ألدمير” كما قام بالترجمة المباشرة باقتدار.
المصدر: اشراق