في حوار جدي وصريح ومميز، بدأ السيد تورغاي ألدَمير ندوة نخبوبة في مقر وقف بلبل زادة، في عينتاب، محاولًا الإمساك بمعطيات الواقع ومتغيراته، وصولًا إلى المستقبل المشترك بين الأتراك والسوريين، من منطلق أن مصائرنا واحدة، ومستقبلنا أيضًا، وقد حضر اللقاء جمع كريم من أهل السياسة والثقافة والفكر، من أجل المزيد من العلاقة التفاعلية بين العرب والترك، تهيئة نحو إعادة بناء مداميمك البناء عالي البنيان والمشترك، وهو الملاذ الذي لابد منه تأسيسًا لقيام العمارة المشتركة التي تحاكي الواقع والمستقبل في آن واحد.
صحيفة إ(شراق) سألت بعض المشاركين في هذا اللقاء عن انطباعاتهم حول الندوة المشار إليها حيث أكد الدكتور مصطفى الحسين رئيس الجالية السورية في عينتاب مؤكدًا أن:“الندوة كانت قد ركزت على المستقبل المشترك والتعايش المشترك عن طريق الاستفادة من كل التجارب الإقليمية والدولية والأوروبية من خلال طريق العقل الفعال وليس العقل الكسول بحيث نستفيد من كل الخبرات والتجارب لدى المفكرين والسياسيين والمثقفين السوريين والأتراك بآن معاً لأننا لم نعد ضيوفًا في تركيا بل إن كل سوري مؤهلًا لأن يكون عضوًا ليعيش بشكل مشترك مع أخيه التركي، أي نقبل التأقلم والتعايش المشترك ولم نعد ضيوفا ً في تركيا ولعل مقدار نجاحنا هو تسليح شبابنا السوري الواعي بالفكر والعلم والمعرفة، بحيث يتأقلم مع الشباب التركي في هذا المجال والتخلي عن السلل الغذائية والمساعدات المادية والاعتماد على النفس بشكل رئيسي والإعداد لجيل واعي قادم يؤسس لمرحلة جديدة، وسورية جديدة، تعم فيها العدالة الاجتماعية العامة ودولة المواطنة والحل الوحيد في المستقبل وفي التعايش المشترك بغض النظر عن العرق والدين والمذهب وعن الرؤيا بشكل عام، إن كان الأفراد ينتمون إلى اليسار أو اليمين، والحل الوحيد هو التعايش المشترك والتعايش مع كل هذه الشرائح بدون أي تمييز أو تفرقة”.
أما المحامي أيمن أبو هاشم المنسق العام لتجمع (مصير) فقال:” أهمية هذا اللقاء أنه يوفر منصة لردم فجوة الجهل المتبادل بين المجتمعين التركي والسوري، وإسماع هموم ومشكلات اللاجئين السوريين في تركيا، من خلال قيادات ونخب المجتمع المدني في تركيا، وهم أصحاب دور مؤثر كالسيد تورغاي ألدمير في إيصال أصوات اللاجئين إلى صناع القرار في تركيا.
ومن ضمن تلك القضايا التي تناولها اللقاء في وقف بلبل زادة، حث الحكومة التركية على التمسك بموقفها الرافض لإعادة تأهيل الأسد دولياً، لما لذلك من أهمية في طمأنة قرابة ٤ مليون لاجئ سوري، بأن عودتهم الآمنة والطوعية إلى سورية لايمكن تحقيقها بوجود هذا النظام المجرم وحليفه الإيراني.” ثم قال :” كما تحدثنا عن دور تركيا في مناطق الشمال السوري، وما يمكن أن تقوم به لمساعد السوريين في تلك المناطق على ضبط ومعالجة حالة الفوضى التي تصدر عن بعض الجهات العسكرية والمدنية التي تربطها بتركيا علاقة وثيقة. وضرورة تعزيز الحوكمة بمرجعية وطنية مؤسساتية. وبخصوص أوضاع اللاجئين في تركيا تحدثنا على أهمية بناء جسور التفاهم والتلاقي بين الأتراك والسوريين، لتفويت الفرصة على أبواق التحريض والفتنة التي يدفع ثمنها اللاجئون باعتبارهم الحلقة الضعيفة في هذه المعادلة، وهذا يتطلب جهودًا كبيرة من خلال التوعية المجتمعية بحقوق اللاجئين، وإطلاق مبادرات تعزز علاقات الأخوة بين المجتمع المضيف واللاجئين”.
من جهتها فقد قالت الناشطة السورية السيدة شكران حاج درويش أنه ” صار الإندماج بعد أن تجاوزنا العشر سنوات من الضرورة لربط المجتمع السوري، وليس فقط الإندماج بالأتراك ،
فالأطفال السوريون صارت لغتهم الأم اللغة التركية، وهذا أسس لجيل بعيد عن لغته،
وحاجة السوري للعمل بأجر متدني ليستطيع تأمين حاجاته فتح له المجال للعمل، وهذا نوع من الإندماج . وتداول اللغة العربية لدى الشارع التركي من تجار وسائقين فيه الكثير من الإندماج وكسر الحواجز بين الشعب المستضيف وضيوفهم السوريين.” ثم أضافت ” كل ماأتمناه أن تقرر مادة اللغة العربية في المناهج التركية، فهي لغة القرآن الكريم التي يعتز بها كل من السوري والتركي، وتكون هناك لقاءات أدبيه تغني الثقافتين بما جاد به الأدباء العرب والأتراك”.
الأكاديمي الدكتور محيي الدين بنانا الأستاذ في كلية الهندسة قال:” إنني أرى أن الاندماج حالة صحية بشكل عام، عندما تأتي أقوام مهاجرة إلى بلد قوم آخر فيصبح الاندماج ضرورة حتمية للقوم الوافد مع القوم المستضيف. هذا بشكل عام، وبشكل خاص في تركيا أرى أن هناك من العوامل المشجعة على الاندماج أكثر من العوامل التي تقف حائلًا دونه، فهناك العادات المشتركة التابعة من دين واحد وهو الإسلام والتزاوج القديم الحديث بين أبناء الشعبين التركي والسوري، والمصالح المشتركة بينهما، وخاصة الاقتصادية منها، فهم يشكلون فريق عمل مهم في مختلف مناحي الحياة الصناعية والتجارية والاستثمارية بشكل عام فهم (أي السوريين) بحكم وجودهم على الأراضي التركية سيساهمون وبرغبة حقيقية في بناء تركيا وصولًا إلى أن فريق العمل المشترك هذا سيبني سورية المستقبل بعد إيجاد الحل المناسب في سورية” ثم قال :” إذا نظرنا للموضوع بنظرة أكثر دقة وأخص بالذكر هنا الجانب التعليمي كوني أكاديمي، فإنني أرى أنه من الضرورة القصوى الاستفادة من حاملي الشهادات العليا (الدكتوراة والماجستير) المتواجدين على الأراضي التركية والذين يقدر عددهم بما يزيد عن الألف أكاديمي، وقد حققت التجربة الرائدة في البرنامج العربي في بعض الجامعات التركية نجاحًا باهرًا في هذا المضمار من حيث استيعاب عددًا لابأس به من الطلاب السوريين في هذه الجامعات والذين حصلوا ويحصلون على شهادة معترف بها تؤهلهم العمل أومتابعة دراستهم العليا (ماجستير ودكتورة) في الجامعات التركية أوفي أي من جامعات العالم بالإضافة إلى الاستفادة من جزء من الأكاديميين السوريين الذين أتيح لهم المجال للعمل في هذه الجامعات، وإنني أرى أنه عوضًاعن تطوير هذا البرنامج وتوسعته تأكيدًا على الاندماج والعمل المشترك بين السوريين والأتراك فقد قامت بعض الجامعات بإغلاق البرنامج العربي اعتبارًا من هذا العام، الأمر الذي سيؤدي إلى حرمان عددًا لايستهان به من الطلاب من الالتحاق بالجامعات، والذي سينعكس أيضًا سلبًا على الأكاديميين السوريين الذين سيصبحون بدون عمل. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنني أرى أن في سورية أعدادًا كبيرة من الأبحاث التي تزخر بها في جميع نواحي الحياة (أبحاث في إعادة الأعمار __دراسة مخلفات الحرب على الحياة البشرية وعلى الحيوانات __دراسة نتائج الحرب على صحة الإنسان في سورية وظهور الأمراض الجديدة وغير المألوفة سابقًا في سورية جراء القنابل والبراميل والصواريخ التي انهمرت على السكان في سورية من قبل الطاغية وأعوانه، أضف إلى ذلك التدمير الذي لحق بالمحاصيل الزراعية __دراسة نتائج الحرب على الصحة النفسية والتي ظهرت على شكل تصرفات شاذة عند الكبار وعند الأطفال). كل هذا يستدعي القيام بأبحاث مشتركة بين الأكاديميين السوريين والأكاديميين الأتراك والتي نتائجها ستنعكس إيجابيًاعلى تركيا وعلى سورية المستقبل.” وانتهى إلى القول ” إن الندوة التي أقيمت في مقر وقف بلبل زادة بتاريخ 14/12/2021تكتسي أهمية كبيرة في هذه المرحلة فقد لامست وجدان السوريين والأتراك وحثتهم على الاندماج والعمل المشترك الذي سيقدم خدمات بالغة الأهمية للبلدين الشقيقين تركيا وسورية.”
الفنان ورسام الكاريكتير السيد خالد قطاع قال” برأيي من المهم إدراك كلا الطرفين التركي والسوري أنهما يعيشان مصيرًا مشتركًا، وخصوصاً بعد ثورات الربيع العربي وقيام الثورة السورية حيث انكشفت حقيقة النظام الدولي الذي يدعم الأنظمة الديكتاتورية المحلية لتبقى خاضعة للمنظومته، وهي أيضاً تسعى لإخضاع الدولة التركية وإيجاد حكومة ديكتاتورية تشبه الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية والتي ترضخ لمصالح هذا النظام الدولي، بالتالي من المهم التيقن أن كلا الشعبين التركي والسوري يخوضان حرباً واحدة ويسعيان نحو مستقبل يتمتع فيه الإنسان التركي والإنسان السوري بالحرية والكرامة وتحقيق العدالة، لذلك على كلا الطرفين أن يدركا المشترك بينهما مع العلم أن مساحة المشترك واسعة جداً فهي تشمل الدين والعادات والتقاليد والقيم الأخلاقية والتاريخ المشترك والمطامح المستقبلية نحو حياة أفضل، وأن يتجاوزا الاختلافات الثانوية في هذه المرحلة الحرجة، وأن يجدا آلية للتعايش مع الواقع واستيعابه والعمل على تغييره نحو الأفضل، فهما يخوضان معركة واحدة ضد عدو تاريخي، وأي خلاف فإنه سيقع في مصلحة العدو ويؤدي إلى خسارة الطرفين، إن هذا المشترك متحققًا بين الشعبين السوري والتركي على وجه الخصوص ومع الشعب العربي على وجه العموم الذي يتوق للتحرر من أنظمته المستبدة ويجد في تركيا نموذجًا ملهمًا ورائدًا للتحرر والتقدم ومواجهة النظام الدولي المستبد، وهذه الشعوب تراقب العلاقة التركية السورية وتترقب نجاحها وتأمل ألا تفشل لأن هذه التجربة إن فشلت لا سمح الله ستؤثر سلباً على صورة تركيا النموذجية في مخيلة الشباب العربي وتفقد تركيا الدور الريادي المتوقع منها وهذه خسارة لا نتمناها وإنما نرجو النجاح والانتصار، وهذا يتوقف على حكمة القادة الأتراك والنخبة السورية في إدارة هذه المرحلة الحرجة.”.
المصدر: إشراق